اقتصادالأخبار البارزة

مؤتمر الإسكان الأول..لإصلاح ما أفسدته الحرب … خميس: إذا انتهت الحرب غداً فنحن منتصرون وإذا استمرت فنحن مستعدون لجميع المتغيرات… الحكومة دفعت 400 مليار ليرة يسددها المكتتبون تقسيطاً على 25 عاماً

| صالح حميدي- هناء غانم

أطلقت الحكومة مؤتمرها الأول للإسكان يوم أمس، تحت شعار «الاستراتيجية الوطنية للإسكان»، وذلك من قصر الأمويين للمؤتمرات بحضور حكومي رفيع المستوى وممثلين عن الفعاليات الاقتصادية.
رئيس مجلس الوزراء عماد خميس قال في كلمته أثناء افتتاح المؤتمر «إننا اليوم أمام مرحلة جديدة من البناء وإعادة الإعمار، تستند إلى أسس علمية وعملية، تلبي احتياجات المواطن، وتحقق المصلحة الوطنية العليا». وأوضح أن هذه الاستراتيجية تدعو مختلف الجهات والمؤسسات العامة والخاصة للمشاركة في مرحلة الإعداد والإقرار، وفي مرحلة التنفيذ، لأن مصلحة البلاد تفرض اليوم وجود بوصلة من شأنها ضبط وتوجيه مختلف مشروعات الإسكان لتتكامل مع بعضها البعض، فالعشوائية والفوضى تتسببان بتجميد مليارات الليرات دون جدوى، وحدوث حالات من اختلال العرض والطلب على المساكن بين منطقة وأخرى.

وبين أنه بالتوازي مع استعادة الدولة السيطرة على مناطق واسعة من البلاد توجهت الحكومة إلى تحليل الواقع الراهن والبناء على معطياته ونتائجه لوضع استراتيجية وطنية متكاملة تؤهل البلاد للدخول بثبات وفق رؤى علمية في مرحلة إعادة الإعمار وقال: «إذا انتهت الحرب غداً فنحن منتصرون وإذا استمرت فنحن مستعدون لجميع المتغيرات».
وأضاف: «تبنت الحكومة خلال الفترة الماضية مجموعة من السياسات الكلية والخطوات الإجرائية، التي من شأنها معالجة الإشكاليات والصعوبات ذات البعد الآني، والتأسيس لمرحلة مستقبلية يكون فيها اقتصادنا أكثر مقاومة وصموداً»، لافتاً إلى أن «عملية الاستنهاض التي نتحدث عنها عبارة عن مشروع استراتيجي متكامل، يتكون من ثلاث ركائز أساسية، أولاها العمل على إعادة دوران عجلة الإنتاج الوطني، وهذه كانت أولوية حكومية بالنظر إلى كونها تمثل أولى بشائر تعافي الاقتصاد الوطني».
وتابع القول: «والركيزة الثانية تمثلت في إعادة تخديم المناطق المحررة وإصلاح المرافق الخدمية والبنى التحتية لضمان عودة المهجرين إلى مناطقهم وقراهم تأكيداً على التزام الدولة بمسؤولياتها وواجباتها تجاه مواطنيها، أما الركيزة الثالثة، فكانت في العمل على تهيئة الأرضية المناسبة لإطلاق عملية الإعمار والبناء في إطار سورية ما بعد الحرب».
ولفت إلى أن الحكومة عملت بالتعاون مع مختلف الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية على عشرات الملفات الحيوية، ويمكن القول إنها كانت مقبولة وتسير بشكل مرض رغم أن طموحنا يتعدى ما تحقق.

وأضاف رئيس الحكومة: «رغم ظروف الحرب القاسية، من تراجع في إيرادات خزينة الدولة إلى زيادة أعباء الإنفاق العام، والعقوبات الخارجية الظالمة، فإن الدولة السورية لم تتوان عن الاستمرار في القيام بمهامها ومسؤولياتها الاجتماعية تجاه مواطنيها، في جميع المجالات والقطاعات، ومن بينها قطاع الإسكان، الذي استحوذ على اهتمام خاص من قبل الحكومة، وهذا ما تظهره المؤشرات الكثيرة التي ذخر بها هذا القطاع خلال السنوات الماضية، فمثلاً في مجال تشييد المساكن الاجتماعية، تم خلال سنوات الحرب تشييد نحو 40 ألف شقة سكنية بكلفة إجمالية تبلغ نحو 400 مليار ليرة، تدفعها الدولة كاملة عند التنفيذ والإكساء، ويسددها المكتتبون تقسيطاً على فترات زمنية تصل إلى 25 عاماً».

ونوّه بأن خطة الحكومة المعلنة اليوم تتضمن تشييد 100 ألف وحدة سكنية في مختلف المحافظات، وقد تم هذا العام فتح باب الاكتتاب على نحو 12 ألف وحدة سكنية، لافتاً إلى أن الحكومة عملت في سياق خطتها لدعم قطاع الإسكان ومساعدة المواطنين المتضررين من الأعمال الإرهابية على إعادة ترميم ما دمرته الحرب في مشروعات السكن الاجتماعي، وقال «هنا، تشير نتائج أعمال المؤسسات الحكومية المعنية إلى أنه تم الانتهاء من ترميم ما يقرب من 4 آلاف مسكن، في حين لا تزال الأعمال مستمرة للترميم..وهناك دراسة لمشروعات أخرى مع كل منطقة تحرر من براثن الإرهاب والقتل والتخريب».
وتحدث رئيس الحكومة عن مراجعة واقع مشروعات مناطق التطوير العقاري والشركات المرخصة، بالنظر إلى كونها تشكل رديفاً مهماً لجهود مؤسسات الإسكان العامة في تلبية الطلب على السكن لمختلف الشرائح الاجتماعية، وخاصة أن هناك اشتراطات واضحة على عمل شركات التطوير العقاري تقضي بتخصيص جزء مهم من مشروعاتها وضواحيها العقارية للسكن الاجتماعي، بحيث تبقى الفرصة قائمة أمام أصحاب المدخرات والدخول القليلة للحصول على مسكن ملائم ومناسب.

المسكن حق أساسي

وزير الإسكان سهيل عبد اللطيف أكد أن المسكن من الحقوق الأساسية التي من الواجب توفرها للتواجد الإنساني ولاستمرارية الحياة، لافتاً إلى تعدد الشرائح المستهدفة في قطاع الإسكان، ومدى ضرورة توزيع الأدوار وأهمية تضافر الجهود لتنسيق العمل والمساهمة في تأمين المسكن.
وأضاف: «إن المشروعات التنموية التي يرتبط بها السكن يجب أن تكون متكاملة على المستويين الإستراتيجي والمحلي، ومن هنا تأتي أهمية التخطيط بمستوياته، وأولوية تطوير أساليب تنظيم التجمعات العمرانية وبنائها وإدارتها على أسس تخطيطية إقليمية صحيحة، تستند إلى الاستثمار الأمثل للفرص التنموية، إضافة إلى تأمين خدماتها والبنى التحتية اللازمة».
وتابع القول: «إن المشاركة من مختصين ومجتمع أهلي مع الجهات الحكومية وجهات القطاع الخاص والتعاوني هي المنطلق والمساعد الإنساني لوضع إستراتيجية وطنية، تقودنا إلى تسهيل وتيسير حصول الأسرة على مسكن ملائم ومطابق للمواصفات الصحية والهندسية والبيئية والأمنية، ويتوافق مع الدخل والإمكانيات، ويرتبط بفرص العمل التي تعتمدها خطط التنمية، فمقترحات وحلول موضوع الإسكان لا تقتصر على جهة حكومية محددة بل تعتمد على المشاركة المسؤولة للجهات المعنية المتكاملة».
وأكد الوزير عبد اللطيف أن هذه الشمولية وهذا التكامل لطبيعة عمل هذا القطاع يتطلبان وجود إستراتيجية إسكانية شاملة ومتكاملة يتم اعتمادها كأحد المشروعات التي تنفذها الحكومة الحالية بما ينسجم مع مضمون «تقرير سورية ما بعد الحرب» لضمان إنجاز العمل على درجة عالية من التنسيق بين الجهات المختصة.

تعويض الأضرار

تناولت الجلسة الأولى من المؤتمر تأمين الأرض انطلاقاً من بيانات واقعية وتوزيع إقليمي سليم، وقد تحدث فيها مدير المكتب المركزي للإحصاء إحسان عامر مؤكداً صعوبة إنجاز التعداد العام للسكان والسكن، وأن المكتب بانتظار الظروف الملائمة لإنجاز التعداد، وفي حال توفرت يمكن إجراء تعداد مستقل لكل منطقة.
وكشف عن توفر نسب للتعداد السكاني والسكني، إلا أنها لم تعتمد من قبل وزارة الإدارة المحلية والبيئة، هنا، تدخل وزير الإدارة المحلية والبيئة حسين مخلوف موضحاً موقف الوزارة من مسألة التعداد العام، بأن لجنة التعويض عن الأضرار يمكن أن تقدم بعض الأرقام والبيانات التأشيرية عن المساكن المتضررة، يمكن الاستئناس بها، مشيراً إلى تسجيل 201 ألف طلب تعويض أضرار، وهي في جزء مهم منها أضرار جزئية وليست متضررة بالكامل.
ووصف مخلوف هذه الأرقام بالعينات التي يمكن القياس عليها عند إعداد عمليات الإحصاء والجرد للمباني، وبين أن الوزارة بالرغم من ذلك لم تتلق طلبات عن كل المناطق في سورية، حتى ضمن المناطق المحررة، حيث هناك أعداد كبيرة من المالكين وأصحاب المنازل والعقارات والشاغلين بمختلف أنواعهم خارج سورية، لافتاً إلى اعتماد نماذج إحصائية في كافة الوحدات الإدارية لتوفير بيانات المساكن المتضررة لصانع القرار.

من جانبها، تحدثت رئيسة هيئة التخطيط الإقليمي ماري التلي عن التخطيط الإقليمي ودوره في قطاع الإسكان، مشيرةً إلى إنجاز الخريطة الوطنية للإسكان، وهي ستكون أحد محاور المؤتمر ومخرجاته.
وأشارت التلي إلى إعداد الإطار الوطني للإسكان، إذ تم إنهاء مسودتها في عام 2013، ولم تعتمد ولم تصدق، وفي العام 2019 تم إعداد وثيقة التوجهات ريثما يصدر الإطار الوطني للإسكان كموجه مكاني للعمل.
وبيّنت أن الوثيقة تنتهج برامج تنفيذية لإعداد الخريطة الوطنية للسكن والإسكان، وقد باشرت الهيئة بتحديث الإطار الوطني للتخطيط الإقليمي والخريطة الوطنية للإسكان، وإنجاز جزء كبير منها كمرحلة انتقالية.
بدوره، تحدث معاون وزير الإدارة المحلية والبيئة لؤي خريطة عن قدرة المناطق الصناعية على توفير مساكن للعاملين فيها، وأشار إلى إنجاز نسبة 95 بالمئة من عمليات التحديد والتحرير للعقارات في سورية.

وخلال النقاشات، دعا محافظ حمص طلال البرازي إلى خلق مناطق سكنية بين المناطق المتباعدة في كافة محاور المدن والمحافظات لتكون صلة وصل فيما بينها، وتتحول لمراكز نمو واستقطاب، وتجمعات سكنية تخفف الضغط عن المدن السورية.
وبيّن أن مشروع «ماروتا ستي» -على سبيل المثال- يستهدف 2 بالمئة من السكان، وهي تصنف سكناً راقياً، «فأين المشروعات التي تستهدف الشريحة الشعبية والمساكن الاقتصادية أو السكن الحديث؟».
كما تساءل عن مدى توفر الإحصائيات حول الحاجة للمساكن والمستفيدين، وما نسبة السكن الاجتماعي من المساكن التي تطرح عبر مشروعات القطاع الخاص ومشروعات التطوير العقاري؟، مشيراً إلى عدم توفر إحصائيات ولا أرقام ولا معطيات في خطة الدولة توضح المسألة الإسكانية.

التمويل

خصصت الجلسة الثانية للحديث عن تمويل السكن وتقنيات تنفيذه والتشريعات الناظمة ورؤية القطاع الخاص، كشفت فيها معاونة وزير الأشغال العامة والإسكان راما الظاهر عن إمكانية توفير 700 ألف شقة من خلال تنفيذ المخططات التنظيمية ووضعها موضع التنفيذ ضمن مدن مراكز المحافظات والمخططات التنظيمية المصدقة في مختلف المحافظات السورية.
أما رئيس الاتحاد العام للتعاون السكني زياد سكر فتحدث عن أزمة سكن حقيقية، فالتقديرات تشير إلى أن الحاجة للمساكن تتراوح بين 1.2 مليون مسكن إلى 1.8 مليون.
أما وزير الإدارة المحلية حسين مخلوف، فكشف عن إمكانية بناء 60 ألف وحدة سكنية في عدرا الصناعية ومثلها في حسيا الصناعية.

وجواباً عن بعض التساؤلات عن «ماروتا ستي» أوضح أن المشروع ليس حلاً لمشكلة مشروع إسكاني اجتماعي، بل يعد حلاً لمناطق مخالفات وعشوائيات، وهو مشروع تنموي بحسب رؤية كل محافظة لمثل هذه المشروعات، «نحن نحترم رؤيتها، إذ اعتمدت ماروتا كمدينة أعمال ومصارف وتتضمن حلولاً لمشكلة القاطنين مع سكن بديل».
إياس الدايري مدير المؤسسة العامة للإسكان الأسبق لفت إلى الفارق بين الطلب النظري وبين المعروض والاحتياج، وبين الطلب الحقيقي المقترن بالقدرة على الشراء، داعياً إلى دعم قدرة المواطن على تأمين قيمة المسكن والشراء والإجار والتقسيط.

وأشار إلى أن 90 بالمئة من مساكننا بمواصفات متدنية، ومساحات صغيرة وهي عبء مستقبلاً، وبيّن أن الأهم اليوم هو اعتماد سياسة دعم تمويل القدرة على الشراء وبكلف مقبولة.
من جانبه، لفت الاستشاري علي الأحمد إلى وجود حجم رأس مال هائل، لكنه مجمّد، ولا علاقة له بوزارة الإسكان، إنما يرتبط بالسياسات والتشريعات الضريبية، داعياً إلى تغيير الذهنية المعيارية للسكن العشوائي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن