من دفتر الوطن

لا مكان للمجاملات

| فرنسا- فراس عزيز ديب

هل نحنُ بحاجةٍ فعلياً لإنشاءِ مركز «الشام الإسلامي الدولي لمواجهة الإرهاب والتطرف»؟
بدأ هذا السؤال يغزو العالمَ الأزرق بُعيدَ الإعلان عن افتتاحِ هذا المركز برعايةِ الرئيس بشار الأسد.
واقعياً إن أي تساؤلٍ هو أمرٌ مشروع تحديداً عندما تكون البوصلة هي الوطن، لكن في الوقت ذاته هناك فرقٌ بين التساؤلاتِ المنطقية وبث الطاقة السلبية حول أي حدثٍ فقط لمجردِ نزعة داخلية تميل نحو إقصاء الآخر. هناك بعض الأفكار تجعلنا نتمنى لو يُطبَّق على مطلقيها نظام البطاقة الذكية فتصبح أفكارهم قابلة للظهور كما أسطوانات الغاز، مرة كل ثلاثة أسابيع، أما بعض «العلمانيين الجدد» وعلى طريقةِ «المحافظين الجدد» فإن الحديثَ عن نتاجهم الفكري بات نوعاً من تطبيقٍ للحكمة القائلة «الضرب بالميت فكرياً حرام».
بعيداً عن هذا وذاك تبدو فكرة إنشاء هذا المركز مطلوبة، لكن في الوقت ذاته فإن آليةَ عملهِ يجب أن تكون منفتحة بالطريقة ذاتها لمقاربة «العقل المنفتح» التي أوردها الرئيس بشار الأسد في كلامه خلال الافتتاح، وعليه نقف هنا عند بعض التساؤلات التي نتمنى أن تكون الإجابة عنها دفعاً لعمل المركز للأمام وليس رجماً بمن يتساءلون، تحديداً إنها تساؤلاتٌ متعلقة بأقسام المركز لا أكثر:
أولاً: هناك قسم في المركز يسمى قسم «رصد الأفكار المتطرفة والفتاوى التكفيرية عبر شبكة الإنترنت وكيفية تحليلها ومعالجتها، وقسم مكافحة الفكر المتطرف». تبدو فكرة القسم مستمدة من التطور التقني الذي يعيشهُ العالم حالياً وهو أمرٌ جيد، لكن السؤال المطروح:
من الذي سيعمَل بِهذا القسم؟ هل هو حكرٌ على حاملي العلوم الشرعية فقط؟ لأن مبررات رجال الدين للكثير مما نراه متطرفاً وتكفيرياً ستجعلنا ندور في حلقة مفرغة لا أكثر، فمثلاً ومن دون أن نبحث في الانترنيت دعونا نتساءل:
ما مصير الكتب التي تعج بفتاوى من قبيل (يُستَتَاب وإِلاّ قتل!)، لايمكن لنا ببساطة أن نكون جالسين على وكرِ دبابير ونضع منظاراً متطوراً بذريعةِ أننا نسعى لتصويرِ الجراثيم على أقدامِ الذبابة!
ثانياً: قسم البحث العلمي، عن أي علمٍ نتحدث؟
هل سينزوي القسم في العلوم الشرعية، أم إنه سيفتح أبواباً لما هو أوسع؟ ثم هل إن وجود قسم كهذا أَسقط إلى الأبد بِدعةَ أن «النقل يتقدم على العقل؟» لأن أي ربط للمراكز الدينية بفكرة «العلوم» من دون إقصاء هذه القاعدة هو عملياً ذرٌّ للرمادِ في العيون، فكلمة «علم» تعني فيما تعنيه «إِدراك الشيء بحقيقتهِ» وهذا لا يتم إلا بمحاكمةٍ عقلية ترفض المنسوخ وما يتعارض مع العقل.
في الخلاصة: إن فكرةَ وجودِ مركز كهذا أكثر من رائعة ونجاحه هو نجاحٌ لنا كسوريين، تحديداً إن الكثير من المسلمين في الدول الصديقة يثقون بوسطية الإسلام الشامي، كما أننا في سورية نمتلك العماد الرئيس لنجاحهِ وهم رجال الدين أنفسهم، لكن تبقى العبرة في التنفيذ ولعل التنفيذ الأمثل كان يتطلب وجود مركز كهذا كهيئةٍ مستقلة عن عملِ أي وزارة تضم في كوادرها عدداً كبيراً من العاملين في كل التخصصات، بما فيها قطاعٌ خاص بإعادة مراجعة ماتحتويه مكاتبنا العامة من كتب وأبحاث تدعو للغلو والتطرف.
لعلنا الآن نخطو الخطوات الواثقة في الاتجاه الصحيح، لكن لكي تكتمل الصورة علينا فعلياً أن نقدم ما لدينا من أفكار تحديداً تلكَ التي تجمع ولا تفرِّق، تشير للخلل ولا تشخصن الخلاف، وليتذكر الجميع عبارة: إنه ليس ثمة وقت للمجاملات!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن