من دفتر الوطن

استعادة الطبقة الوسطى

| حسن م. يوسف

يتفق علماء الاقتصاد على اختلاف توجهاتهم على أن الطبقة الوسطى هي مصدر الازدهار الاقتصادي، كون أبناء هذه الطبقة يشكلون الكتلة الأساسية من المستهلكين الدائمين الذين هم السبب في استمرار دوران عجلة الإنتاج، وضمان استقرار الاستثمارات ذات المدى الطويل.
يتسم أبناء الطبقة الوسطى بأن أغلبهم يكسبون رزقهم من العمل ويمتازون بالطموح والرغبة في تحسين وضعهم الاجتماعي والاقتصادي، مما يحثهم على العمل ويشجعهم على الابتكار والتطوير، بهدف الحصول على المزيد من الخيرات وتسلق درجات السلم الاجتماعي.
ثمة من يرى أن مصطلح الطبقة الوسطى لم يطرح في التداول إلا بعد انطلاق الثورة الصناعية عقب اختراع الآلة البخارية في إنكلترا في القرن الثامن عشر، غير أن هذا المصطلح بات يستخدم على نطاق واسع منذ مطلع القرن التاسع عشر.
يشدد الكثير من رجال الاقتصاد وعلم الاجتماع على أهمية دور الطبقة الوسطى في استقرار الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وينصحون الحكومات بالحفاظ على وجودها وتوسيعها قدر الإمكان. يرى الباحث مارك بارتريدج الأستاذ في جامعة أوهايو الأميركية أن وجود… «طبقة وسطى أكثر حيوية يعني نمواً اقتصادياً طويل الأجل».
ويرى الخبير الإستراتيجي في معهد بروكينغز العالمي، هومي خاراس، أن «… أكثر من نصف سكان العالم سيكونون من الطبقة المتوسطة بحلول العام 2020، ويقصد بذلك الأشخاص الذي يملكون قدراً كافياً من المال لتغطية احتياجاتهم الأساسية مثل الطعام والملابس والمسكن، ولا يزالون يملكون بعض المال من أجل بعض الكماليات مثل الطعام الفاخر والدراجات النارية وتحسينات المنزل والتعليم العالي».
وهناك توقعات من جهات بحثية رصينة بأن حصة الطبقة الوسطى سوف ترتفع في عام 2030، إلى ستين بالمئة من إجمالي الإنفاق العالمي.
قبل نحو نصف قرن كانت الطبقة الوسطى في سورية تشكل أربعة أخماس المجتمع في حين كان نصف الخمس المتبقي من الأغنياء ونصفه الثاني ممن هم تحت خط الفقر. وبعد الهزة العميقة التي تعرض لها مجتمعنا في مطلع ثمانينات القرن الماضي أصبحت الطبقة الوسطى هي نصف الخمس في حين التحق أربعة أخماس المجتمع بالطبقة الفقيرة وظل حجم الطبقة الغنية على حاله! وقد انتعشت الطبقة الوسطى قليلاً خلال العقود الثلاثة الماضية، لكنها انتكست مجدداً حتى صارت في أسوأ أوضاعها حالياً.
صحيح أنني لست بارعاً بالاقتصاد ولا ضليعاً بعلم الاجتماع، غير أني أعتقد أن دمار الطبقة الوسطى هو السبب العميق لما حدث ويحدث لا في سورية وحسب بل في الوطن العربي برمته. فالأخصائيون في مصر يرون أن الطبقة الوسطى هناك قد تآكلت بالفعل بسبب ارتفاع أسعار السلع بشكل كبير وفقدان العملة المحلية قيمتها. وقد جاء في إحصاءات منظمة الأمم المتحدة، أن هناك ما يقارب أحد عشر مليون شخص في الوطن العربي يعيشون بدولار واحد تقريباً في اليوم.
أعتقد أن الطبقة الوسطى توشك أن تختفي من سورية لسببين أساسيين الأول ذاتي، يتعلق بالطبيعة القلقة والمتحولة لأبناء هذه الطبقة الذين يساومون على الأهداف العامة في سبيل مصالحهم الشخصية، مما يجعل القاسم المشترك الأعظم بينهم جميعاً هو أنهم يطمحون كأفراد لتسلق السلم الاجتماعي. لذا يسكتون على انحدار طبقتهم على أمل أن يتمكنوا، فردياً، من تجاوز الانهيار أو الالتفاف على الانحدار.
السبب الثاني هو تراجع الحالة المدنية داخل المجتمع السوري بسبب تهميش للكفاءات الحقيقية، وانحسار لقيمة الأعمال الإنتاجية، في مقابل صعود الولاءات الشخصية والعلاقات القبلية. وهذا كله أدى ويؤدي لتهميش الدور السياسي للطبقة الوسطى وحصر مراكز التأثير بالتجار وشركائهم من المتسلطين.
في الختام أود التأكيد أنه لا مخرج من حالة الاستعصاء التي يعيشها مجتمعنا إلا من خلال استعادة دور ومكانة الطبقة الوسطى، التي تضم أغلبية مثقفي المجتمع إضافة إلى الحرفيين وأساتذة الجامعات من خلال إعادة توزيع الثروات بشكل متوازن. وعندما نتمكن من تحقيق هذا الهدف سنجد في الطبقة الوسطى جيشاً حقيقياً في معركة إعادة البناء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن