قضايا وآراء

عن أي «سيليكون» يتحدثون؟

| ليون زكي

إنه نوع جديد من التضليل الإعلامي ذلك الذي تدعيه أبواق تبرر للإدارة الأميركية الاحتفاظ بوجودها العسكري كقوة احتلال شرقي نهر الفرات في سورية، وذلك عبر الإيحاء بتوافر «السيليكون» النقي جداً، والذي من شأنه تحقيق قفزة نوعية في صناعة الحواسيب الذكية والصغرية على مستوى العالم، في رمال صحاري تلك المنطقة التي تسيطر عليها «قوات سورية الديمقراطية – قسد» ذات الأغلبية الكردية بدعم أميركي.
بكل تأكيد، لم تعلن في وقت سابق أي من الجهات السورية المعنية بهذا الأمر، مثل وزارة النفط والثروة المعدنية والمؤسسة العامة للجيولوجيا، عن مثل هذا الاكتشاف الذي من شأنه أن يجعل من سورية «وادي سيليكون» عالمياً جديداً، ولو أن كل سوري يحلم ويأمل بأن يكون حقيقة على الأرض وليس من بنات أفكار العالم الافتراضي وحيلة من حيل العم سام للسيطرة على مقدرات وثروات الشعوب.
والحال أن أخباراً غير موثوقة وغير موثقة تناقلتها أخيراً صفحات التواصل الاجتماعي زعمت أن سورية قدمت شكوى إلى مجلس الأمن عام ٢٠٠٤ عن دخول طائرات أميركية ليلاً إلى بادية الشام شرق سورية قادمة من العراق وجرى تحليل تربتها والإعلان عن اكتشاف السيليكون الذي قدرت نقاوته بنحو ٧٩ بالمئة مقارنة بالسيليكون المتوسط النقاوة بمعدل ٣٧ بالمئة فقط، المكتشف في بنغالور في الهند والذي عد عماد صناعة برمجياتها المتطورة، لأنه كلما زادت نقاوة السيلكون أعطت معالجات أعلى من معايير الدقة ورفع من قيمة الجيل، الأمر الذي سيدخل البشرية في عصر معلوماتي جديد ومزدهر وسيخلق صراعاً دولياً مستمراً على الصحراء السورية سيدفع روسيا والصين وربما الهند للتدخل ومنافسة القطب العالمي شبه الوحيد الولايات المتحدة.
إن الرواية السابقة الوحيدة المفصلة، التي وردت على لسان خبير معلوماتية هندي مجهول، تفتقد المصداقية وتعتبر ضرباً من الخيال وقريبة إلى قصص ألف ليلة وليلة بحبكتها التي نسجت هالة من قصص المغامرة والمؤامرة الكونية التي تروجها الشبكة العنكبوتية لدرجة أن بعض رجال الأعمال السوريين طالب بتأسيس مجالات للتعاون ببن الحكومتين السورية والروسية في هذا المجال، ودعا الروس لاستثمار أرض السيليكون السورية في صحرائها الممتدة من الجزيرة السورية شرقي البلاد إلى حمص وتدمر في الوسط وحتى السويداء جنوباً.
والواقع أن صحراء البادية السورية، وخصوصاً التدمرية منها، قد تحتوي على سيليكون نقي لكن ليس بالنسبة التي تحدثت عنها الرواية الافتراضية السابقة، ويمكن أن تخلق نوعاً من مجالات التعاون والاستثمار بين سورية وروسيا المهتمة باستثمار الثروات السورية كالفوسفات والغاز والنفط، مما يزيد من الانتعاش الاقتصادي السوري المطلوب لإعادة إعمار ما دمرته الحرب بعد توقفها.
المطلوب، عدم المبالغة بالأحلام والتمنيات وعدم تبرير ذرائع تدخل القوى الأجنبية في سورية، لاسيما الأميركية التي لا تحتاج إلى مبررات للسيطرة على شرق الفرات السوري بغية سلب مخزون حقوله النفطية والغازية الرئيسية والثروات المائية والحيوانية والزراعية التي تتركز فيه، عدا سعيها الدائم لتقسيم البلاد وخلق كانتونات عرقية.
في مقابل ذلك، لا بد من بذل كل الجهود لاستثمار الثروات السورية ومنها السيليكون بغض النظر عن نسبة نقاوته بعد أن نجح الأستاذ في كلية الهندسة الإلكترونية بجامعة حلب خلف العبد اللـه بتحويل الرمل إلى مادة السيليكون بتطبيقاته الصناعية الإلكترونية الدقيقة، وخاصة في مجال الكمبيوتر، عبر طرق كيميائية بسيطة وغير مقتبسة من مراجع علمية أخرى، نقى من خلالها رمال جبال البشري شرق سورية والتي تدخل في الصناعات الالكترونية الدقيقة، كما نجحت اختباراته في استخلاص الخلايا الشمسية كبديل عن الثروة النفطية من الرمال وتحويل الرمال إلى أنصاف نواقل وعناصر إلكترونية قادرة على حماية شبكات الهاتف والمصانع من ضربات التيار الكهربائي المفاجئة إضافة إلى اختبارات تطبيقية أخرى ناجحة على غاية من الأهمية لرمال الصحراء.
مهما يكن، فإن ما صرح به أخيراً رئيس مجلس النواب العراقي الأسبق محمود المشهداني بأن الولايات المتحدة تركز وجودها في «مثلث السيليكون» الواقع ببن شرقي سورية وغربي العراق وأنها لن تغادره لأن هذه المادة «هي الأغلى في العالم حالياً»، إنما هو مجرد تصريح «سياسي» يحتاج إلى أدلة وبراهين تدعمه وتثبت وجوده على أرض الواقع.
علمياً، يشكل السيليكون ٢٨ بالمئة من كتلة الأرض، لذلك يعتبر المادة الأكثر وفرة فيها لكنه لا يكون نقياً بصورة طبيعية بل متحد مع عناصر أخرى وخصوصاً الأوكسجين بشكل ثنائي أوكسيد السيليكون المكون الرئيسي للرمل والكوارتز المستخدم في صناعة الزجاج، ويعد السيليكون النقي مادة صلبة ومن أشباه المواصلات، وهو يمزج مع مواد أخرى مثل الفوسفور أو البورون لتكوين مركبات أساسية في المعالجات الصغرية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن