ثقافة وفن

قصرت في التواصل مع شركات الإنتاج المتركزة في العاصمة … سلمان شريبا لـ «الوطن»: النصوص المترجمة الجيدة لا تبعد الناس عن قضايا الأمة

| هناء أبو أسعد

يقول سعد اللـه ونوس: «المسرح ليس تجلياً من تجليات المجتمع المدني فحسب بل هو شرط من شروط قيام هذا المجتمع وضرورة من ضروريات نموه وازدهاره: ماذا يقول ابن مدينة اللاذقية، وعاشق للمسرح، الذي رفد الحركة المسرحية في مدينته بالعديد من الأعمال للكبار والصغار» قدم من خلالها القيم الإنسانية عن الخير والمحبة والتضحية والرفاء، له أكثر من 25 عملاً مسرحياً، من أهمها «أوديب، هاملت، رومولس العظيم، وحش طوروس، الكسلان، بروفا جنرال، جحا، الرجل الذي صار كلباً، الجاكيت، أوبرا الشحادين وغيرها. الفنان سلمان شريبا التقته جريدة «الوطن» في حوار عن المسرح وهمومه.

ماذا عن بدايتك؟
بداياتي كانت في سن مبكرة جداً بمسرحية أحداث تتحدث عن دور سورية في حل أحداث الحرب الأهلية في لبنان في سبعينيات القرن الماضي وكانت من تأليفي وإخراجي وتدرجت بعدها في مسارح الشبيبة والعمال والمسرح العسكري وصولاً إلى المعهد العالي للفنون المسرحية.

ما سبب اختيارك للمسرح وابتعادك عن التلفزيون وبالمقابل الكثيرون اتجهوا إلى الدراما؟
يبدو أن المسرح قدري وعشقي الأكبر لأنه الإبداع الحقيقي الذي تقطف ثماره مباشرة من خلال التماس الفوري مع الجمهور على عكس باقي الفنون الدرامية وابتعادي عن التلفزيون له عدة أسباب منها تقصير مني كوني لا أتواصل مع شركات الإنتاج كثيراً ومنها أن الدراما التلفزيونية تتركز في العاصمة وأنا بعيد عنها وأغلبية المخرجين يبحثون عن الممثل الجاهز القريب منهم ولا يبحثون كثيراً عن المواهب في المدن البعيدة إلا ما قل وندر رغم كثرة هذه المواهب ولهذا مشاركاتي التلفزيونية متواضعة بعكس المسرح.

من المسؤول عن ظاهرة ابتعاد الفنانين عن المسرح برأيك؟
المسؤول عن ابتعاد الفنانين عن المسرح أولاً الحاجة الاقتصادية والبحث عن لقمة العيش والشهرة وهذا لا يتوفر في المسرح لأن المسرح في أيامنا فن الفقراء والدراويش خاصة في المحافظات وعلى الجهات المسرحية تقديم دعم أكبر للمسرح وللفنان المسرحي والقيام بالتسويق الإعلامي والإعلاني للعروض المسرحية لتصل إلى أكبر عدد من الجماهير وبناء صالات مسرحية إضافية على مساحة الوطن وعدم اقتصار دعم المسرح على جهة واحدة فقط بل يجب على جميع الجهات الحكومية دعم المسرح خاصة في قطاع التربية والتعليم وإعادة تفعيل المهرجانات المسرحية شبيبة عمال جامعة ومهرجان الهواة وإعادة الحياة لمهرجان دمشق المسرحي تشجيعاً لعودة الفنانين إلى المسرح لأنه بيتهم الأول والأخير.

الكثير من عروضك المسرحية أثرت بالجمهور لدرجة أنه طالب بتمديدها أكثر من مرة، مثل «وحش طوروس وبروفا جنرال – والرجل الذي صار كلباً» ما صفات العرض الذي يجعل الجمهور يصل إلى هذه الحالة؟
العرض الناجح فكرياً وجمالياً والذي يطرح قضايا تلامس هموم والأم وآمال وتطلعات الناس ويكون عرضاً غنياً ومركباً من المضحك والمبكي يصل إلى قلوب الناس وعقولهم ويحملونه معهم إلى منازلهم لأنه عبّر عنهم واحترم عقولهم وقدم لهم متعة بصرية وأفكاراً على صعيد الشكل والمضمون.

من أفضل برأيك الشخصي في خلق التأثير الحسي والذوق لدى المتلقي، المسرح الشعبي أو مسرح النخبة؟
المسرح الشعبي والنخبوي يؤثر بالمتفرج من خلال ما يقدمه له من فرجة وأطروحات لكن المسرح الشعبي يصل إلى شريحة اجتماعية أكبر لأنه يوجه إلى عامة الناس ويقدم أفكاراً تعبر عن هموم الجماهير من خلال طرح قضايا عامة بعكس المسرح النخبوي الذي يتوجه إلى فئة قليلة من الناس ولهذا معظم عروضي تنتمي إلى شكل المسرح الشعبي شكلاً ولغة ومضموناً.

لماذا افتقدنا إلى حد ما المسرح الجاد؟
افتقدنا للمسرح بشكل عام وللمسرح الجاد بشكل خاص بسبب غياب الدعم وابتعاد أهل المسرح عنه وتوقف بعض المهرجانات وغياب المراقبة الحقيقية للمسرح وكثرة الدخلاء عليه وظهور تحديات جديدة للمسرح مثل النت والفضائيات وغيرها وهذا لا يمنع من وجود عروض جادة خاصة في المسارح القومية التابعة لمديرية المسارح والموسيقا.

نشهد غياب النص المسرحي العربي واعتماد المخرجين على نصوص مترجمة، ما السبب؟ وهل النصوص المترجمة تبعد المسرح عن هموم الأمة وقضاياها؟
النص المسرحي عربياً وعالمياً غائب خاصة في الوقت الحالي لأن معظم الكتاب توجهوا للكتابة التلفزيونية طمعاً بالمردود المادي الذي يحققه التلفزيون ولا يحققه المسرح والعزاء الوحيد لنا هو وجود نصوص قديمة لكتاب كبار عرباً وأجانب يتم إعادة إعدادها برؤى جديدة تناسب العصر الحالي وهي بالأساس نصوص خالدة تصلح لكل زمان ومكان مثل نصوص ونوس وعدوان والماغوط ومحمود دياب والفريد فرج ونصوص مترجمة لشكسبير وموليير وبريخت وتشيخوف وغيرهم.
ولهذا النصوص المترجمة الجيدة لا تبعد الناس عن قضايا الأمة لأن آمال وهموم البشر مشتركة ومتقاربة بين معظم العالم من حب وغيرة وكره وفساد وتسلط وغيرها من العادات والتقاليد.

مسرحية «أوبرا الشحادين» حظيت بإقبال جماهيري لافت في اللاذقية ودمشق امتزجت دموع المشاهدين بالضحكة والحزن والألم حيث قدمت عالماً مليئاً بالتناقضات في ظل الأزمة والحرب. ما رسالتك من ذلك؟
في الكوميديا السوداء أوبرا الشحادين عبّرت عن الناس المنسيين والمهمشين في المجتمع وعن أوجاع وطموحات هذا الطبقة بشكل يضحك ويبكي بوقت واحد وهذا ما جعل العرض ناجحاً ومطلوباً لعدة مهرجانات محلية وعربية وبالطبع الأداء العفوي والصادق والانسجام بين الممثلين والتناغم بين مكونات وفنون العرض لعب دوراً هاماً في النجاح.

كيف تلخص الحركة المسرحية السورية في سنوات الحرب؟
الحركة المسرحية السورية خلال الحرب كانت معقولة جداً بشكل عام وجيدة في مدينة اللاذقية بشكل خاص، حيث استمرت مديرية المسارح بدمشق بتقديم العروض المسرحية للكبار الصغار وبدعم التجارب الشبابية من خلال دعم مشروع مسرح الشباب ودعم الفرق الأهلية في المحافظات وفي اللاذقية كان لنا برنامج سنوي للعروض وتنظيم مستمر للعديد من المهرجانات المسرحية بالإضافة للمشاركات المسرحية في بعض المهرجانات العربية وهذا دليل على صمود المسرح السوري رغم كل الصعاب والمعوقات

ما رأيك بظاهرة المخرج الممثل؟
ظاهرة المخرج الممثل موجودة لكنها قليلة وأنا لا أحبها مع أنني تورطت بها في إحدى المسرحيات ومن مهام المخرج مراقبة التدريبات والعرض لتلافي السلبيات والبحث عن الأجمل ومشاركته ممثلاً في العرض يفقده ذلك وتغيب ميزة العين الثاقبة والمراقبة.
هل من واجب المسرح لفت الانتباه إلى المظالم الاجتماعية؟
من مهام المسرح تقديم المتعة والفرجة والفائدة من خلال تسليط الضوء على السلبيات والعيوب للعمل على تلافيها للوصول إلى مجتمعات إنسانية تحقق للإنسان العيش الأفضل والأجمل وعلى المسرح أيضاً أن يشير إلى الإيجابيات والأشياء الجميلة في الحياة لتكريسها والاستمرار بها بما يخدم الإنسان الذي هو غاية الحياة والمسرح.

يقال: «المسرح نوع من أنواع المقاومة» هل جسدت ذلك في أعمالك؟
بالتأكيد المسرح نوع من المقاومة فالحب ضد الكراهية والصدق ضد الكذب والجمال ضد القبح والوطنية ضد الخيانة إلخ كلها أفكار يطرحها المسرح لنجعل الحياة أفضل والمسرح يجب أن يطرح فكراً تنويرياً لا تكفيراً لأنه يقوم على ثقافة الإبداع والحوار بين المسرحيين من جهة من خلال تبادل العروض والأفكار وبين الفنان والجمهور من جهة الملقي والمتلقي.

هل حقق سلمان شريبا الهدف الذي يطمح إليه من خلال مسرحياته؟
مسرحياً حققت الكثير من طموحي إلى حد ما ومازال عندي الكثير وأطمح مستقبلاً لتأسيس ورشة عمل مسرحية للأطفال واليافعين لأنه الأساس في بناء أي حركة مسرحية للمستقبل.

وما الصعوبات التي يلاقيها الفنان شريبا خلال مسيرته المسرحية؟
أهم الصعوبات هي عدم تسويق عروضي إعلامياً وإعلانياً بالشكل المطلوب وقلة عدد صالات المسرح المجهزة في معظم المحافظات والصدام أحياناً مع بعض اللجان المسرحية والإدارات غير المختصة مسرحياً والتي قد تقتل حلمك ومشروعك المسرحي لأسباب كيدية وشخصية ومع ذلك أتغلب على كل الصعوبات بالتحدي والإصرار بوجود بعض المسرحيين الشرفاء في بعض مواقع القرار ولا عمل من دون صعوبات والمسرح أصلاً عمل صعب وتم تصنيفه بعد عمال المناجم صعوبة.

هل من جديد لديك هذا العام؟
طبعا كل عام لدي عمل جديد لكن المسؤلية تكون أكبر لأن جمهورنا الغالي يستحق الأفضل دوماً وحالياً أحضر لعمل سيعرض في النصف الثاني من الموسم ولدي دعوات للمشاركة في بعض المهرجانات المحلية والعربية بمسرحية أوبرا الشحادين أرجو أن يكتب لها النجاح بسبب الحصار الذي يمارس علينا وعلى بلدنا الحبيب سورية.

كلمة أخيرة للمسرح والمسرحيين
شكراً لكل مسرحي مازال يزرع وردة في خشبة المسرح ولكل من يدعم المسرح ويؤمن به، شكراً وزارة الثقافة، شكراً مديرية المسارح، شكراً جمهورنا المتعطش وشكراً للإعلام الداعم للمسرح، والشكر الأعظم لجيشنا الباسل الذي حمى ويحمي بلدنا وشعبنا ومسرحنا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن