ثقافة وفن

الأكثر تواضعاً

| د. اسكندر لوقـا

ميزة التواضع لدى الإنسان أنها توضح جانباً من شخصيته على حقيقتها إذا هو حاول إخفاءها، ذلك لأن هذه الميزة لا يحتاج المرء إلى مناظير تجسدها. إن الذي يحتاج إلى مثل هذه الأدوات غالباً من يكون بحاجة إلى علاج نفسي ليس فقط إلى أداة. إن الأسوياء من الناس أشبه ما يكونون كالنجوم في سماء صافية، مهما بعدت المسافات بينها وبين سطح الأرض، ليست بحاجة إلى من يدل عليها حتى بالعين المجردة إذ يكفي أنها تتألق في مكانها فتراها الأعين، كذلك هم الذين يكون لحضورهم في بيئاتهم أثره الذي لا يحتاج إلى برهان.
إن الذين يستشعرون نقصا في نفوسهم ويتعالون على الآخرين عادة يبحثون عمن يدل عليهم. أمثال هؤلاء يدعون المعرفة وهم جهلة، ويدعون بالكبر وهم صغر، ويتظاهرون بالكبرياء وهم مراؤون. هؤلاء ينجحون أحياناً في مسعاهم ولكن سرعان ما تسقط الأقنعة عن وجوههم ويصبحون مرضى تضخيم الذات ومرضى الازدواجية، وغالبا ما يفقدون البوصلة التي توصلهم إلى ما يرغبون، ويضلون الطريق.
من هذه الزاوية، يكتسب التواضع قيمته الأخلاقية لا الاجتماعية فقط، باعتباره نقيض التعالي الذي مرده إلى شعور الإنسان بأنه الأفضل والأكثر فهما للحياة. إن خصلة كهذه قد يكون مردها إلى ظرف معين جعله في موقع غير موقعه الأصلي، ومنحه فرصة ليقنع نفسه بأنه صار فوق الآخرين، وخصوصاً في أوقات استثنائية، مثل المصاعب التي تلحق بمجتمعه بسبب من ظرف قاهر، كما الحرب التي تقلب موازين الأخلاق رأساً على عقب وكذلك الأوضاع الاستثنائية التي تجعل من الغني فقيرا ومن الفقير غنيا لاعتبارات كثيراً ما تكون الانتهازية أرضيتها.
في مثل هذه الحالة فقط يسقط الإنسان في تجربة الخطيئة، وتتضح معالم الشعور بالأنا خداع الذات، فتتجلى صورة الأنانية بكل أشكالها المرضية التي لا تقبل حتى الاعتراف بأسبابها، فقط بسبب التكبر وفقدان التوازن في الشخصية في طور غياب أدنى درجات التواضع الذي يؤكد أعلى درجات التوازن في الشخصية.
وهنا تكمن عظمة الإنسان في أداء دوره في الحياة كواحد من الكل شأنه شأن من يمضي حياته بخطوات تعرف دربها للمستقبل.
إن الأكثر تواضعاً هو الأعلى قدراً معادلة موضوعية لا تقبل القسمة على ذاتها كما الرقم واحد في علم الرياضيات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن