ثقافة وفن

مختارات من الشعر الصيني … «شجرة تحلم بالطيران» قصائد عن حياة ليست مفروشة بالأزاهير

| سوسن صيداوي

«أخلع عباءتي كمترجم وأرتدي روح الشعر وأخرج عن النص المترجم أحياناً وأتقمص الشاعر وأكتب ما يمليه صوت وجدانه على قلمي، فاعتنقت القصائد الإيقاع الداخلي وغافلتني أحياناً هاربة إلى إيقاع التفعيلة فكان هذا الكتاب مثل شجرة تحلم بالطيران». الكلام منسوب للمترجم جهاد عارف الأحمدية، الذي قدّم به كتابه شجرة تحلم بالطيران، الصادر عن الهيئة العامة للكتاب، مضمّناً الكتاب مختارات من الشعر الصيني في القرن العشرين، كان ترجمها تباعاً عن الإنكليزية مجلة «الأدب الصيني» الفصلية التي كانت تصدر في الصين باللغتين الإنكليزية والفرنسية. وتجدر الإشارة بأن المترجم من مواليد عاليه/لبنان، يحمل إجازة في اللغة الإنكليزية ودبلوم تأهيل تربوي من جامعة دمشق، وهو عضو اتحادي الكتاب العرب في سورية والكتاب اللبنانيين والاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب. كما من دواوينه الشعرية: افتتاحية العشق، المهرجان أو شمس الروح، مرايا الحلم، أفئدة الجلنار، مكاشفات، أغنيات البراءة والتجربة.
وعن «شجرة تحلم بالطيران» نتوقف عند بعض النقاط:

الحالة العامة
يعتبر المترجم جهاد عارف الأحمدية أن الشعر هو ميدانه الأرحب وقد آثر ترجمته على غيره من المواد الأدبية المنشورة في أعداد مجلة «الأدب الصيني»، مشيراً الأحمدية بأنه اهتم بالملفات التي تخص كل شاعر مع بحث عن مسيرته الحياتية، والإبداعية وعن خصائص المرحلة التي عاش فيها، بقلمه أو بقلم أحد النقاد. ومترجمنا استغرق منه كل ملف يضمه الكتاب فترة غير قليلة من الزمن، عاش فيها مع الشاعر، مشاركاً همومه وتفاصيل حياته، متأثراً بما تأثر به، منغمساً فيه، متفاعلاً مع ما تفاعل معه، مبتهجاً مثله في فرحه، متعاطفاً في حزنه. وعن الكتاب يشرح المترجم بأنه يضم ملفّين عن شاعرتين، وملفّين آخرين عن شاعرين، وملفاً خامساً يحتوي على قصائد متفرقة لشعراء ينتمون إلى مناطق مختلفة من الصين، معتمداً في تقديمها على ترتيب التسلسل الزمني لتواريخ ميلاد الشعراء.

في الملف الأول
تحت هذا العنوان تحدث الأحمدية عن حياة الشاعرة «تشينغ مِن» التي رأتها أشبه ما تكون برحلة في متاهة ضمن يقطينة مغلقة، فلم تكن حياتها مفروشة بسجادة من الأزاهير. وبعد أن حصلَت على درجة الدكتوراه في نيويورك توجّهت إلى دراسة الموسيقا اعتقاداً منها بأن إدراك ثقافة وحضارة بلد ما يتطلب دراسة فلسفتها وأدبها وفنها، فجاءت كتابتها مبنية على هذه الثلاثية الإنسانية المتجذرة عميقاً في الحياة، وتقول تشينغ عن إبداعها الشعري «قصائدي كلّها تسجل حياتي الفكرية في ظل ثقافتين ونظامَي حياة مختلفين. وقد يكون هنالك من يرغب في أن يتعمق أكثر في المشاعر المتشابكة المتخفية وراء السطور البسيطة الواضحة ليطلع على مسيرة الرحلة الروحية لمفكرة صينية من القرن العشرين». ومنه جاءت قصائدها: غمار الأرز الذهبية، الباب، الظمأ-ليث، احتجاج، الخروج من قشرة البيضة، الأخطبوط، وموعد مسائي.
ومن قصيدة «غمار الأرز الذهبية» نذكر لكم:

وعند الشفق
تحاصر التلال البعيدة قلوبنا،
فنغدو مثل تماثيل هامدة
أو ربما أكثر سكوناً،
ومن شدة الإعياء
نخشى من التأمل.

في الملف الثاني
في هذا الجانب يقدم المترجم دراسة أدبية يتحدث فيها الناقد «تشو تشينغباو» عن «شعر الحدود الحديث» الذي توسع تدريجياً ليعرف فيما بعد بـ«مدرسة الشعر الغربي الصيني» ملقياً الضوء على الشاعر «يانغ مو» كواحد من ممثلي هذا الشعر ومهندسيه، حيث عاش حياة الحدود القاسية في المناطق الحدودية، وكان لتلك الحياة الأثر الكبير في صقل موهبته ليصبح شاعراً منجزاً. وتضمن الملف قصائد لـ«يانغ مو» بعناوين: رجل قوي، مسيرة خيمة الـيورت، الأمير الهانئ، ضيف ليلة وضحاها، الشيخ وطبلة.
ومن قصيدة «الأمير الهانئ» نقدم لكم:

تغني أغنياتك الرعوية
تفرقع بكرباجك
وتمتطي حصانك سعيداً قانعاً.
حذاؤك يتأرجح في الرّكاب
وأنت من يحكم
في الغابات والمراعي.
لا حاكم سواك
لديك الوحدة المرسومة
استراحة بلا حدود
تجاوب الحملان ثغائها
تحدّث القرقف،
وأنت تمتطي حصانك سعيداً قانعاً.

في الملف الثالث
هنا في هذا الجانب يشرح مترجمنا كيف يعبر الشاعر «يي يانبِن» عن إعجابه بهيئة الشجرة: الجذور في تربة التقاليد والأغصان تمتد إلى السماء كاشفة عن حلم الأجنحة. مشيراً إلى أن هذه الشجرة قد تساعد المتلقي في استيعابه واستيعاب أشعاره. من قصائد الشاعر: الأمهات، موسم الإزهار، فراغات، الغيوم الهاربة في جبل تاي، مداعبة.
ومن قصيدة «فراغات»:

إطلاق العنان
للعواطف والرغبات
يذهب كما الحبر حين يراق
على ورقة الحياة الجميلة
ويغمّسها، تاركاً خلفه
فراغين فاتنين جذابين
في السنوات التي مضت
بعمق أو ببساطة.

في الملف الرابع
ختم جهاد عارف الأحمدية بحثه بالعبارة التالية «إليك أيها القارئ العربي أقدم كتابي هذا، حسبي أنني أضأت شمعة في محراب الشعر الصيني العظيم، متمنياً أن يحقق ما استطعته متعة وفائدة». وبالعودة إلى هذا الملف يضمّن -المترجم- ما قدّمت به الشاعرة «ليو يالي» لنفسها تحت عنوان «كيف بدأت كتابة القصائد»، حيث قادها التشدد في فرض النظام إلى الهروب باتجاه الفانتازيا… فأمسكت القلم وبدأت بكتابة الشعر. وحينما أيقظ الحب في داخلها أنوثة كانت هاجعة، وعاشت معه سعادة عارمة رأت العالم من خلالها بعينين لامعتين تفيضان دموعاً عذبة… امتشقت قلمها وبدأت تكتب الشعر، ومن بعض قصائدها:مناجيات أنثوية، قصائد حب، مسافة، في المطر، بهدوء ألقي قصيدة حب، الشاي بعد ظهيرة الأربعاء.
ومن قصيدة «مسافة» نوجز:

المسافة مقتطف من حلم
برتقالي مرتجف
تمسكه اليد
لكن لا يدركه الفم
كالنحلة
حين تحطّ على الشفتين
تلسعك وتطعمك العسل.
المسافة من أكثر العيوب
عصمة عن الخطيئة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن