قضايا وآراء

ترامب بين شن الحرب أو التراجع خطوة

| تحسين الحلبي

ربما أصبح من المسلمات لدى معظم دول أوروبا أن هذه الدول لن تسمح للمرة الثالثة أن تتحول أراضي أوروبا في هذا القرن مسرحاً لحرب عالمية ثالثة بعد الحرب العالمية الأولى بين عامي 1914-1918 والحرب العالمية الثانية بين عامي 1939-1945 والأثمان الباهظة التي دفعتها في هاتين الحربين.
يبدو أن شعوب أوروبا ومعظم حكوماتها أدركت أن الولايات المتحدة كانت المستفيد الأكبر من الحربين ولا يهمها إذا ما نشبت حرب عالمية ثالثة ما دامت لن تقع في ساحتها الأميركية أو ساحتها المجاورة في أميركا اللاتينية وكندا.
ولذلك كانت فكرة الاتحاد بين دول أوروبا مشروعاً يتناسب مع الهدف بمنع الحروب بين الدول الأوروبية والساحة الأوروبية، وهذا ما عرقل عدداً مهماً من المصالح الأميركية والبريطانية بشكل خاص لأنها اختارت الخروج من الاتحاد وللارتباط الأوثق مع المصلحة الأميركية الإمبريالية ومصالحها في هذا القرن الجديد. فمع انتهاء الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن عملت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في التسعينيات وإدارة جورج بوش في 2001 على منع الدول الأوروبية الرئيسية من التقارب مع موسكو بعد انتهاء عهد الشيوعية، ورفضت أي مشاركة روسية في الأطر الأوروبية للتعاون بهدف إبقاء «الفزاعة الروسية» مبرراً لزيادة بيع الأسلحة الأميركية للدول الأوروبية وزيادة قوة حلف الأطلسي الذي لم يعد له مبرراً للبقاء بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وكتلته في أوروبا الشرقية وبعد التغيرات التي وقعت داخل أوروبا ووحدة الألمانيتين الشرقية والغربية، ولذلك يلاحظ الجميع أن سياسة الدول الأوروبية الرئيسية والقائدة في أوروبا مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا أصبحت تبتعد أكثر فأكثر عن السياسة الأميركية تجاه أوروبا رغم أن واشنطن كانت تدفعها وتضغط عليها للمشاركة في حروبها الجديدة التي جرت في عهد كلينتون داخل أوروبا في التسعينيات وفي عهد بوش الابن بعد عام 2001 في منطقة الشرق الأوسط وفي احتلال أفغانستان والعراق وتهديد إيران. ولكن عام 2015 شهد في واقع الأمر وكما أثبتت التطورات حتى الآن، وجود انقسام أوروبي أميركي واضح في موضوع الاتفاق النووي «5+1» مع طهران فها هي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تسعى الآن إلى تحويل انسحابها من هذا الاتفاق وعدم انصياع فرنسا وألمانيا وربما بريطانيا لموقفها إلى مبرر لحرب علنية مباشرة ضد إيران قد تؤدي إلى حرب تتورط فيها ساحة أوروبا كلها على غرار الحرب العالمية الثانية.
الدول الأوروبية تمسكت بالاتفاق مع روسيا والصين وأصبحت واشنطن ضد هذا الاتفاق الدولي وحدها، وفي ظل هذا الموقف الأميركي الأحادي غير المسبوق في الساحة الدولية، تواجه إدارة ترامب صعوبات بالغة أمام سعيها لتوجيه ضربة عسكرية محدودة أو شاملة ضد إيران وخاصة بعد أن أعلنت موسكو أنها لن تتوقف عن تقديم الدعم العسكري لإيران إذا ما بدأت واشنطن بشن أعمال عسكرية ضدها، وأمام افتراض كهذا لم تستطع أي دولة أوروبية الإعلان أنها ستقف إلى جانب واشنطن في حرب كهذه ولذلك تلجأ أوروبا في هذه الظروف إلى تكثيف جهودها لإطفاء فتيل حرب كهذه لأنها ستعرض المصالح التي أسستها مع طهران طوال العقدين الماضيين للضياع إضافة إلى المشاريع التي تتطلع إلى تنفيذها معها في المستقبل. فأوروبا ترى أن الإدارات الأميركية تسيطر على 90 بالمئة من المصالح في الشرق الأوسط ولا تسمح للدول الكبرى الأوروبية إلا بالحد الأدنى من المصالح الأوروبية وخاصة في دول الخليج العربية النفطية كما أنها لا تسمح لأوروبا باستغلال الفرص التي تظهر بين فترة وأخرى في دول مثل السودان وليبيا والجزائر، ففي ليبيا ما تزال فرنسا وإيطاليا تحاولان فرض مصالحهما لتجدا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعمل هو الآخر مع قطر على مشاركتهما في هذه المصالح.
في المقابل يرى الجنرال الإسرائيلي المتقاعد من قسم الأبحاث في هيئة الأركان الإسرائيلية شلومو بروم في آخر أبحاثه أن أي حرب أميركية على إيران لن تكون محدودة بقوة النيران ولا بمساحتها الجغرافية بل ستتسع لتشمل المنطقة كلها وأن أهم عامل في توسع هذه الحرب هو التحالف الروسي مع إيران وحاجة روسيا لقوة إيران الحليفة في المنطقة إلى جانب سورية، ويستنتج بالتالي أن روسيا من الطبيعي أن تعلن لواشنطن أنها لن تتوقف عن دعم إيران عسكرياً. وفي النهاية ستكون إيران وحلفاؤها في وضع مريح أكثر أمام حلفاء أميركا في منطقة الخليج بشكل خاص وفي الشرق الأوسط بشكل عام.. لكن هذه التقديرات لا تسرّ إسرائيل التي لا يهمها سوى إشعال كل المنطقة بالاعتماد فقط على القوى البشرية الأميركية وليس القوى البشرية الإسرائيلية، وهذا على ما يبدو الذي جعل إدارة ترامب تتراجع خطوة واحدة إلى الوراء عن خط الحرب المباشرة!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن