لا ترتبط عملية شيطنة الدولة السورية بانطلاق الحرب على سورية في آذار 2011، التي كانت شكلاً جديداً من أشكال حروب جيل الرابع منها، وإنما بدأت قبل ذلك بسنوات منذ احتلال العراق 2003 وشروط كولن باول الشهيرة التي رفضها الرئيس بشار الأسد، واستمر التمهيد لهذا المسار من خلال اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري في شباط 2005، حينما اتهمت سورية بهذا الاغتيال كجزء من عملية شيطنتها أمام الرأي العام العربي والعالمي، وبقيت الاتهامات الملفقة وشهود الزور المعروفون، تلاحق الدولة السورية لسنوات حتى انكشفت ألاعيب الخصوم والأعداء، وتحولت هذه الادعاءات إلى فضيحة أخلاقية وسياسية وقضائية لا تقنع أحداً، إلا أن الأمر كما يقر به حاملوه هو مجرد اتهامات سياسية لا تدعمها الأدلة القضائية والقانونية، وتقف خلفها قوى محلية لبنانية، وأجهزة استخبارات دولية على رأسها الأميركيين في محاولة لتطويع الدولة السورية، ورضوخها لإملاءات واشنطن وأدواتها، وكذلك سياساتها في المنطقة بما في ذلك وقف دعم المقاومة وقضية فلسطين وغيرها من القضايا، التي كشف عنها الخصوم وليس الأصدقاء لاحقاً.
حينما لم تنفع قضية اغتيال الحريري عاد الأمر مرة أخرى لكن بشكل أعنف وأقسى مع انطلاق الحرب على سورية، وأخذت عملية الشيطنة أشكالاً أقذر وأخبث وأدهى وأكثر تعقيداً مما مضى، وخاصة أن البعد الإنساني كان يغطي دائماً هذه الهجمة ولا يزال إضافة إلى أبعاد أخرى، لنأخذ بعض الأمثلة على هذه الشيطنة:
روايات وأساطير منذ بدء الحرب حول سرديات إنسانية مثل قلع أظافر الأطفال في درعا، قضية زينب الحصني وهكذا دواليك!
سردية أن الدولة السورية هي من أسس جبهة النصرة ودعمها، ووقف خلف عملياتها الإرهابية في محاولة لتشويه نقاء الثورة المزعومة وأهدافها النبيلة في الحرية والكرامة وحقوق الإنسان!
سردية أن الدولة السورية هي من يقف خلف تنظيم داعش الإرهابي الإجرامي من أجل القضاء على الثورة السلمية ودفعها نحو اتجاهات أخرى لم تكن تريدها!
سردية سلمية الثورة المزعومة وأن استخدام السلاح جاء كرد فعل على القمع الذي تعرض له السلميون المناضلون من أجل الكرامة والحرية!
سردية شيطنة أجهزة المخابرات والأمن السورية بهدف تبرير العمالة للمخابرات الأميركية والإسرائيلية والسعودية والقطرية والتركية والبريطانية والفرنسية… الخ!
سردية شيطنة الجيش العربي السورية كمؤسسة وطنية سورية تدافع عن كل أبناء الشعب وتضمهم جميعاً، لتبرير إنشاء الميليشيات الإخوانية، وقبضايات باب الحارة كبديل!
سردية شيطنة الدولة السورية من خلال اتهامها والاستمرار في ذلك باستخدام الأسلحة الكيميائية!
والحقيقة أن هذا الملف يحتاج لعشرات الكتب والدراسات للإضاءة عليه والإحاطة به، وتنوير الرأي العام بخفاياه وأهدافه كجزء من الحرب النفسية، وجزء من أدوات إقناع السوريين من أن الحل الوحيد أمامهم هو تدمير وتحطيم دولتهم ومؤسساتها لإنتاج بديل منها، وهو أمر كان ولا يزال البعض يسوّق له حتى الآن تحت عناوين الحريات وحقوق الإنسان والعمل السياسي من دون أن نجد ضوابط لهذه الحرية المزعومة أين تبدأ وأين تنتهي، وما محدداتها بموجب القانون والدستور وهل الحرية تعني مثلاً السب والشتم بالآخر، أم هي مسؤولية تقديم الحلول والمخارج والاقتراحات والنضال من أجل ذلك؟
هي أسئلة تطرح علينا في كل يوم، ومع كل هزة بسيطة تأتينا من هنا وهناك متخفية باسم حرية الرأي، ومطلة علينا من محطات مشبوهة وملوثة بأموال البترودولار، وهنا دعوني أسأل أصحاب هذه الطروحات بعض الأسئلة:
هل ما طرحه بشارة الأسمر في بيروت بعد وفاة البطريرك صفير هو حرية رأي في بلد الحرية كما تسمونها، أم تناول للمقدسات كما رآها البعض الآخر؟ فأطيح بالرجل بقرار سياسي فوراً، ولم أسمع أحداً يقول هذه حرية وديمقراطية من أولئك المعارضين أو المعترضين السوريين!
هل نشر وتصفية الصحفي جمال خاشقجي المعارض للنظام السعودي هو حق له، أم هو اعتداء على حرية الرأي وخاصة أن ما يسمى بالهيئة العليا للتفاوض وهي المعارضة العميلة موجودة في الرياض، وتتقاضى رواتبها من خزائن آل سعود، ومع ذلك يتحدثون من هناك عن مستقبل الديمقراطية في سورية، والمنشار إلى جانبهم!
هل سجن آلاف الصحفيين في تركيا هو مبرر لرجب طيب أردوغان أم إنه إجراء تعسفي يمس حرية الرأي والديمقراطية.
وهل تقبيل يد أردوغان هو جزء من طقوس الثورجيين السوريين الذين كانوا يطالبون الرئيس بشار الأسد بالكرامة والحرية والديمقراطية، ويشيطنون رئيسهم ودولتهم، أم إن ذلك طقس من طقوس ديمقراطية الإخوان المسلمين الذين كانوا يريدون تصديرها لنا.
هل تعاون الثورجيين السوريين مع جهاز الموساد الإسرائيلي الذي تم الكشف عنه قبل أيام بالصوت والصورة من إحدى القنوات الإسرائيلية هو جزء أساسي من الحرية والكرامة والديمقراطية المزعومة؟ وأما العمل على تقديم أدلة مزعومة عن استخدام الكيميائي فهو جزء آخر من عمليات الشيطنة للدولة السورية.
أستطيع أن أقدم آلاف الأدلة والوثائق على وضاعة وعمالة كثيرين ممن امتهنوا مهنة الاعتراض طوال السنوات الماضية ولا يزالون، وأستطيع القول لهم: إن الفرق كبير جداً بين الحرية التي نريد، والحرية التي تسوّقون لها، وبين الديمقراطية التي تسوّقون لها، والديمقراطية التي يجب بناؤها، والكثير الكثير هنا من الملاحظات.
وكي أكون واضحاً أكثر فإنني عندما أكشف وأعري هؤلاء وأدواتهم وأساليبهم ليس من أجل القول إننا من دون أخطاء وإننا لا نحتاج لإصلاح واسع، ولكني أؤكد أن الإصلاح وتطوير الدولة ومؤسساتها لا يتم من خلال شيطنتها، ولا من خلال العمالة والخيانة والجلوس في أحضان البترودولار، أو من خلال السب والشتم وادعاء البطولات البهلوانية والشخصية، وإطلاق التصريحات الفيسبوكية، فهذه البهلوانيات أصبحت ممجوجة ولن تهز أحداً، ومحاولات تضخيم البعض لذواتهم ليس إلا نرجسية فائقة تخفي أمراضهم النفسية وعقدهم الشخصية.
إن الشياطين الحقيقيين هم أولئك الذين خططوا ونفذوا وشاركوا وتواطؤوا وسكتوا ووقفوا على الحياد في أقذر حرب تشن على دولة وشعب في العالم، وآن لنا أن نميز بوضوح شديد بين النقد الذي يعني البناء، وبين تقديم صورة نمطية للدولة السورية الهدف منها هو شيطنتها وشيطنتها فقط، وكأن الذين واجهتهم الدولة السورية وجيشها البطل وحلفاؤها طيلة السنوات التسع ولا تزال، هم قوى الخير والتقدم والإنسانية!