اقتصاد

مجلس نقد وتسليف ولجنة اقتصادية!

| عامر الياس شهدا

من المتفق عليه عالميا أن مجلس النقد والتسليف هو الرافع الحقيقي لأي قرار اقتصادي، وبالتالي هو المسؤول بشكل كامل عن مدى تحقيق السياسة النقدية لأهدافها.
ما نلمسه على أرض الواقع، أن اللجنة الاقتصادية برئاسة مجلس الوزراء ألغت دور مجلس النقد والتسليف، وأصبح المجلس عبارة عن مزهرية تزين الهيكل الإداري في مصرف سورية المركزي، فالمجلس شبه معدوم رغم أهميته الكبيرة ودوره في إدارة الاقتصاد، وإدارة السيولة وتوجهاتها، والتي تعتبر النواة الأساسية التي يعتمد عليها لضبط حالة الأسواق لجهة الأسعار بالنسبة للمستهلك، ولجهة الإنتاج بالنسبة للقطاعات الصناعية والتجارية والسياحية والزراعية، إضافة لمهمته الرئيسة في ضبط سعر صرف العملة المحلية، هذه مسؤوليات مجلس النقد والتسليف التي ينص عليها القانون.
اختصر دور مجلس النقد والتسليف على صياغة قرار تحيله اللجنة الاقتصادية له لا أكثر، حتى وإن كان القرار يتعلق بإدارة السيولة، أي انعكست الأدوار بين لجنه لا تكتسب القوة القانونية التي يتمتع بها المجلس، وبين مجلس نعتقد أن تشكيلته الحالية لا تلعب الدور المطلوب، ما أدى إلى تهميش دوره بشكل واضح، وهذا التهميش أدى إلى خلق خلل حقيقي في آليات مناقشة القرار الاقتصادي والنقدي.
الوضع الذي وصلنا إليه دفعنا للإشارة إلى تهميش دور مجلس النقد والتسليف، وكمثال بسيط عن تهميش أو انعدام دور المجلس بشكل شبه نهائي في عملية السياسة النقدية والاقتصادية؛ تسعير البنزين الذي قامت به لجنه في وزارة النفط، وكأن الموضوع شأن خاص بوزارة بعينها، رغم أنه من المهم جداً أن يكون لمجلس النقد والتسليف دور في التسعير، لما لهذا الأمر من انعكاسات خطيرة على السيولة وإدارتها، فقرار رفع الأسعار يؤدي إلى التضخم وبالتالي إلى زيادة في الكتلة النقدية المتداولة، فهل هذه الأمور من اختصاص وزارة النفط أم مجلس النقد والتسليف؟
وأكثر من ذلك، فقرار رفع سعر البنزين يعرض على اللجنة الاقتصادية في رئاسة الوزراء ولم نسمع أنه عرض على مجلس النقد والتسليف، فيبدو أن الأمر ليس من شأن المجلس.
في الدول التي تحرص على صوابية قراراتها الاقتصادية وعلى مدى توافقها مع المتطلبات الاجتماعية وتناغمها مع السياسة النقدية وضبط سعر الصرف، تعتمد في دراسة قراراتها على مجلس النقد والتسليف، ليدرس انعكاسات القرار على السياسة النقدية والسياسة الاقتصادية والمالية، وهذا الثالوث هو نواة الحياة والتوازن بالنسبة للوضع الاقتصادي للدولة.
اليوم، سورية تدخل مرحلة جديدة في مجال إدارة السيولة، حيث صدر قرار تفعيل سوق الأوراق المالية الحكومية، درسته اللجنة الاقتصادية من دون معرفة دور مجلس النقد والتسليف بدارسة هكذا قرار، رغم أن هكذا قرارات تتخذ وتدرس من قبل مجلس النقد والتسليف، وفي مراجعة للمرسوم 60 لعام 2007 نرى أن كل ما يتعلق بسوق الأوراق المالية الحكومية مرتبط بوزارة المالية ومصرف سورية المركزي والحاكم، أي بمجلس النقد والتسليف وليس بلجنة اقتصادية.
نعتقد أن هناك خطأ في آلية دراسة القرار الاقتصادي عندما نعلم أن المجلس يرفع اقتراحاً بقرار لتدرسه لجنة برئاسة مجلس الوزراء، هذا الأمر ساعد على تهميش دور مجلس النقد والتسليف، وعدم تحمله لمسؤولياته المنصوص عليها بالقانون نتيجة هذا الخلل، كما أن تدخل لجنه بقرارات تتعلق بالسياسة النقدية مؤشر على خلل في استقلالية المصرف المركزي، وهذا مخالف للأعراف الدولية بخصوص مجلس النقد والتسليف ولما نص عليه قانون مصرف سورية المركزي.
إن قرار طرح أذونات الخزينة لمدة عام لتغطية جزء من الاحتياجات لتمويل الخطة الاستثمارية للفترة المتبقية من العام 2019 يعطي صورة واضحة بأن الحكومة تنفذ كامل خطتها الاستثمارية نهاية عام 2019، مع لفت النظر إلى أننا نتحدث عن خطة استثمارية، وليس عن خطة لاستجرار مادة استهلاكية.
سؤال موجه للمسؤولين عن القرار: هل هناك توصيف لنتائج القرار وضعه مجلس النقد والتسليف؟ إذ إن هذا التوصيف يعتبر من أساسيات اتخاذ القرار، لكونه يتعلق بتكلفة الدين العام في الأمدين المتوسط والبعيد، مع توصيف آلية الإدارة الرشيدة للمخاطر في حدود القيود التي تفرضها السياسة المالية والنقدية.
سؤال آخر: ما الإجراءات التي تدعم وتطور سوق ماليه محليه كفوءة؟ هل هكذا سؤال من اختصاص لجنة اقتصاديه للإجابة عليه أم من اختصاص مجلس نقد وتسليف؟ وبالقانون، من المسؤول عن إدارة السيولة الحكومية لجهة أي إقراض أو اقتراض حكومي يرتبط بصورة مباشرة أو غير مباشره بإدارة الوضع النقدي للحكومة؟
نرى من المهم والضروري جداً أن تتم إعادة تشكيل مجلس النقد والتسليف وإعطاؤه الدور الذي نص عليه قانون تشكيله، وربط دراسة القرارات المالية والنقدية والاقتصادية بمجلس النقد والتسليف وعلى مسؤوليته، وهذا المعمول به بمعظم دول العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن