كنعان: ثلث الطلب الداخلي الخاص تغطيه الحوالات و40 بالمئة من الاقتصاد يعتمد على التهريب والاستيراد … 31 مليار ليرة تنفق كل صباح في سورية منها 7 مليارات تنفقها الحكومة
| علي نزار الآغا
ارتفع الطلب الداخلي في سورية بنسبة 38.9 بالمئة خلال العام 2017، مقارنة بالعام 2016، وذلك بناءً على بيانات المجموعة الإحصائية 2018 التي نشرها المكتب المركزي للإحصاء مؤخراً.
ويعبّر إجمالي الطلب الداخلي عن إجمالي الناتج المحلي بالأسعار الجارية مطروحاً منه قيمة الصادرات الإجمالية، ومضافاً إليه القيمة الإجمالية للواردات، ومن ثم يدلّ على إجمالي إنفاق الحكومة والمواطنين داخل البلد، وهو من مؤشرات الاقتصاد الكلي المهمة.
بالأرقام، بلغت القيمة الإجمالية للطلب الداخلي 11.36 ألف مليار ليرة سورية، تشكل الموازنة العامة للدولة منها ما يعادل 23.4 بالمئة، إذ بلغت 2660 مليار ليرة حينها، بما فيهما من كتلة أجور ورواتب وتعويضات (تعتبر من مكونات الطلب للمواطنين).
وشكّل إجمالي الناتج المحلي الإجمالي نحو 76.5 بالمئة من إجمالي الطلب الداخلي، على حين لبى الاستيراد 26.6 بالمئة من الطلب الداخلي، وهذا رقم مرتفع نسبياً، ويشير إلى عدم قدرة الإنتاج المحلي على تلبية الطلب المحلي، دون أن نتجاهل أثر الحرب وما خلفته من تدمير للبنى التحتية والإنتاجية في ذلك.
وسطيات
بلغ وسطي الإنفاق اليومي في سورية خلال 2017 ما يزيد على 31.12 مليار ليرة سورية، علماً بأن وسطي الإنفاق اليومي بحسب الموازنة العامة للدولة يقدر بنحو 7.28 مليارات ليرة، في حال تم تنفيذ كامل الإنفاق المقدّر في الموازنة.
هذا ويبلغ وسطي حصة المواطن من الطلب الداخلي 523.5 ألف ليرة سورية، أي بنحو 1434.3 ليرة سورية يومياً، أكثر من ربعها أنفق على المستوردات.
وبعزل الموازنة العامة للدولة، بما فيها الأجور والرواتب للموظفين في القطاع العام والمتقاعدين، نجد أن حصة القطاع الخاص من الطلب الداخلي بلغت 6 آلاف مليار ليرة سورية، تضم إنفاق 2.1 مليون مشتغل بأجر وغيره، وشريحة رجال الأعمال والمستثمرين.. فكيف تم تأمين هذا المبلغ المنفق على الاستهلاك والاستثمار خلال عام واحد؟ وما دلالاته؟ علماً بأن هذه الأرقام تضم كل الأنشطة النظامية المسجلة رسمياً، لذا فأنشطة الاقتصاد غير المسجلة كافة (اقتصاد الظل) غير محسوبة وخاصة التهريب، ومن ثم فإن الرقم الواقعي للإنفاق غير الحكومي هو أكبر بكثير من مبلغ 6 مليارات ليرة.
هدر وفساد
الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق الدكتور علي كنعان رأى أن حجم طلب سوري داخلي بمقدار 11.36 ألف مليار ل.س في العام 2017 مرتفع بنسبة 38.9 بالمئة عن العام 2016 لا يعني تحسن مستوى المعيشة للمواطن، وزيادة حجم الاستهلاك من السلع والخدمات، كما لا يعني زيادة الرواتب والأجور، بل إنه يحمل في طياته معدل تضخم كبير تجاوز 1200 بالمئة منذ بداية الأزمة حتى الوقت الحاضر، ويعني إعادة توزيع الدخل لمصلحة أصحاب الثروات والفعاليات الاقتصادية.
كما يعني زيادة حجم الإنفاق العام مقارنة مع السنوات السابقة وبمعدلات تضخمية كبيرة تدل على تدني إنتاجية النفقة العامة بسبب تزايد حجم الهدر أثناء التنفيذ.
وبيّن كنعان أن لحجم الاستيراد دوراً كبيراً في إضعاف قوة الاقتصاد السوري وانكشافه على الخارج، فقد أصبح اقتصاداً يعتمد بنسبة 26.6 بالمئة على العالم الخارجي من دون حجم التهريب، وإذا ما أضفنا حجم التهريب فقد تصل النسبة إلى 40 بالمئة يعتمد فيها الاقتصاد السوري على الخارج، وهذا ما سوف يسبب انخفاضاً في سعر صرف الليرة أمام العملات الأجنبية، وزيادة معدلات الفقر لأن أسعار المستوردات تفوق طاقة المستهلك السوري، وزيادة معدلات الدين العام نظراً للتهرب الضريبي، وهذا ما يشكل ضغطاً جديداً على سعر صرف الليرة السورية، لأن عجز الموازنة يصل سنوياً إلى 25-30 بالمئة.
ونوّه بأن العقوبات والحصار والإجراءات القسرية أحادية الجانب المفروضة ظلماً على سورية تلعب دوراً بارزاً في ذلك، إذ يصل أثر العقوبات إلى رفع الأسعار بين 25-30 بالمئة، وهذا ما يؤثر في القدرة الشرائية للمواطنين وخاصة الفقراء، والنسبة المتبقية من رفع الأسعار تتأتى من تراجع كميات الإنتاج وعدم وجود الكفاءات التي تنتج السلع والخدمات، كما أن الإدارات الحكومية تتحمل مسؤولية عدم البحث عن الكفاءات والمستثمرين الحقيقيين وتشجيعهم، كما تتحمل المصارف جزءاً من الوضع القائم لكونها متوقفة عن الإقراض، إذ يوجد حوالي 3.5 تريليونات ل.س مجمدة فيها تحتاج إلى من يطلبها ويستثمرها.
وأشار إلى أن الحوالات النظامية وغير النظامية خلال 2017 وصلت تقريباً إلى 2 تريليون ل.س ما يغطي ثلث الطلب الداخلي الخاص (باستثمار الحكومة وفق الموازنة العامة للدولة)، منوهاً بأن اقتصاد الظل بلغ عام 2000 بحدود 40 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي البالغ ألف مليار ل.س تقريباً آنذاك، وبدأت الحكومة بتنظيم اقتصاد الظل والتراخيص حتى تخفض منه فوصل عام 2010 إلى 25 بالمئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي البالغ آنذاك 2791 مليار ل.س، لكن الحرب أصبحت الأرضية الخصبة التي ينمو فيها اقتصاد الظل من جديد، فقد تزايدت معدلاته لتصل حالياً إلى 50 بالمئة من الناتج أي أنه بناء على الإحصائية الرسمية لحجم الناتج بالأسعار الجارية يصل إلى 4 آلاف مليار ل.س، جلّه من التهريب والبيوعات غير النظامية والهدر والفساد.