ثقافة وفن

في المعارض الخارجية هناك من يسأل عن أصالة الفنان … لجينة الأصيل لـ«الوطـن»: كي يمّثل الفنان عقل الطفل عليه أن يمتلك الثقة بنفسه ويفكر بجذوره

| سوسن صيداوي - ت: طارق السعدوني

كما الموسيقى تفعل فعلها في الهدهدة للطفل كي ينام، كذلك الصورة واللون مع سرد الحكاية، لها فعلها القوي بالتأثير في إطلاق الخيال وتفتيح المدراك مع شعور الإثارة بالفرح واللهو اكتساب المعلومة بحضور الأهل قرب طفلهم في جو عامر من الأمان والمرح مع كل الفائدة. هذا الجو لا يكلّف الأهل إلا بضع دقائق، ولكن هذه الدقائق هي ما يقع عليها الرهان في بناء شخصية طفلنا وتطويرها وتنميتها كي يواكب مسيرته بالحياة ويتحدى الصعاب ويتجاوز كل المراحل، لينجح كما هو الأمل فيه ويبني، لأن هذا واجبه في المستقبل. هذا العالم عالم الأطفال صعب ومعقد ومن يدخل إليه بالكلمة واللحن وأخيراً بالريشة والألوان يجب أن يحافظ على طفولته كي يشاغب معها في استحضار ما يحتاجه -الطفل- وما يشدّه ويأسر تفكيره واهتمامه. ولأنّ الطفل السوري من الأولويات وهو مشروع وطني يجب العمل والتشبيك لأجله على كل الصعد والمستويات الوزارية، حيث تقيم وزارة الثقافة وتتابع اهتمامها عبر مديرية الطفل بكل النشاطات والمساهمات الفاعلة والضرورية لبناء طفلنا، وأخيراً برعايتها الكريمة تمّ افتتاح معرض نتاج أعمال الفنانين المشاركين في ورشة عمل «كيف نرسم كتابا للطفل» بإشراف الفنانة التشكيلية لجينة الأصيل، وعن أهمية هذا المجال سنقف مع آراء ومشاركات وسنورد لكم المزيد.

لجينة الأصيل
في البداية حدثتنا الفنانة التشكيلية لجينة الأصيل وهي المشرفة بالورشة عن المفاتيح التي يجب أن يتملّكها الفنان لينجح في الرسم للأطفال والتأثير فيهم، فتقول: «كي يتمكن الفنان من تمثيل عقل الطفل عليه أن يفكر أولا -وبعمق كبير- في جذوره، وأن يمتلك الثقة بنفسه، ومن بعدها سيكون الأمر أسهل عليه في تطوير مهاراته، وبالتالي كلما سعى إلى أن يقدم أعمالا مشغولة بشغف وحب كبيرين، سيصل شعوره للمتلقي. وهنا لابد لي من القول- ولن أذهب بعيداً- وسأتحدث عن تجاربي في مشواري، بالمشاركة في المعارض الخارجية العربية أو الأجنبية، هناك دائماً من يسأل عن أصالة وانتماء الفنان، بمعنى فنه وإبداعه إلى أي وطن ينتمي، ويسأل عن هويته ومكان ولادته ونشأته وحياته، لأن لوحته تعبر بالنتيجة عن نمط حياته، إذاً هذا الأمر على التحديد هو ما سيحدّ من معاناة طفلنا أمام ضغوطات العولمة ومن منافستها وزحامها، وستتمكن لوحة الطفل من الصمود حتى أمام موجات التقليد والنظر إلى الغربيين بأنهم هم الوجهة التي يجب أن نتّبعها. عندما تجتمع كل تلك الأمور التي ذكرتها سنكون قادرين على الحد من التأثير سلبا على طفلنا، وسنعود إلى عمق أثر اللوحة التي ستكون حينها قادرة على استحواذ اهتمامه والتأثير به انطلاقا من الدور الإيجابي الكبير الذي تلعبه القصص المصورة والمجلات في خيال الطفل، والخصوصية بالعلاقة معه والتي تربطه وخاصة في وقت ما قبل النوم، وأيضاً الأهل لهم علاقة بهذا الموضوع وبطريقة تنمية هذه العلاقة وتمتينها».
وعن تفوق الغرب في الاهتمام بعالم الطفل وبذل الجهود لخلق كل ما يلزم لتحسين مزاجه وتربيته بطريقة أفضل وتتماشى مع التطور، كي يكون هذا المخلوق الصغير قادرا على بناء المستقبل، تضيف الأصيل «لا يمكن مقارنة اهتماماتنا المبذولة بالجهود الكبيرة والمساعي لدى الغرب بهذا المجال، الأخير الذي لدينا أخذ بالنمو والتطور السريع منذ عشرين عاما، لكننا لا نستطيع اللحاق بهم بسرعة، لأننا يجب أن نهتم ليس فقط بتطوير هذا الفن وبالفنانين، بل أيضاً علينا الاهتمام بالكتّاب والمؤلفين، كي يتاح لهذا الفكر نوع من الحرية، فمثلا ليس على الكاتب أن يفرض على الطفل ما يجب على طفلنا الامتثال له، بمعنى أن الكاتب يقدم للأطفال نصوصا تربوية، ولكن في الحقيقة التلقين سيقتل الخيال والإبداع الذي عرفه أجدادنا ونحن نسيناه، فأوروبا أخذت من خيالانا ونحن لم نعد مهتمين بالأخير، وللأسف نحن ذاهبون إلى التقويم التربوي. إذاً الغربيون سبّاقون بهذا المجال وتجاوزونا، ونحن نحتاج إلى الوقت الطويل كي نلحق بهم، وخاصة أنني أؤكد أننا نشكك بأصالتنا وهويتنا».
أما عن تقييم الفنانة التشكيلية لجينة الأصيل للورشة وللأعمال التي قدمتها المشاركات، علما أن الباب كان مفتوحا للشباب والشابات، ولكن الأوضاع هي التي حصرت الوجود بالشابات فقط فقد «كان عدد الطالبات المشاركات في الورشة اثنتين وعشرين، وطلبنا منهنّ أربع لوحات مختلفة المواضيع، وعملنا على أكثر من خمسة عشر لونا. المشاركات عملنّ بحب كبير، ولقد فوجئت بحجم الشغف بإبداعهن، ومنهنّ من ستكون لها بصمة في عالم لوحات الأطفال بل هن قادرات على تحقيق الاختلاف بالأفضل الذي في داخلهم، وأخيراً أحب أن أقول للفنانات المشاركات، علينا أن نؤمن بإبداعنا وأن نتمسك بالصبر وببذل العطاء الكبير الممزوج بالحب لأطفالنا مع ثقتنا بموروثنا وهويتنا».

رباب أحمد
من جانبها أكدت رباب أحمد مديرة المركز الثقافي في أبو رمانة، أهمية الدور الثقافي الذي يقوم به المركز بشكل دائم وطوال أيام السنة في بناء الطفل من حيث المدارك والاستيعاب وتنمية الآفاق الفكرية له لكونه لبنة المستقبل «لابد لي من القول إن الطفل هو الركيزة الأساسية لمستقبل سورية القادم، لهذا من واجبنا الاهتمام بالأطفال الذين عاصروا الحرب على سورية بشكل خاص، أو الأطفال الذين يعانون شروخا عائلية بشكل عام. وهذا المعرض حقيقة هو من أهم المعارض التشكيلية لكونه يدرس الوسائل البصرية للارتقاء بالذائقة البصرية للطفل بأسلوب محبب وجذاب، حيث يتكامل مع مضمون القصة أو المجلة أو أي مضمون أدبي، وبالطبع لابد من الإشارة إلى أن الطفل يتلقى المواد بصرياً وهو بمنتهى الذكاء وشديد الملاحظة، فعندما ينتقي قصة أو كتاباً ما، أول ما يشدّه هو الغلاف وبالتالي هنا استحوذ الفنان واستقطب اهتمام الطفل. إذاً جداً مهم دراسة وسيلة التواصل مع الطفل وهي من السهل الممتنع، ولكن كادر الورشة هو كادر مهم ومحترف وعلى الخصوص الأستاذة لجنية الأصيل، التي هي رائدة بهذا المجال وتخصصت به على الرغم من إمكانياتها الرائعة باللوحة التشكيلية».
وفي ختام الحديث أشارت مديرة المركز الثقافي في أبو رمانة إلى الدور الجدّي الذي يقدمه المركز في دعم ثقافة الأطفال وتطوير ذائقتهم البصرية وحتى السمعية، من خلال الحصص الموسيقية أو التشكيلية المجانية التي تقدم أسبوعيا، إضافة إلى النشاطات المستمرة على مدار العام، بتقديم المعارض الخاصة بالأطفال والتي هم أيضاً مشاركون بها.

غادة حداد
في حين أخبرتنا غادة حداد الفنانة التشكيلية عن مشاركتها في الورشة مشيرة إلى متعتها الكبيرة في التعامل مع الطفل، مع تأكيد ضرورة عدم السيطرة على الطفل بل منحه مساحة من الحرية كي ينطلق بخياله ويبدع خلال نشأته ونموه «في هذا الزمن هناك تحدّ كبير من أجل الأطفال ومعهم، ولابد لي من الإشارة إلى أن هذه الورشة هي الورشة الثانية التي أشارك بها مع وزارة ثقافة الطفل ومع الأستاذة لجينة الأصيل، وأنا منذ عام 2012 أعلّم الأطفال في مرسمي الخاص، الرسم والأعمال اليديوية، وهنا التحدي الأكبر بأن نسعى لشدّ الطفل للعمل معنا، والأصعب بأن نصبح بمستوى تفكير الأطفال كي يكونوا معنا، وعلينا أن نقترب منهم ونقنعهم كي يقتربوا منا بعيداً عن المغريات الأخرى من عصرنة وتكنولوجيا مع احترام روحه وتفكيره وبراءته، في علاقتي مع الأطفال ليس هناك حدود لعطاء، والطفل الموهوب ملكته تظهر مع الوقت مع احترام رغبته». وعن مشاركتها تضيف إنها قامت بإحدى اللوحات بتحوير السنجاب لكونه من الحيوانات النشطة والتي اشتغلت عليها كرتونيا بشكل كبير، كما قامت بتحوير بعض القصائد التي قدمها أبناء الشهداء، من خلال تحوير الكلمات إلى لوحة صوّرت فيها طفلا يحكي عن بلده.

عدوية ديوب
بينما حدثتنا الفنانة التشكيلية عدوية ديوب عن مشاركتها في الورشة وهي حاصلة على ماجستير فنون جميلة اختصاص غرافيك من أوكرانيا، فتقول «عملت على تحوير الحصان كي يكون قريبا من الواقع ومن ثم كي يتماشى مع الكرتون، واخترته بالذات لما يعني من أصالة. اعتمدت على تقنية الحفر، وبالتالي هناك عدد من الطبقات التي شكلت سماكات واعتمدت على الخط بالدرجة الأولى، على حين الموضوع الثاني اعتمد في تقنيته على طرح اللون الأسود، وهذا الأمر بحد ذاته تحدّ، فالأطفال معتادون على الألوان الزاهية. وبالتالي غامرت وتحديت نفسي من خلال هذا العمل لما فيه من مراعاة للون الداكن مع درجة الضوء وحساسية الموضوع. وأخيراً أنا أرى أنني كي أكون قادرة على إقناع الطفل يجب أن يقنع عملي نفسي أولا، ومن خلاله دفعهم إلى الخيال والتأمل ونرفع من ذائقة الأطفال البصرية وندفعهم باتجاه القيم والانتماء وحب العمل والإنسان».

سهيلة قباني
وأيضاً من الشابات المشاركات في الورشة توقفنا مع سهيلة قباني الحاصلة على إجازة في الاقتصاد من جامعة دمشق ودرست الرسم في معهد أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية، والتي قالت: «منذ أن كنت طفلة صغيرة وأنا أحب الرسم، وعلى الرغم من أنني درست الاقتصاد إلا أنني استمتع كثيراً بالرسم والألوان. برأيي عندما يكون المرء محوّطاً بالبراءة وفرح الأطفال فهو قادر على التطور في الرسم، وفي الورشة أحببت أن اختص بهذا النوع من الرسم الذي لم أتعلمه بمكان أخر، وسوف أختص به وعندي أمل أن تنشر أعمالي ولوحاتي في كتب الأطفال وجميع مطبوعاتهم».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن