قضايا وآراء

إشارات الجولان

| مازن بلال

يكرس الرئيس الأميركي دونالد ترامب «صورة» جديدة للصراع العربي الإسرائيلي، وبدأ بمسألة القدس مروراً بالجولان وأخيراً بما يُطلق عليه «صفقة القرن»، فالمسألة بالنسبة للإدارة الأميركية تحولا عن «عملية التسوية» التي تفترض مرجعية دولية بالدرجة الأولى، وجود طرف مواز للجانب «الإسرائيلي» داخل «التسوية» كلها، ورغم أن قضية السلام تعثرت من اللحظات الأولى، لكن هذا الأمر لا يبرر تحول المنحى من الرئيس الأميركي، بل يفترض على مستوى حل الأزمة التعامل مع شروط التفاوض على سبيل المثال، لكن تصرف ترامب يذهب بعيداً نحو إلغاء التفاوض وكسر الجمود من خلال تبديل قواعد التعامل السياسية مع شرقي المتوسط كله.
في مسألة الجولان يقوم الرئيس الأميركي بـ«حالة استعراض» غير مسبوقة، وغايتها حتى اللحظة إزاحة نقطة الاشتباك الأكثر تعقيدا من مساحة الصراع مع «إسرائيل»، فالجولان هو الجبهة الوحيدة التي تبقي إمكانية الحرب مفتوحة ما دامت لم تدخل في إطار التسويات التي بدأت في سيناء وانتهت باتفاقيات أوسلو، والموقف الأميركي الحالي يعبر عن أمرين:
– الأول هو عدم انتظار أي مستجد سياسي من سورية يسمح بعودة مسألة التسوية حول الجولان، فهو ليس معنيا بما سينتج عن الأزمة السورية ويريد تركيب التوازن بغض النظر عن طبيعة الصراع الإقليمي وربما الدولي الذي تشهده الأزمة السورية.
عمليا فإن الرئيس الأميركي يخوض حرباً استباقية على المستوى السياسي؛ تشبه في رؤيتها ما قام به الرئيس بوش الابن عندما احتل العراق، لكننا اليوم أمام حرب استيعاب سياسي للمنطقة كلها من خلال فرض رؤية أميركية ترسم تحالفات جديدة، والواضح أن القاعدة السياسية الإقليمية متوافرة اليوم عبر إثارة الخلاف بين السعودية وإيران، فالشكل السياسي القادم يضع الدول الإسلامية ومعظم الدول العربية في «النسق الإسرائيلي» نفسه ما داموا يملكون عدوا مشتركاً هو إيران، وليس مهما في التفاصيل الإدانات التي أطلقتها «قمة مكة» بشأن الجولان أو غيرها، فهذا المسار السياسي يقوض في النهاية لإيجاد مجموعة إقليمية تضم إسرائيل لمواجهة إيران.
– الأمر الثاني يرتبط بمسألة الاعتراف بالجولان كـ«جزء من إسرائيل»، فهذا الأمر كان من المفترض أن يكون المدخل السياسي لتحقيق شروط عملية السلام التي بدأت في مدريد قبل أكثر من عقدين ونصف العقد، فـ«إسرائيل» ضمت الجولان عام 1980، على حين تشترط سورية عودة الجولان لأي مسار سياسي بشأن السلام، فالرئيس الأميركي لا يرى معادلة سياسية أحد أطرافها سورية، بل ينظر إلى معادلة إقليمية كاملة تدخل «إسرائيل» كطرف فيها، على حين الأطراف الأخرى غير موجودة فعليا في الرؤية الأميركية.
يقدم الطرح الأميركي الحالي «مظلة إسرائيلية» لأطراف مختلفة مهامها السياسية محسومة سلفا، وهامش تحركها منتظم على إيقاع ما تتيحه «المظلة الإسرائيلية» من مساحة، فالمنظومات الإقليمية مثل الجامعة العربية، أو حتى الدولية مثل منظمة المؤتمر الإسلامي، لم تعد مناسبة للمرحلة الدولية الحالية، ومن الصعب تخيل هيكلية جديدة يمكن أن تظهر بعد انتهاء زمن التشكيلات الإقليمية والدولية، وما يتم طرحه اليوم أميركيا على الأقل هو تشكيل جبهات صراع عبر تجميع الدول في مواقع محددة، وهذا الأمر سيصعب من مهام روسيا والصين في فرض نظام دولي متعدد الأقطاب، وسيصعب أيضاً من مهام حل الأزمات وعلى الأخص الأزمة السورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن