قضايا وآراء

قمة الشركاء الأعداء.. ترامب يتراجع وتفاهمات على الاختلاف

| د. قحطان السيوفي

قمة العشرين الاقتصادية الـ14 في أوساكا اليابانية كانت قمة سياسية بامتياز؛ حدثت في لحظة تاريخية عندما أوصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب العالم، بقراراته المتهورة والمتقلبة، إلى حالة من الفوضى والشكوك وإلى مفترق طرق حرج.
تعد «قمة أوساكا» واحدة من أكثر القمم التي شهدت انقسامات، وأيضاً تراجعات في مواقف ترامب. يمكن القول إنها قمة للشركاء الأعداء الكبار، كما يمكن القول إنها حققت اتفاقات وتفاهمات على الاختلاف. أهم القضايا التي استأثرت بمناقشات القمة؛ الحرب التجارية بين واشنطن وبكين المسماة بـ«معركة القرن»، وأيضاً تحديات الاقتصاد العالمي الناجمة عن انخفاض في النمو العالمي، كما احتل موضوع إيران وتأمين إمدادات النفط من الشرق الأوسط والتصعيد بين واشنطن وطهران في الخليج مكانة خاصة على أجندة القمة. تميزت القمة باللقاءات الثنائية بين قادة الدول الشركاء الأعداء، ومنها لقاء الرئيسين الأميركي ترامب والروسي فلاديمير بوتين، واللقاء الذي جمع بين ترامب ونظيره الرئيس الصيني شي جين بينغ تمخض عن تفاهمات مؤقتة، واستئناف المفاوضاتِ التجارية، وتوقيع اتفاقيات أخرى مؤقتة يغلب عليها الطابع الدبلوماسي، وخاصة إذا وضعنا في الحسبان سياسات ترامب المتقلبة والمتراجعة، حيث قال عقب اتفاق التهدئة إن بلاده لن تلغي العقوبات المفروضة على الصين على الأقل في الوقت الراهن ويعني هذا أنه يمكن في لحظة أن يتراجع ترامب عن تعهداته ويعود إلى المربع صفر، وكان وزير الدفاع الصيني وي فنغ، قد حذر من أن المواجهة مع الولايات المتحدة ستكون لها عواقب وخيمة، وخاصة إذا انتقلت من الحرب التجارية إلى التدخلات ذات الطابع السياسي. ترامب قال: سنواصل التفاوض.
ما يثير حفيظة ترامب ويؤجج غضبه أن الصين ستتمكن من القفز إلى أنظمة الدفع الرقمية العالمية، على حين أن الشركات الغربية لا تزال تستخدم التكنولوجيا القديمة.
السباق الذي يفترض أن يكون بين الولايات المتحدة والصين اليوم يميز بين أربعة جوانب: الذكاء الاصطناعي: الذكاء الاصطناعي في عالم الإنترنت؛ والذكاء الاصطناعي في قطاع الأعمال؛ يليه الذكاء الاصطناعي في مجال الرؤية والتصور الذي يرى العالم من حوله؛ وأخيراً الذكاء الاصطناعي ذاتي التحكم المتفاعل في العالم الحقيقي.
ترامب وجه من أوساكا رسائل إلى الحلفاء والخصوم؛ كاشفاً مواقفه من القضايا الدولية قائلاً: إن واشنطن لن تفرض رسوماً جديدة على الصين، وسيستمر في التباحث للتوصل إلى اتفاق أشمل. بالمقابل تراجعت إدارة ترامب، ولم تصمد طويلاً أمام الضغوط المتصاعدة عليها لرفع الحظر الذي فرضته على شركة «هواوي» الصينية.
ضغوط من شأنها تهديد الهيمنة التكنولوجية الأميركية على العالم. لكن، على الرغم من تراجع ترامب عن إجراءاته الأخيرة إلا أن المعطيات تؤكد أن الصين ستواصل اشتغالها على نظامها البديل، تكيّفاً مع هذا العصر الجديد من العدائية الأميركية.
في الشأن الإيراني قال ترامب إن بلاده تأمل ألا تضطر إلى استخدام القوة ضد إيران، في ظل التوتر حول منطقة الشرق الأوسط، علماً أنه تراجع عن ضربة ضد إيران في آخر لحظة. ترامب المتردد لا يريد الحرب وسيحرص على التفاوض حتى انتخابات الرئاسة، لأن ذلك سيؤثر في وضعه الانتخابي آملاً الفوز بولاية ثانية.
سَمى بعض الاقتصاديين قمة أوساكا «القمة الحمائية» نسبة إلى السياسات الحمائية التي فرضها ترامب على الصين.
القمة تناولت أسباب التوتر الاقتصادي القائم في الكيانات العالمية، وحددتها بأنها العولمة غير المدروسة، والقرارات التي تصدرها بعض اقتصادات الدول أحادية الجانب، والرسوم الجمركية المرتفعة التي ترهق إنتاجيات الكتل الاقتصادية.
القمة أقرت بصعوبة بعض تفاهمات دبلوماسية لأزمات العالم بسبب تعنت ترامب وتحركه بشكل أحادي، تراجع ترامب وإعلانه هدنة تجارية مع الصين ليس اتفاقاً ملزماً ومحدد المدة ليطمئن العالم والتجارة، ولن يبدد مخاوف المجتمع الدولي والاقتصاد العالمي.
طرح شي اقتراحاً من أربع نقاط أمام القمة، استكشاف القوة الدافعة للنمو، وتحسين الحوكمة العالمية، وإزالة اختناقات التنمية ومعالجة الخلافات بشكل صحيح، وفي إطار تصور نمط جديد من العلاقات الدولية، ركزت جهود شي على تعزيز التعددية والشراكات والتعاون المتبادل والمنفعة والتنمية المشتركة، ما ساعد على زيادة الثقة في السلام والتنمية على الصعيد العالمي، بالمقابل سجل ترامب مزيداً من المواقف المتراجعة، مثلاً قال إن الجانب الأميركي يولي أهمية لعلاقاته مع الصين، ولا يحمل أي عداء تجاهها، معرباً عن استعداد بلاده للتعاون مع الصين، قائلاً إنه يأمل في تحسين العلاقات بين البلدين، وكان رد شي إنه يتعين إيجاد حل مقبول للخلافات من خلال الحوار والتشاور على قدم المساواة، وأظهر ترامب توافقاً مع شي.
من ناحية أخرى، قال ترامب إن الخلافات بين الجانبين في مجالات مثل الاقتصاد والتجارة يمكن تسويتها، وإن الولايات المتحدة لن تضيف تعريفات جديدة على الواردات الصينية. وفي إطار تراجعات ترامب أعلن عن اتفاق مؤقت على مواصلة استئناف المشاورات الاقتصادية والتجارية بين بلديهما على أساس المساواة والاحترام المتبادل، لكن مثل هذه التوافقات المؤقتة لا تبعث دائماً بإشارات إيجابية.
من جانبه قال شي إن مبادرة الصين لبناء الحزام والطريق تهدف إلى تعبئة المزيد من الموارد، وإطلاق العنان للقوة الدافعة للنمو، وإدماج المزيد من الدول والمناطق في العولمة الاقتصادية. ويرى مدير كلية دراسات شرق آسيا بجامعة شيفيلد في بريطانيا هوجودوبسون، انه «حينما تولت الصين رئاسة مجموعة العشرين عام 2016، أثبتت أنها تنتقل من صاحب دور إلى صانع دور يسعى إلى تشكيل الأعراف الدولية بدلاً من الاستجابة لها فقط».
لقد شجع شي مجموعة الـ20 على مواجهة التحديات وإزالة اختناقات التنمية، والتشاور على أساس المساواة، وإدارة الخلافات وتوسيع التوافقات بموقف يتسم بالاحترام المتبادل.
وأوضح أن الصين تعتزم خفض المستوى العام للرسوم الجمركية، وإزالة الحواجز التجارية غير الجمركية. وقال إننا بحاجة إلى تيسير التنمية المتكاملة للاقتصاد الرقمي والاقتصاد الحقيقي، وإلى تعزيز بناء البنية الأساسية الرقمية.
أعرب الكثير من الزعماء، الذين حضروا القمة، عن قلقهم إزاء المخاطر الكبيرة الناجمة عن الأحادية والحمائية وتأثيرها على الاقتصاد العالمي والتجارة.
أخيراً، شهدت القمة مواجهات وتفاهمات على الاختلاف وتراجعاً في بعض مواقف ترامب، وكانت قمة الشركاء الأعداء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن