ثقافة وفن

صاحب العقيدة

| د. اسكندر لوقــا

قد لا يكون المرء متعلقاً بعقيدة ما، ولكنه إذا ما كانت لديه عقيدته التي تجسّد في ذاته إنسانيته على حقيقتها، فإنه يبدو أكثر وفاء لدوره في الحياة من صاحب عقيدة يظهرها في مناسبات ولا يظهرها في مناسبات.
طبقا لهذه القاعدة، فإن من يؤمن بأن في أعماقه يحيا الإنسان قبل أي شيء آخر يمارس دوره في الحياة من دون أخذ بالحسبان وجود أو عدم وجود رادع أو عائق أمامه من أي نوع كان ومن أي جهة كانت. إنه، على هذا النحو، يتجنب ارتكاب العمل الضار بالغير، من مستوى تغليب الأنانية في علاقته معه وصولاً إلى مستوى تغليب الإساءة إليه عمدا. وبهذا المعنى إذا ما واجه صاحب عقيدة كهذه حالة من النوع المسيء للغير كان له الموقف الذي يعبر من خلاله عن انتمائه إلى إنسانيته تحديدا وليس إلى أي نوع من أنواع العقائد أيا كان لونها أو مصدرها.
والموقف هنا لا يعني دائماً تصدي صاحبه للظلم بالفعل القابل له، إذ قد يكون عاجزا عن القيام بذلك، ولكنه عندما يكون قادرا على التعبير عن رفض الظلم بالكلمة أو اللحن أو الريشة ولا يتردد، فإن ذلك لا بد أن يندرج تحت عناوين خالدة تستحق الاحترام والتقدير على مدى الأيام، سواء تجسد الموقف قولا أو أغنية أو لوحة فنية.
إن أصحاب العقائد الخالية من الشوائب وخصوصاً في الزمن الراهن تقربهم عقائدهم من الحقيقة ولا تجعلهم يضلون الدرب بعيداً عن جعل حياتهم شعاراً نبيلاً، الشعار الذي من خلاله يمكنهم أن يؤكدوا حضورهم في الحياة خدمة للغير لا مجرد شعار مزيف عبر عقيدة يتاجرون بها أمام الغير في مناسبة دون سواها من المناسبات.
العقيدة بهذا المعنى تنم عن موقف، والموقف يعني المبدأ الذي لا يحيد عن أي حقيقة يؤمن بها صاحبها مهما تعرض للترغيب أو الترهيب حفاظا على وحدانية شخصيته بعيداً عن ازدواجيتها وما يتعداها أحياناً إلى حدّ الإصابة بالأمراض المتعددة التي غالبا ما يصاب بها صاحب العقيدة التي تراعي مناسبة وتتخطى سواها حسب ما تحقق له خطوته من مكاسب على اختلاف أنواعها ومصادرها بعيداً عن الحقيقة.
العقيدة، بهذا المعنى، التزام، وخطورتها عندما تكون في عهدة من يؤمن بها وسيلة لتحقيق مأرب غير معلن بعيد عن النظر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن