ثقافة وفن

«وثيقة وطن» تطلق «هذه حكايتي» … د. بثينة شعبان: التاريخ الشفوي لا يشبه التاريخ الذي يكتبه المؤرخون بتوجهاتهم..

| إسماعيل مروة- ت: طارق السعدوني

في إطار الحفاظ على التراث الشفاهي الحكائي، والحفاظ على الذاكرة الفردية والجمعية للمجتمع السوري أطلقت مؤسسة (وثيقة وطن) فعالية غاية في الأهمية والقيمة هي فعالية (هذه حكايتي) التي تستهدف تسجيل الحكاية السورية الواقعية، لتوثيق الذاكرة واليوميات، وخاصة في ظل هذه الحرب المسعورة التي تجري على أرض سورية، والتي يمكن أن تجرف في طريقها الكثير من الحكايات المؤثرة والفاعلة، ومن أجل إطلاق هذه الفعالية عقدت جلسة حوار ولقاء في بيت عدنان مردم بك في دمشق القديمة بحضور فعاليات ثقافية وإعلامية وعلمية.

لماذا في هذا المكان؟
اختارت وثيقة وطن أن يكون إطلاق هذه الفعالية الهادفة للحفاظ على الذاكرة من مكان يشكل ذاكرة للسوريين كافة، فهذا البيت الذي يزيد عمره على ثلاثمئة سنة هو المكان الذي انطلق منه الشاعر والدبلوماسي ورئيس مجمع اللغة العربية والمحقق الباحث خليل مردم بك، وهذا الشاعر يعني للسوريين الكثير فهو صاحب التاريخ الطويل، وهو صاحب النشيد العربي السوري (حماة الديار) وفي جنبات هذا البيت ولد نشيد سورية علامة استقلالها وذاكرتها، وفي هذا البيت درج الشاعر والمسرحي المتفوق عدنان مردم بك ابن الشاعر الخليل الذي كان شاعراً متفوقاً ومسرحياً رائداً شعراً ونثراً.. فالبيت بحد ذاته ذاكرة لدمشق وسورية وتاريخها ونشيدها واستقلالها، وهذا إن دل فإنما يدل على براعة اختيار مكان الفعالية وإطلاقها، فهل هناك مثل هذا المكان ذاكرة لينعش الذاكرة ويظهر أهميتها في تسجيل تراث شفوي سينتهي برحيل أصحابه، ولكن حفظه وتوثيقه يعين على تسجيل تاريخ الوطن ولو بعد سنوات أو عقود أو قرون.
وإلى هذه الأهمية أشار الدكتور محمد سعيد الطاغوس عضو مجلس أمناء وثيقة وطن في جلسة جانبية، حين قال: إن التراث الشفاهي يحفظ الأمة وخصوصيتها، وضرب لذلك أمثلة هذا التراث في حياة شعوب وأمم مثل الهنود والزنوج، وقال: لابد من حفظ التراث الشفاهي قبل ضياعه بعيداً عن البحث في الجمالية فيه، والغاية حفظه قبل كل شيء.

التوثيق رحلة حياة
بعد الوقوف دقيقة صمت، والنشيد العربي السوري في حضرة روح شاعره خليل مردم بك وبأسلوب جديد وحيّ بدأت الفعالية بكلمة تفصيلية للأستاذة الدكتورة بثينة شعبان رئيسة مجلس الأمناء لمؤسسة «وثيقة وطن» المشهرة عام 2016، والتي تحدثت فيها عن ماهية هذه المؤسسة، وكيفية ولادة فكرتها التي رعاها السيد الرئيس بشار الأسد وأعطاها أهمية خاصة حتى استوت الفكرة وصارت واقعاً سورياً مهماً، وأشارت الدكتورة شعبان إلى هاجسها التوثيقي منذ وقت مبكر في دراساتها، والتي تكشف أهمية التوثيق ليس على المستوى المحلي وحده، بل على المستوى العالمي.. فعرضت لرحلتها في التوثيق لقضايا المرأة في كتابها المفصلي الذي ما يزال يطبع بالإنكليزية، وتحوّل إلى فيلم حصد الجوائز لاعتماده على الشفاهية لحكايات النساء العربيات بدءاً من عام 1984 عندما بدأ إنصاف المرأة العربية وتصحيح صورتها في الغرب، «في اليمن والشمال» كانت التجربة الشفاهية الأولى التي تؤكد أهمية الحكاية فقالت: «لا يشبه التاريخ الذي يكتبه المؤرخون بتوجهاتهم المختلفة، وأحصي خسارتنا مع غياب كل قامة فكرية سياسية أو فنية أو ثقافية لم نحفظ ذاكرتها في ذاكرتنا وكتبنا، وكان ولا يزال هاجسي منذ ذلك الوقت أن نحفظها من خلال الحفاظ على نباته. وفي عام 2015 انتابني إحساس شديد بأن الحرب على سورية تستهدف أولاً وقبل كل شيء تدمير هويتنا وصار هاجسي أقوى من الفقد والدمار عندما عبرت للسيد الرئيس بشار الأسد عن مخاوفي شجعني على قهر المخاوف بالعمل إلى أن رأت وثيقة وطن النور بدعمه..».
وفي حديثها عن أهمية التاريخ الشفهي تناولت الدكتورة شعبان مفهوم الوطن وبأنه ليس البقعة الجغرافية التي نسكنها: بل هو الروح والتاريخ، وأكدت أن مفهوم الوطن الذي نعيشه ونتداوله في بلادنا ليس له مرادف من اللغات الأخرى وثقافتها، لذلك كانت الكلمة وترجمتها وثيقة وطن.

مركز البحث وبؤرته
وفي إطار حديثها عن الفعالية وفعاليات وثيقة وطن أشارت الدكتورة شعبان إلى أن «الوطن هو الذي تدور حوله أبحاث المؤسسة حالياً ومستقبلاً سواء في تسجيلات ويلات الحرب أم تجليات التسامح أو توثيق الصناعات اليدوية أو التراث الكنسي. الهدف الحفاظ على الوطن وعزته وإعلاء شأنه بين الأمم.. وثيقة وطن نريدها منارة في تاريخه ومفصلاً في سياق تاريخه».
وذكرت د. شعبان المحاولات السابقة التي لم تكن ممنهجة وبسياسة واحدة ومدروسة، والتي توصف بالخجولة «المقاربات الخجولة لأحداث التاريخ كانت وراء التسجيل الجريء لتاريخنا الذي يخشى عليه.. والآن وبعد سنوات من الحرب لا يزال أبناء سورية وجيشها الباسل يقدمون المزيد من التضحيات كي تبقى سورية منارة للإنسانية عزيزة حرة عصية ومستحيلة على أعدائها، وثيقة وطن تسجل أحداثاً غابت عن تاريخ الأمة، لأنه لم يتم توثيقها في حياة أصحابها لأسباب مختلفة ربما في طليعتها عدم وجود جهة مسؤولة عن هذا الأمر، ولذلك فإن من ضمن أهدافنا أن نكون مرجعاً وسنداً لتوثيق هذا التاريخ بمختلف وجوهه وعلى كل بقعة على مساحة الوطن العزيز، ومن كل من يود أن يتصدى لهذه المهمة النبيلة راجين أن يحذو حذونا إخواننا العرب».
وللوصول إلى هذه الغاية أكدت د. شعبان منهجية مؤسسة وثيقة وطن، فالوصول إلى هذه الغايات ليس بالأمر السهل، وإنما يحتاج إلى جهود جبارة وكبيرة، ولا يتم بصورة عشوائية، فلابد من كوادر مؤهلة فقالت: «تدريب الكوادر المؤهلة والمؤمنة بهذا التوثيق من الشباب والشابات من مختلف الاختصاصات والمحافظات في الوقت الذي بدأت فيه دول كثيرة بتأسيس مراكز التوثيق الشفوي منذ أواسط القرن العشرين، تأتي وثيقة وطن في الطليعة على مستوى الوطن العربي في توثيق ما مر على هذا الوطن، وخاصة في السنوات التسع الأخيرة، كي لا تموت قصص الأطفال والنساء والمسنين وكل أبناء هذا الوطن الكريم الذي عانى ما عاناه في الدفاع عن وجوده».
بعد ذلك استعرضت الدكتورة شعبان بعض القصص التي عرفتها من خلال العمل على المشروع في وثيقة وطن، والتي تثبت أهمية هذا المشروع، وأهمية الحكايات الشفوية على بساطتها في السرد والحكاية، لما فيها من نبل وأهمية.

إطلاق حكايتي
ثم تم الإعلان عن إطلاق مسابقة حكايتي وشروطها، فهي عامة لكل السوريين في الداخل والخارج، ومن مختلف الأعمار لا تستثني عمراً، فمنها للصغار، ومنها للشباب، ومنها للمتقدمين في السن، وحتى تكون موجهة لشريحة واسعة من السوريين لم يشترط فيها أن تكون بالفصحى، بل يمكن أن تكون بالمحكية، ويمكن أن تكون مكتوبة أو مسموعة أو مرئية، وأهم ما في الأمر أن تكون واقعية غير خيالية، وأن تكون موافقة للأخلاق المجتمعية بعيدة عن الانتقاص ومخالفة العرف، وأن تكون بحدود 1000 كلمة كحد أقصى، وتم عرض نموذج للقصة الواقعية بصوت الفنان التشكيلي الدكتور محمد غنوم الذي تحدث بألم عما جرى لمرسمه ولوحاته بسبب الحرب على سورية، وشكل لهذه المسابقة لجان وضعت شروطاً يلتزم اتباعها، ويكون كل مرسل لقصته هدفاً للجائزة إذا أعلن عن شخصه واسمه، ومن حق المرسل ألا يعلن عن نفسه، وتؤخذ قصته بالحسبان، لكنها لا تكون ضمن المتقدم للحصول على الجائزة التي تقدمها المؤسسة، وتبع ذلك حوار مع الإعلاميين.

مؤسسة وثيقة وطن

تعريف

«وثيقة وطن» مؤسسة غير حكومية وغير ربحية تعنى بالتأريخ الشفوي والبحث المعرفي لحماية الذاكرة الوطنية وحفظها للأجيال القادمة. توثق المؤسسة الشهادات كما يرويها أصحابها لمد الجسور بين أصحاب الذاكرة الحية وبين الباحثين المختصين، وهي تشكل بذلك مصدراً مرجعياً للمعلومات التاريخية الشفوية، قائماً على الشراكة في بناء المعطيات التاريخية، كما أن وثيقة وطن هي مركز أبحاث يعد الدراسات الإستراتيجية في مواضيع مصيرية للإقليم والعالم.
تعتمد المؤسسة في عملها على المشاركة والمساهمة التطوعية، وتتلقى الدعم والرعاية من عدد من الجهات وتتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ووزارة الثقافة ووزارة الإدارة المحلية ووزارة الإعلام ومديرية الآثار والمتاحف والأمانة السورية للتنمية.

مشاريع وثيقة وطن
– توثيق سير حياة أعلام وشخصيات كان لها دور فاعل في مختلف المجالات.
– توثيق سنوات الحرب بمختلف جوانبها.
– توثيق الحرف التقليدية السورية المهددة بالزوال.
– توثيق التراث السرياني.
– توثيق التراث الكنسي السوري.
– المكتبة الصوتية العربية.
– توثيق المأكولات السورية ضمن إطار التنمية الريفية.

آلية عمل المؤسسة
يقوم عمل المؤسسة على مقابلة الشهود وأصحاب الروايات الشخصية المشهودة من قبلهم في محافظات القطر كافة، وتسجيل هذه المقابلات سمعياً وبصرياً، ثم فهرسة وتوثيق وأرشفة هذه التسجيلات في قاعدة معلومات تستخدم أنظمة برمجية متقدمة وشبكة حاسوبية متطورة.

احتياجات المؤسسة
لإنجاز هذه المبادرة الوطنية المهمة، تحتاج المؤسسة إلى حشد الدعم من أجل توفير ما يلي:
– التطوير المستمر لكفاءات أطر المؤسسة عبر تدريب وتأهيل المتطوعين واستقدام الخبرات.
– دعم تطوير قدرات البنى التحتية للمؤسسة وأدوات عملها التقانية والمعلوماتية.
– تعزيز إمكانات المؤسسة في النشر وفي التواصل مع الباحثين.
– تعزيز وسائل تواصل وتنقل كوادر المؤسسة في أرجاء الوطن للقاء الشهود وتسجيل مقابلاتهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن