ثقافة وفن

«جوري» الطفولة في الحرب السورية … يزن أنزور لـ«الوطن»: حرصت على التقاط أرواح الأماكن التي دمرت وجسدتها في هذا الفيلم

| سارة سلامة- تصوير: طارق السعدوني

في خضم حرب ودمار نجد فتاة صغيرة بشعر أحمر ووجه ملائكي تطفو بسطح مدينة عائمة في المجهول تتلقفها الأهوال في حالة تشرد وضياع وحيدة هي بآمالها وأفكارها، تتقاذفها الأمواج لتخسر براءة طفولة وتفقد لعبة سنينها وتذهب إلى المجهول.
من قلب الحرب تولد لتنثر الجوري في كل مكان يدل على الإرهاب ليست هي بحاجة إلى الكثير من الجهد بل عدة وردات من الجوري تسد بها كل ذلك القبح.
تملك قوة شخصية لا تهاب مسلحاً هي بكل ملامحها تسدي برسائل عالمية أن الشعب السوري صامد وحيّ ويولد مجدداً من قلب الظلمات لا لشيء إنما لإيمانه المطلق بسوريته وبلده المتوارث الحضارات.
تعد خطواتها بحذر إلى أن تطمئنها حمامة سلام وتبشرها بنصر وفرج قريب، كانت قد اكتشفته من خلال مصباح أهداها إلى الحلّ ورأت من خلاله كصندوق الدنيا كل ما تحب من أهل وجيران. ها هي الآن بسلام تودع جرذها وتعود إلى حضن أبويها بقدرة مصباح.

حيث أطلقت المؤسسة العامة للسينما فيلم (جوري) سيناريو وإخراج يزن أنزور. بطولة كل من (الفنان اللبناني بيير داغر والفنانة روبين عيسى، والبطلة الطفلة شهد الزلق، ومحمد نظام رعد، مجد الزند، أحمد حبش، علي إبراهيم). وذلك في دار الأسد للثقافة والفنون. في حكاية عن فتاة صغيرة تعرضت مدينتها لإبادة جماعية من جماعات مسلحة مجهولة وبقيت وحدها في مواجهة هذه الجماعات، محاكياً الطفولة المشردة وأزمة العائلات السورية بأسلوب جديد ومؤثرات خاصة.

نجدة أنزور: جئت اليوم بحيادية مطلقة ويجب أن يعطى الشباب فرصاً حقيقية ليرفعوا مستوى الإنتاج السينمائي

 

التقطت أرواح الأماكن

وفي تصريح خاص لـ« الوطن» قال المخرج يزن أنزور: «كتبت الفيلم منذ 4 سنوات، أي أثناء الحرب التي عاشتها سورية في كل منطقة، لأن الأزمة التي عشناها هي عالمية وليست فقط محلية، وحرصت على التقاط أرواح الأماكن التي دمرت وجسدتها في هذا الفيلم أنا وفريق العمل، كي تصل إلى الجمهور».
وبالنسبة لاختيار الممثلين بين يزن: «عملت على اختيار ممثلين يتمتعون بكاريزما وحضور قوي وأداء فائق، واستعنت بالفنان اللبناني بيير داغر الذي كان موجوداً في سورية، وطلبت منه المشاركة ففعل بكل رحابة صدر، بأداء يحمل اللهجة السورية وليس اللبنانية، أي لم يكن المقصود تدويل العمل ولكنه ولو دوّل فهو رسالة عالمية أي لا يمكن أن تتعرض الطفولة لأصعب مما تعرضت له في سورية على مستوى العالم».
وعن التوجه للطفولة بين يزن: «توجهت للطفل السوري الذي عانى معاناة كبيرة في حرب ودمار وإبادة جماعية وذهبت آماله وطموحاته وأسرته وعانى الخوف عند سماع أصوات الانفجارات والصواريخ والقتل والرصاص ويجب أن نركز على هذه الحساسية العالية».
وعن رأي والده المخرج نجدة أنزور في الفيلم قال يزن: «حقيقة أخاف أكثر شيء من شهادة والدي، وكان رأيه إيجابياً وأخبرني أن العمل يحمل مستوى عالياً وأنني من خلال هذا الفيلم تحديداً قدمت الكثير».
وعن مشاريعه القادمة كشف يزن: «أحضر لمسلسلات وأفلام وسينما طويلة سواء كانت مع مؤسسة السينما أم خارجها لأننا يجب أن نعمل على السينما التجارية، وبالنسبة لي أحب كل أنواع السينما ولا أفضل نوعاً واحداً فقط وقدمت بـ«تاتش» نوعاً مختلفاً جداً وعملت بـ«الله معنا» نوعاً آخر، لذلك من غير المستبعد أن أدخل بالكوميديا والأكشن، المهم أن يكون هناك عمود فقري للعمل وفكرة جوهرية للنص نحبكها بشكل صحيح».

رسالة إنسانية
بينما بينت الفنانة روبين عيسى إن: «شخصيتي هي الأم وهي تحكي عن حياة طفلة تعيش صراع البقاء بمنطقة مدمرة احتلها الإرهابيون، والفيلم يحمل رسالة إنسانية وعاطفية كبيرة وفيه تشويق عال وشيء من الخيال، ويحكي عن أزمة العائلات السورية والأطفال تحديداً خلال الحرب».
وأضافت عيسى: «عندما قرأت النص واجتمعت مع المخرج يزن وافقت فوراً على المشاركة، فهو شيء مهم أن يكون لي صوت في هذا الموضوع والطرح، لأننا عشنا في سورية جميعاً مرارة الحرب ولو لم تكن بشكلها المباشر».
وأوضحت عيسى أنها: «التجربة الأولى مع المخرج يزن أنزور، وفي الحقيقة لدينا شريحة كبيرة من الشباب الذين يملكون ويدرسون وأصحاب مشروع، وخاصة أن يزن مخرج صديق للممثل ومتعاون ومرن، وأي سؤال ممكن أن يخطر لي أثناء التصوير فجوابه موجود وأي اقتراح ممكن أن يخطر على بالنا يقبله إذا كان في مصلحة الشخصية وفي مصلحة الفيلم، وسأكون سعيدة إذا كررت التجربة معه، وما دمنا نملك هذا الشباب المثقف والواعي الذي يعمل الكثير من الأشياء المهمة، سنبقى بخير».

أشجع كل الشباب
ومن جهته بين المخرج نجدة أنزور: «جئت اليوم بحيادية مطلقة لأشجع كل الشباب سواء يزن أم غيره، ليرتقوا بالسينما السورية إلى مصاف عالمية، فرسالتنا إلى العالم هي عبر السينما وليس التلفزيون لأن تلفزيونا محاصر والخناق يضيق عليه وعلى توزيع الأعمال، وللأسف فإن هناك الكثير من الأعمال التي تذهب باتجاه تجاري، ويجب أن تبقى السينما محملة ومشحونة بعبارات ومقولات وطنية وإنسانية لأننا كلما اهتممنا بها وهذبناها وشحناها ارتقينا بها وكانت لدينا فرصة للمشاركة في مهرجانات عالمية».
وأضاف أنزور إن (جوري) يحكي عن الطفولة السورية المشردة وقال: «الأطفال في الأزمة السورية هم ضحايا وكلنا حريصون على ألا يصلوا إلى مرحلة لا نستطيع فيها إنقاذهم مرة أخرى، ولكن الشيء المهم الذي يجب التركيز عليه هو موضوع التوزيع وعرض الفيلم ولا نهدف فقط إلى الهدف التجاري منه ونعرضه أينما يمكن لنا حتى على مواقع التواصل الاجتماعي، وأتحدث هنا عن جميع الأفلام التي تنتجها المؤسسة الخاصة بسينما الشباب».
وختم أنزور: «أتمنى أن يعطى للشباب فرص حقيقية ويدفع لهم رأس مال فعال ليرفعوا مستوى الإنتاج حتى تقدر هذه الأفلام أن تصل بشكل أفضل تقنياً على الأقل».

شعب حيّ
وبدورها أكدت عضو مجلس الشعب جانسيت قازان: «بعد 9 سنوات من الحرب في كل يوم وكل لحظة وكل دقيقة لدينا قصة وهذه إحدى القصص التي حدثت في الحرب، فتاة صغيرة تفقد أهلها وأم تفقد أولادها، هذا توثيق لكل ما حدث ببلدنا من جرائم حيكت بحق الشعب السوري ورأيت في هذه الفتاة التي وضعت وردة بمكان كل طلقة رصاص إيماناً أننا شعب حيّ، وبخضم هذه العزلة التي تعيش فيها وخوفها من الإرهاب كان لديها هذه الجرأة والأمل أن تضع ورداً مكان الرصاص».

أدعم الجيل الشاب
ومن جانبها بينت الفنانة نادين خوري: «إنني جئت اليوم لأقف وأدعم الجيل الشاب وأشد على أيديهم وأشجعهم على تقديم خطوات قادمة برؤى وخطط جديدة ونظرة مختلفة لزوايا الفن، وهذا واجب حقيقي، وحمل (جوري) لمسات إخراجية وفنية مختلفة».
وبالنسبة لمشاركتها في إحدى التجارب الشابة من خلال فيلم قصير بينت الفنانة نادين: «أنا متعاونة جداً في العمل بالأفلام القصيرة، وشاركت بلوحات صغيرة لأدعم أي مخرج جديد ولو مدة فيلمه 5-10 دقائق ضمن سينما الشباب، هي فكرة رائعة فتحت المجال لهؤلاء الشباب وأعطتهم مساحة، وسعادتي تكون كبيرة عندما أشارك ولو بلقطة مع هذا الجيل».
وأضافت نادين: «إن السبب الرئيسي لنجاح يزن أنه ابن المخرج الكبير نجدة أنزور ولو قال الكثيرون إن الفن لا يورث لكنني أقول إن الولد عندما ينشأ في مناخ فني يخلق عنده نوع من التوق إلى هذا المجال وخاصة أن الفن مغر بما فيه السينما وأرى أن يزن أخذ من والده هذا الشيء وأضاف عليه من وجهة نظره برؤية مختلفة».

الحرب ببساطتها
أما الممثل خلدون قاروط فقال: «أبارك للسينما السورية هذا النوع من الأفلام حيث شاهدنا الحرب والدمار والقصف والملاحقة وبعد دقيقتين وجدت نفسي بداخل هذه الطفلة التي تعاملت مع الحرب بكل بساطة، ومدت لسانها غير آبهة بسيارة محملة بالمسلحين، ووضعت في الحيطان المشقوقة وروداً جورية، لتكتشف أن المصباح هو الحلّ ووجدت فيه حياة وبدأت ترى وتتذكر جيرانها ووالديها وضمتهم وذهبت معهم، فببساطة جوري شاهدنا الحرب وحلت كل المشكلات التي فيها».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن