ثقافة وفن

«دمشق يا بسمة الحزن» إحدى كلاسيكيات الدراما السورية وروائعها … د. لطفي فؤاد لطفي لـ«الوطـن»: يسعدني حقاً اعتبار الأفلام الوثائقية التي أخرجتها وثيقة تاريخية

| سوسن صيداوي

بين الأمانة والواجب، بين الصورة الثابتة والمتحركة، بين الحرف والنصوص، بين الأبحاث والدراسات. يبقى منكباً وشغوفاً، جالساً في ركنه، ناسياً زحام سير الحياة، مكتفيا بصحبة حيوات بمظاهرها جمعاء، عاشت لآلاف السنين عبر حضارة، يجلّها وترتكز باهتماماته ثابتة في معظم محطات حياته.
إنه الدكتور لطفي فؤاد لطفي كاتب وباحث، مخرج ومنتج برامج متنوعة وأفلام وثائقية. أسرته الكلمة منذ الصغر، وتشكيل حروفها وصياغة جملها، أصبحت هواية لتشجيعها، كانت «خرجيّته» من أبيه دائماً حاضرة. بعدها الرواية أصبحت منبعاً ملهماً لأفكاره الإخراجية سواء بأفلامه السينمائية أم الدرامية، وبين «دمشق يا بسمة الحزن» و«ابتسامة الجيوكندا» طالت القائمة بين العديد من المسلسلات والأفلام السينمائية والأفلام الوثائقية. للدكتور لطفي مسيرة بحثية، توثيقية، فنية، إبداعية معطاء وحافلة بالنجاحات والتكريمات التي لا يعيرها الاهتمام، فهدفه تقديم خدمة لوطنه الحبيب سورية ولمجتمعه الذي يأمل منه أن ينتفض كي يخرج من عمق ضغوطاته وانكساراته، إنساناً مثقفاً، ابن حضارة وراع لها.
«الوطـن» التقت الباحث د. لطفي فؤاد لطفي وإليكم الحوار:

اليوم إذا أحببت أن تُخرج فيلما لتوثيق الأحداث التي دارت خلال الأزمة السورية، وعلى الخصوص لتنقل صورة الويلات التي أحاطت بالتراث السوري وبصانعه ابن الحضارة. كيف سيكون الفيلم؟ ومن أين ستنطلق؟

سأنطلق من خلال العمارة، لكونها منتجاً إنسانياً حياتياً، فهي الأقدر على سرد ورواية أحداث حيوات الناس بكل وضوح وصراحة. طبعا سأحكي قصصي عن العمارة – ليس بالطريقة التوثيقية المعتادة- بل من خلال سرد لما جرى عليها، عبر أحداث وروايات دارت حولها وأثرت فيها، مع كل ما هو مرتبط ومحيط أيضاً.

لنقف هنا عند جملة (ما جرى على العمارة).. الأزمة على سورية هادفة لطمس الهوية السورية، اليوم من الضرورات البالغة نشر الوعي بأهمية إرثنا الثقافي، فكيف سيكون دوركم عبر ما تجيدونه من أعمال متنوعة: تأليف وسينما ودراما؟
هذا ما أركز عليه في أبحاثي ومؤلفاتي منها كتابي (التاريخ المعماري لبلاد الشام1918-1946)، وكتاب (التاريخ العمراني لدمشق1518-1916) الصادر عن الهيئة العامة للكتاب 2011، وعبر أعمالي المتعلقة بمدينة حلب، فتحدثت عمّا تعرضت له هذه المدينة عبر التاريخ لهجمات مغولية ثلاث، وآخر واحدة هي الهجمة الحالية، وبالطبع تحدثت كيف كانت –وما زالت- حلب قوية، وكيف استطاعت أن تشقّ طريقها في النهوض مهما بلغت الانكسارات، لتبقى محافظة على مركزها الاقتصادي القوي محلياً وعربياً وعالمياً. ومن المثال السابق أشير إلى أن جهدي في هذا التوثيق- الذي هو العمل الدقيق عن العمارة- قد يجذب الناس للتفكير ولو قليلاً، لكون العمل التوثيقي لمدننا السورية منطلقاً منذ أن تشكّلت نواتها الرئيسة، حيث تطرقت الأعمال في المجالات كلّها سواء التوثيقية الفيلمية أم الكتب، إلى الحضارة السورية منذ الحجر والنار، مع اكتشاف الحرف واللغات، وازدهار الثروة الزراعية والعمران والبناء، وعلينا أن نسلّط الضوء على الإرث الحضاري بكل مواد مستطاعة عبر كل المؤسسات، لأن الحديث عن هذا الإرث سيشدّ الناس للتوقف مع أنفسهم والتفكير بما جرى، وخاصة -وللأسف- أنّ هناك الكثير من السوريين لا يعلمون ما حصل حقاً في سورية.

برأيك هل طباعة الكتب والجهود المبذولة من وزارة الثقافة والهيئة العامة للكتاب، كافية لتوجيه الشباب، أم إن هناك وسائل أخرى مساعدة؟
بالطبع الإعلام يجب أن ينتبه لهذا الأمر وعليه أن يقوم بتوجيه اهتمام الشباب نحو القراءة والمطالعة مع البحث والاكتشاف، فنحن نلاحظ في الفترة الأخيرة ونتيجة صدور تقنيات التكنولوجيا الحديثة من وسائل الاتصال، كيف تصرفهم عبر برامجها وألعابها عن الكتاب أو حتى المطالعة الإلكترونية، وبرأيي الكتاب فقد مكانته، ولكنني مؤمن به، لهذا أنا مُصرّ على القراءة والتأليف والنشر، حتى إنني أسمعها من كثيرين من الأصدقاء: (هل ما زلت ملتزما بالكتاب؟) ويكون جوابي: (طبعاً كنت وما زلت، سواء في المطالعة أم في البحث). وهنا أحب أن ألفت إلى أن الكتاب الإلكتروني مفيد وفي أوروبا يلقى الكثير من المتابعة، ولكن هذا الشغف نحن لا نمتلكه إلكترونياً ولا ورقياً، بعكس ما كان سائدا في سورية من قبل. وهنا وبالعودة إلى السؤال أضيف، علينا جميعاً أن نتعاون، فمثلا أنا عند نشري لأحد بحوثي، أقدم كتابي لكلّ المحيطين بي من جيران وأصدقاء، وأنتظر رأيهم بالموضوع المطروح كي نقوم بمناقشته.

حتى اليوم وأنتم بهذا العمر ما زلتم تستمتعون بملء أوقاتكم بمتعة البحث والاكتشاف، هذه الصفة تميّزكم عن جيل التكنولوجيا الشاب؟
صحيح. أعتقد أن وسائل التكنولوجيا سهّلت أمور البحث بطريقة يستهويها الشباب، وتمتّعهم في بحثهم، لأنها توفر لهم المعلومات بطرق سهلة، ولا تتطلب وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً، إضافة لأنها غير مكلفة. ولكن مهما اختلفت الطرق أتمنى من الجيل الشاب أن يسعى للمعلومة الصحيحة والدقيقة، بعكس ما تتيحه له الإنترنت مثلاً، فتضارب المعلومات وسرعة انتشارها مع تداولها أمر مرعب، لهذا على الشباب الانتباه لما أتيح لهم، وعليهم حسن استخدامه.

من خلال تجربتكم بالعمل في إدارة الإنتاج والبرامج التلفزيونية في التلفزيون العربي السوري، هل ما زال التلفزيون ضيفاً مرحباً به؟
لقد اختلفت النظرة اليوم. في البدايات عندما تم تأسيس التلفزيون العربي السوري كان المحور الأساسي للشعب السوري كلّه، على حين في حاضرنا ومع تعدد الأقنية ووسائل الإعلام وتوجّهاتها، إضافة إلى أساليب الجذب المغرية التي تتبعها، ابتعد المشاهد عن شاشات التلفزيون المركزية، فأصبحت وسائل الإعلام الخاصة بما تملك من اتصالات مختلفة بأبعادها المتنوعة، تسعى لتشتيت الشباب، ومن أهدافها ألا يكون الأخير مهتما بالمبادئ الأساسية: الوطن والأرض والعمارة.

من مكتبتك السينمائية الوثائقية، ما الفيلم الوثائقي الذي تختاره اليوم كي يشاهده جيل الشباب؟
أتمنى أن يشاهد الشباب السوري ويتابع كلّ الأفلام الوثائقية التي قدمتها، وأوضح هنا سبب أمنيتي بالحديث عن بدايتي معها. أنا من الجيل القديم في التلفزيون العربي السوري، وعملت مطلع شبابي في أميركا ببرامج المنوعات، وعندما انتهيت من دراستي العملية، عدت إلى سورية وانتقلت للعمل في مجال الدراما، ولكن وأنا في منتصف الثمانينيات جذبتني الأفلام الوثائقية، فأخرجت فيلم «قصة حي سوق ساروجا 1984»، فهذا السوق كان سيختفي تماما، لأنه كان خاضعاً في فترتها لمخطط معماري جديد، تستبدل خلاله عمارته القديمة ليحل محلها أبنية عالية الطوابق، وكنت محاطا في وقتها ببعض المثقفين الذين شجعوني على هذه الفكرة وضرورة تسليط الضوء على سوق ساروجا التراثي. هذا الفيلم تم عرضه في الكثير من المهرجانات العالمية، فموضوعه لفت نظر الناس وأحبّوا الفكرة وخاصة أننا ندافع عن تراثنا السوري من الاندثار بمواجهة الحداثة. هذا الأمر دفعني إلى التفرغ شيئاً فشيئا للتوثيق، فأخرجت العديد من الأفلام الوثائقية التي تتحدث عن كل الأحياء الدمشقية، وأفلاماً عن تاريخ النقود في سورية، وعن الحلي والملابس والأزياء الشعبية في كل المناطق المحلية، وعن المواصلات، والخانات…. إلخ فالقائمة طويلة. ولكن ما يسعدني حقا هو أن الأفلام التي أخرجتها تشكل وثيقة تاريخية، فأنا لم أترك موضوعا إلا وحاولت أن أوثّقه بكل تفاصيله وعمومياته، ومن دون أن أغفل أي قرية أو منطقة سوريّة، من أقصى الشمال إلى الجنوب. ومن بعد ما حصل في سورية وكيف طالتها الأزمة، هناك الكثير من المتابعين والمهتمين شدّدوا على أهمية هذا التوثيق، وأنا سعيد لأنني قمت بهذه الأعمال، لأن تاريخنا تاريخ مشرّف.

ما رأيك بضرورة إقامة مهرجان برامج وثائقية؟
بالطبع الأمر ضروري وهو من مهمة وزارة الإعلام ووزارة الثقافة، وهنا أحب أن أشير إلى أن الفيلم الوثائقي يتأرجح بين نظريات متنوعة، والفيلم نفسه يسرد القصص والوقائع، وأنا لا تهمني النظريات، بل كان وما زال هدفي فيما أقدمه من صور ومعلومات، حتى إنني التقيت مؤخراً أحد المتابعين لي في منشوراتي وقال لي:(أنت أول إنسان استطاع أن يقدّم المعلومة عبر الصورة)، وبالطبع هذا الكلام أسعدني جدا. وأعود للموضوع الأساس، قد تختلف الوثيقة التي قدّمتها عمّا قدّمه آخرون في تصوير الأحداث وتوثيقها، على حين ما عملت عليه من توثيقيات يعتبر اليوم مرجعا، وهذا الأمر يفرح قلبي بشكل كبير.

اطلعت على التجربة الغربية من خلال الدراسة العملية في إستديوهات غولدن ماير في هوليود، الاطلاع على التجارب الغربية إلى أي مدى يغني التجربة الشخصية؟
الأمور مختلفة بيننا وبينهم. إنهم يعرفون الأعمال المنوطة بهم، وينفذون ما يوكل إليهم من مهام. ففي أثناء دراستي في تلك الفترة، لفت انتباهي ونحن في الإستديو كيف كان كلّ تقني منشغلاً بعمله ويسعى لإنجازه ويتابع مهامه عبر المراحل من دون أن يؤشر له المخرج، ومن بداية المشهد حتى نهايته. هذا الأمر هو نتيجة خبرات ودراسات لكل الفريق وإضافة إلى تخصص، وفي الوقت الحالي نحن أصبحنا قريبين منهم، وبدأت العملية الفنية تأخذ إطارها الصحيح في تنفيذ الأعمال.

من المجالات الإبداعية التي خضت فيها، الكتابة، إلى أي مدى الخيال يؤثر فيك وما الظروف التي تدفعك للكتابة؟ وما الأمور الملهمة بالنسبة لك؟
لقد استهواني الحرف منذ الصغر، والدي رحمه الله، كان يقرأ كثيراً وزرع فينا حب المطالعة والقراءة بأسلوبه التربوي المميز، فعندما كنت صغيراً جداً كان يدفعني للمطالعة بتشجيعي من خلال المصروف (الخرجيّة) التي كانت تزداد كلّما قرأت كتابا أو قمت بتلخيصه، فإذا كتبت صفحة كان يكافئني بمنحي فرنكاً سورياً، وإذا لخصت كتابا كان يعطيني ربع ليرة سورية، إضافة إلى قيامه بالعديد من الوسائل المشجعة التي تدفعني دائماً للقراءة والكتابة، هذا عدا الجينات التي ورثتها عن أبي، الذي كان يستيقظ ويقرأ، وكان يتقن ثلاث لغات: الفرنسية والعربية والتركية. وترجم كتباً ووثائق عن اللغة التركية، وترجم ونشر بعض الكتب عن الاحتلال الفرنسي، وبالتالي هذه الأمور مجتمعة زرعت في نفسي نهم القراءة، وعندما كبرت كنت أقرأ في كثير من الأوقات التي كان الناس ينامون فيها أو يتابعون التلفاز أو الراديو، أما في الوقت الحالي فقد خفّت قراءاتي لأني أتجه نحو التوثيق، فأصبحت قراءتي بحثية، وهذا دفعني في أعمالي التلفزيونية أو السينمائية إلى أن يكون أصل السيناريو من الروايات العالمية ومنها: «ابتسامة الجيوكندا» للكاتب الإنكليزي ألدوس هكسلي، ورواية «وردة الصباح» لعادل أبو شنب، «النهر سلطان» لعبد السلام العجيلي، «دمشق يا بسمة الحزن» لألفت الإدلبي.

إذاً أنت من أنصار الاستناد في كتابة سيناريوهات الدراما على الروايات العالمية؟
نعم. أنا من أنصار الرواية لأنه بالأصل عندما كتبها مؤلفها بحث كثيراً وصاغ أفكاره بذهنه، ثم قدمها لها في مزج لأحداث تسير مع الشخصيات، التي جعلها تتكلم عن الفكر الذي يريد توصيله للقارئ، ولكن حالياً ما نشاهده في الأعمال الدرامية المختلفة، هو السعي للتجارة والربح بغض النظر عن جودة المادة المقدمة، حيث يقدم الكاتب الشخصيات من دون أن يقوم بالدراسة، ويقوم باستغلال حدث شائق ليبني عليه القصة طوال مدة الحلقة، هذا إذا لم يستمر بالمماطلة لأكثر من حلقة، لأن الشهر الرمضاني يتطلب عدداً محددا من الحلقات، وأذكر هنا كمثال، مسلسل «الهيبة»، هذا المسلسل الذي استقطب متابعة الناس وشوقهم لحضور الحلقات، أنا على صعيد شخصي معجب بالمسلسل، وبجهد المخرج وذكاء الكاتب، ففي كل حلقة نجد حدثا بسيطا، يعتمد عليه الكاتب في البناء الدرامي كي يشوّق الجمهور ويشدّه في المتابعة، هذا الشيء لا نجده في العمل الروائي. وأذكر كمثال آخر مسلسل باب الحارة في أجزائه التي أصبحت اليوم عشرة أجزاء، هنا لابدّ من طرح الأسئلة: ما الذي يقدمه هذا المسلسل؟ وما الحتوتة المطروحة، أو ما التوثيق الذي يهدف إليه؟ هل مثلاً يدعو إلى النخوة والشهامة؟ فهذا التصرف يمكننا أن نحكي عنه بحدث بسيط ويمر مرور الكرام. أو هل يحكي المسلسل عن النضال ضد الاحتلال الفرنسي ومجريات الصراع معه؟، كم مشهداً يتحمل المسلسل للحديث عن هذه الوقائع؟ وما الغاية من الطرح؟ وهل هو مبرر؟ أحب أن ألفت هنا وبالمناسبة، إلى أنني اختصرت معارك مع الاحتلال الفرنسي في مسلسل «دمشق يا بسمة الحزن» فتعرضت لانتقاد شديد، لكنني أوضحت أنه ما الهدف من الإطالة في المشهد الحربي؟ وما الغاية منه؟ لكون المسلسل يحمل قيماً عليه أن يسلط الضوء عليها، وهي الأهم لكونها مرتبطة بعمق مجتمعنا السوري وبأواصر علاقاته، من خلال صبية تتعرض للكثير من الظلم. إذاً ما الهدف؟ هل هو التمييع والتسييس وتفريغ المتابع من المضامين المهمة في الحياة وجعله يفكر بأمور تافهة وهي في الوقت ذاته سلبية ومسيئة؟ هذا من جهة ومن جهة أخرى من هنا يختلف العمل الروائي عن تأليف الصفحة البيضاء التي من خلالها الكاتب على استعداد دائماً أن يدون ما تريده شركة الإنتاج بعيداً عن تماسك أحداث الشخصيات أو سياقها الدرامي المتين.

لنقف عند مسلسل «دمشق يا بسمة الحزن» ما زلنا حتى اليوم بعد ويلات الأزمة السورية، قضية المرأة وقضايا مجتمعية أخرى ما زالت بحاجة إلى صرخة ونظرة مختلفة لمستقبل حياتي متماش مع الظروف، ما تعقيبك؟
المرأة في مجتمعاتنا-ومع الأسف- وعلى الرغم من المظاهر الحضارية المحيطة بنا، ومن لهاثنا نحو مواكبة الحداثة والعصرنة بداية من العمران إلى الأمور الحياتية التفصيلية من لباس وسيارات وأثاث، ما زلنا نعامل المرأة بما يشوبه الكثير من الشوائب، سواء أكان عبر الشعور القبلي أم شعور الامتلاك أو عبر السطوة، فالمرأة ليس لها رأي بالاختيار أو بالانتشار، أو بالعيش بحياة مستقلة- وأقصد هنا بالطبع البعد تماماً عن الابتذال الذي هو مرفوض بالأساس-من حيث قدرتها على بناء حياتها الاقتصادية والعملية، فالأمر ممنوع على المرأة، على الرغم من أنني أعرف أشخاصا يتمتعون بشهادات عالية جداً ويعملون بأماكن ومراكز مرموقة، ورغم ذلك مازالت المرأة بالنسبة لهم أداة وهم يتحكمون بها، فـ«صبرية» بطلة مسلسل «دمشق يا بسمة الحزن»، هي مثال لأشخاص عاشوا حياة قاسية جداً وأسوأ الظروف، ولا يمكننا أن نتصور أننا ونحن في القرن الحادي والعشرين، نرى قسوة كهذه ضد المرأة، على الرغم من أن معظم الأسر كما ذكرت مثقفة ومطلعة. للأسف الشديد نحن لم نطوّر داخلنا من حيث المضمون والعقل، وهذا الأمر انعكس علينا وكان سببا في الأزمة، وهنا علينا أن ننتبه من خلال الدولة بمؤسساتها لبناء إنسان جديد وخلق وعي جديد، على الرغم من وجود منظمات كبيرة ولكنها برأيي فارغة وغير هادفة لبناء الإنسان، فهي لا تمتلك هذا الهوس-إن صح التعبير- فالإنسان المطلوب يجب أن يقرأ ويثقف نفسه ليعرف كيف يتعامل مع المحيط بعيداً عن الصياغة القديمة، فلو أننا نقتدي بالأم تيريزا كنموذج للإنسانية والعطاء، وكيف أنها كانت تضحي وتُهلك نفسها لأجل الآخر، لكان هذا أمراً جد رائع.

في الإخراج قدمت لنا العديد من الأعمال الدرامية والسينمائية، هل تختلف الأسلوبية في تحقيق الإبداع؟
الإخراج ثقافة باستخدام تقنيات متنوعة لإيصال أفكار المخرج، وإذا لم يتمكن الأخير من أن يوصل أفكاره، فلن ينجح وسيكون عمله بلا أي قيمة، ففي السبعينيات عندما كنا في التلفزيون السوري رفدونا بخبراء من العالم، منهم من روسيا وألمانيا ومن مصر، وكانت كشفت الدورات والورشات والتجارب من لديه الخبرة والإمكانية في التقدم والإبداع، وهناك من الأسماء التي سطعت في الإخراج والكتابة، لأنهم من حدوتة صغيرة عملوا أفلاماً عظيمة، فلكل إنسان رؤيته وطريقته في الإبداع، وأذكر مثالاً هنا. بعد حرب عام1973جاءنا عدد من الشباب منهم على سبيل الذكر: محمد ملص وهيثم حقي، كنت في وقتها رئيس دائرة الإنتاج السينمائي، استطاعوا من خلال حماستهم واندفاعهم الكبيرين، أن يتجهوا نحو«القنيطرة» وأخرجوا نحو خمسة عشر فيلماً عنها، وكل شاب قدم فيلمه حسب رؤيته الخاصة، وفي حينها كان أبرزهم هيثم حقي.
ما قلته يعبر عن قناعاتي، وربما جيل المخرجين الشباب يعتبروني من الجيل القديم ومختلفا عنهم، ولكن اليوم مسيرة الحياة مختلفة وسريعة، وتهم المخرج التقنيات، هذا عدا أنه أصبح كل من هبّ ودبّ يقوم بالإخراج.

في التصوير الضوئي نلت الجوائز والتكريمات، حدثنا عن جانبك الإبداعي هذا؟
يقوم مبدأ التصوير الضوئي على نظرة الإنسان ورؤيته الخاصة فيما تلتقط عينه، وعلاقة الأبيض والأسود هي فكرة الظل والضوء، وحتى مع الصور الملونة مربط الفرس في التصوير الضوئي هو حسن اللقطة، فمثلا يمكن أن أقوم بتصوير شجرة ويرى الصورة الكثير من الأشخاص ويستغربون كيف ظهرت بالشكل الظاهر في الصورة سواء من حيث التكوين أم الأوراق، وخاصة أنهم لم يشاهدوا الشجرة من قبل كما أنا صوّرتها. طبعا في الوقت الحالي أصبحت الكاميرا متطورة وحساسة ودقيقة للغاية، وكذلك تأتي البرامج الحديثة المختصة في تعديل الصورة، كلّها أمور مساعدة في صناعة الصور والتقاطها، ولو كانت الكاميرا والبرامج متطورة، إن لم يمتلك المصور عينا فيها رؤية مختلفة للأمور وشغف كبيرين، فلن يتميّز فيما يقدمه، فالإبداع هو الأساس في تطوير موهبته، وبالطبع لهفته في تثقيف نفسه والبحث سيغنيان الموهبة ويكسبانه الخبرات اللازمة لاستمرار إبداعه.

بمناسبة شهر رمضان، كيف هي نظرتك لرمضان الحالي والمختلف عن توثيقاتك؟
رمضان الحاضر أصبح يقتصر على زحام الدراما ومتابعة المسلسلات، وأنواع الأكل والأركيلة. الأمور في حياتنا أصبحت مختلفة تماما عمّا كان في السابق، لقد كتبت مرة عن السيران كيف كان وكيف أصبح. التناقض في المفاهيم والتناقض في التفكير بين السابق والحاضر، وبين التمتّع بالطبيعة وبين إهمالها ورمي النفايات في غير الأماكن المخصصة، إذاً إننا نعيش الكثير من الاختلافات والتناقضات الضارة بكل شيء.

في الختام عبر توثيقياتك وأعمالك المتنوعة ماذا تقول لسورية؟
قلت لسورية في كتابي: التاريخ المعماري والعمراني لبلاد الشام1918-1946، بالإهداء: (إلى بلدي… الأمل). وأضيف إنني أسعى دائماً عبر ما قمت به من توثيق وفيما أقدمه من أعمال في كل المجالات لتوفير الخدمة لوطني وللمجتمع السوري، وهذا الأمر مطلوب من الجميع بغض النظر عن الاختصاص الذي يتمتع به المرء، أو المكان الذي يشغله، فعلينا جميعاً أن نخدم وطننا، كما علينا أن يحب بعضنا بعضنا الآخر ونحب وطننا سورية.

السيرة الذاتية
– د. لطفي فؤاد لطفي باحث في تاريخ العمارة، ومخرج سينمائي وتلفزيوني وفنان ضوئي.
– تابع دراسته النظرية في جامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجلوس1963.
– تابع العملية في إستديوهات غولدن ماير في هوليود1963.
– حصل على دكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر-جامعة دمشق2011.
– وعلى ماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر-جامعة دمشق2008.
– ودبلوم في التاريخ- جامعة بيروت العربية2006.
– وليسانس في الآداب-قسم التاريخ-جامعة بيروت العربية2005.
– مدير البرامج في التلفزيون العربي السوري1964-1975.
– مدير الإنتاج التلفزيوني في التلفزيون العربي السوري1980-1983.
– رئيس بعثة الإمارات العربية لإنشاء التلفزيوني اليمني1975-1978.
– رئيس دائرتي الشؤون السينمائية والبرامج الثقافية في دمشق1970-1975.

جوائز وتكريمات
– نالت أعماله السينمائية والتلفزيونية والوثائقية عدداً من الجوائز المحلية والعربية.
– اهتمت جامعة ديوك في شمال كارولينا في اقتناء مسلسل «دمشق يا بسمة الحزن» لتدريسه على طلابها.
– بث تلفزيون برلين فيلمه «درب الآلام» على شاشته.
– نالت أعماله الضوئية جوائز محلية وعربية وعالمية.
في التوثيق:
– اهتم في العقدين الأخيرين من القرن العشرين ومطلع هذا القرن بتوثيق أحياء دمشق وحلب وحمص وحماة، من خلال 30 فيلماً تحدث فيها عن تاريخ عمارتها والحياة الاجتماعية فيها.
– وثّق عمارة وسبل وخانات ونقود بلاد الشام ضمن سلاسل وثائقية عددها 150 فيلماً.
– سجل ووثق المنشآت العمرانية عبر جميع العصور في سلسلة وثائقية بعنوان «رحلة الحضارة» ووثق المساجد والكنائس ضمن فيلم «خطوات نحو الشمس».
– وثق الأزياء الشعبية والحلي في بلاد الشام ضمن 60 فيلماً.

مؤلفاته
– التاريخ العمراني لدمشق خلال عامي 1516-1918، الهيئة السورية للكتاب 2010.
– الشواهد لدى الأديان السماوية، مجلة مهد الحضارة، 2011.
– خانات بلاد الشام ما بين القرنين 16-19، مجلة دراسات تاريخية، 2011.
– الزخارف والألوان في ملابس بلاد الشام، وزارة السياحة، 2012.
– الحياة الفكرية لدمشق في القرن التاسع عشر، مجلة دراسات تاريخية، 2012.
– دراسة تاريخية لتطور مدينة حماة العمراني 1730-1909.
– سوسيولوجيا المجتمع.
– خانات بلاد الشام في القرنين التاسع عشر والعشرين.
– حلي بلاد الشام.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن