من دفتر الوطن

شجرة العروس!

| عصام داري

منذ سنوات زرت تونس لأول مرة، واكتشفت لماذا تعتبر من الدول السياحية بامتياز، ولماذا هي قريبة من سورية في أشياء كثيرة بما فيها التراث الموسيقي والغنائي الراقي، فالقدود الحلبية تشبه إلى حد كبير موسيقا الملوف التي تشتهر بها تونس والجزائر والمغرب.
فهناك علاقات تاريخية بين مشرق الوطن العربي، وسورية على وجه التحديد، وبين دول المغرب العربي، وتونس أيضاً على وجه التحديد، فشخصية «حنا بعل» التاريخية هي نفسها شخصية هاني بعل الفينيقي الذي احتل معظم إيطاليا وحاصر روما لخمسة عشر عاماً.
هناك حدثوني عن أشياء طريفة لها بهذا التقارب، ولا يتوقف الأمر عند التقارب الروحي والحضاري بل يتعدى ذلك إلى أمور حياتية من بينها التجارة التي ربطت سورية عبر التاريخ مع تونس، ومن تلك الأشياء الطريفة أن الأشقاء «التوانسة» يطلقون على القميص الذي يرتديه الرجال تسمية «سورية» كناية عن أنه جاء بالأصل من سورية.
في تونس العاصمة حديقة عامة مترامية الأطراف، حتى إن هناك طريقاً تمر به السيارات، وداخل هذه الحديقة توجد حديقة حيوان تضم العديد من الحيوانات المختلفة والطيور وسوى ذلك.
خلال مروري بهذه الحديقة شاهدت شجرة ضخمة جداً فطلبت من السائق التوقف، وترجلت كي أرى هذه الشجرة العملاقة، وكانت شجرة لنبات «الكوشوكة» التي نعرفها كنباتات زينة في منازلنا، ونربيها «كل شبر بندر» كما يقال.
وكان عامل الحديقة، أو«الجنيناتي» قريباً مني فسألته عن هذه الشجرة الجميلة فقال لي إن عمرها يزيد على ستمئة وخمسين سنة! وقمت بالتقاط الصور للشجرة لكن الكاميرا لم تستطع التقاط صورة كاملة بسبب ارتفاع الشجرة فاكتفيت بما أعطتني الصورة، لكنني انشغلت بقضية الحفاظ على شجرة لسنوات طويلة زادت عن ستمئة عام.
عقب عودتي قمت بجولة في ريف دمشق الشمالي شملت صيدنايا ومعلولا وعين التينة، ومعروف أن أهل معلولا يتحدثون حتى اليوم اللغة الآرامية التي تحدث فيها السيد المسيح.
تذكرت الشجرة في الحديقة العامة في تونس، فتعمدت في طريق العودة المرور في قرية عين التينة، وهي قرية مجاورة لمعلولا، لأنني كنت أسمع عن شجرة فستق حلبي معمرة في تلك القرية يطلقون عليها اسم «شجرة العروس» ذلك أن الأعراس في هذه القرية لا تكتمل إن لم تمر العروس من تجويفها نظراً لضخامتها، وكانوا يقولون إن عمر الشجرة أكثر من ألفي عام.
سألت بعض الفتيان عن شجرة العروس ولم أحظ منهم إلا بأجوبة هي أقرب إلى السخرية منها إلى الاستغراب، حتى أشار أحد الفتيان إلى رجل مسن، فسألته فقال لي: هوهو، إذا كنت ترغب برؤية ما تبقى من شجرة العروس فعليك أن تترجل وتسير إلى هناك (وأشار إلى مكان بعيد نحو مئتي متر في الحقل) هناك تجد بعض الخشب المحروق هو كل ما تبقى من الشجرة!
حزنت، وقارنت مباشرة بيننا وبين تونس، والمشكلة ليس في الشجرة، بل في فلسفة الحياة عندما نهتم بالتاريخ والجغرافيا، بالشجر والبشر نصون عناوين الحياة والرقي، وعندما نهملها ندق مسماراً في نعش حضارة تحتضر!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن