قضايا وآراء

قانون أميركي لزعزعة استقرار العراق والمنطقة

| أحمد ضيف الله

بعد الصفعة التي تلقتها الإدارة الأميركية بفشل كل خططها في السطو على ناقلة النفط الإيرانية العملاقة «غريس1» والتي بات اسمها «أدريان داريا1»، عاد الحديث مجدداً حول مدى خطورة تمرير مجلس النواب الأميركي في الـ26 من تموز الماضي قانون «منع زعزعة استقرار العراق» على العراق والمنطقة عموماً، الذي ينص على أنه يحق للرئيس الأميركي «فرض عقوبات على أي أجنبي ينوي القيام متعمداً بأي شكل من أعمال العنف، له غرض أو تأثير مباشر على تهديد السلام والاستقرار في العراق، أو حكومة العراق وتقويض العملية الديمقراطية فيه، أو تقويض الجهود الكبيرة لتعزيز البناء الاقتصادي والإصلاح السياسي، أو تقديم المساعدات الإنسانية إلى الشعب العراقي»، محملاً وزير الخارجية الأميركي «مسؤولية الإعداد والتجديد سنوياً، بإنشاء والحفاظ ونشر قائمة الجماعات المسلحة والميليشيات أو القوات بالوكالة في العراق، التي تتلقى مساعدة لوجستية أو عسكرية أو مالية من الحرس الثوري الإيراني، فضلاً عن ممارسة الإرهاب داخل العراق، وتحديد ما إذا كان ينبغي معاقبة الأفراد المدرجين في القائمة، وإذا كان ينبغي عد الأشخاص المرتبطين بتنظيمات معينة إرهابيين ومعاقبتهم».
وللدقة والموضوعية، فإن مشروع القانون المشار إليه لم يجر تمريره كما يُعتقد، وأن ما يجري تداوله هو نص كان قد جرى التصويت عليه في مجلس النواب الأميركي في الـ27 من تشرين الثاني 2018، ولم يكتسب الدرجة القطعية لأنه بحسب القوانين الأميركية يجب أن يمرر أيضاً عبر مجلس الشيوخ الأميركي قبل انتهاء الدورة التشريعية 2017 – 2018 وهو لم يحصل، مما يُعد المشروع ساقطاً. إلا أن روح المشروع ذاته أعيد طرحه مؤخراً في مجلس النواب الأميركي، حيث يتوقع التصويت عليها مجدداً وتمريره عبر مجلسي النواب والشيوخ، والتصديق عليه من الرئيس دونالد ترامب ليصبح نافذاً قبل نهاية العام الحالي 2019، على أنه منفذ جديد لزيادة الضغوط والإجراءات العقابية بحق إيران.
إن ما يثير الاستغراب والريبة هو معاودة تسويق قانون سبق أن سقط تشريعه منذ مدة!، خاصة أنه سيسهل لواشنطن إمكانية فرض عقوبات مؤثرة في قوى وأحزاب ومنظمات وشركات ومصارف وشخصيات عراقية ومصادرة أموالهم، من دون أن تستطيع الحكومة العراقية النأي بنفسها عن الأثر القانوني لتشريع كهذا، والذي سيطول حتماً قوى مشتركة بالعملية السياسية سواء في السلطة التنفيذية أو التشريعية، ما يُعد وصاية ومصادرة للسيادة العراقية، وتدخلاً سافراً في علاقات العراق الخارجية، ما يجعله خاضعاً للقوانين الأميركية وكأنه إحدى ولاياته، محولاً العراق ككل إلى دولة هشة، وإلى ساحة اشتباك مسلح مفتوحة مع دول الجوار، معرضاً الاستقرار والأمن في المنطقة للخطر.
إن مشروع القانون المقترح يعتمد في بنائه على تفسير مجتزأ لما جاء في المادة (27- أولاً) من اتفاقية الإطار الإستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الموقعة في الـ17 من شهر تشرين الثاني 2008، التي نصت على أنه «عند نشوء أي خطر خارجي أو داخلي ضد العراق أو وقوع عدوان ما عليه، من شأنه انتهاك سيادته أو استقلاله السياسي أو وحدة أراضيه أو مياهه أو أجوائه، أو تهديد نظامه الديمقراطي أو مؤسساته المنتخبة، وبناء على طلب من حكومة العراق، يقوم الطرفان، بالشروع فوراً في مداولات إستراتيجية، ووفقاً لما قد يتفقان عليه فيما بينهما، تتخذ الولايات المتحدة الإجراءات المناسبة، التي تشمل الإجراءات الدبلوماسية أو الاقتصادية أو العسكرية أو أي إجراء آخر، لردع مثل هذا التهديد».
إن الولايات المتحدة الأميركية لم تتخذ أي إجراء تجاه قطر والسعودية والإمارات وتركيا وإسرائيل الذين رعوا ودعموا التنظيمات الإرهابية التكفيرية التي مارست أبشع الجرائم الإنسانية بحق الشعب العراقي ودمروا اقتصاده، وأربكوا العملية السياسية فيه، رغم المطالبات العراقية بتنفيذ ما جاء باتفاقية الإطار الإستراتيجي لحماية أمنه. وما العربدة الإسرائيلية التي تجري هذه الأيام بعلم وتنسيق أميركي في قصف مستودعات ذخائر قوات الحشد الشعبي التي هي جزء من القوات الأمنية العراقية، إلا دليل على تغاضي واشنطن عن تآمر الدول الراعية لها تجاه العراق، وعدم التزامها ببنود بالاتفاقية.
إن مشروع القانون لا يقل خطورة عن قانون تحرير العراق الذي شرعه الكونغرس الأميركي وصادق عليه الرئيس الأميركي بيل كلنتون في الـ31 من تشرين الأول 1998 الذي أدى إلى احتلال العراق وتدميره، وإلى زعزعة أمن المنطقة ككل، وهو يمثل بمجمله تحدياً جدياً للحكومة العراقية وللقوى السياسية والمقاومة في العراق، ما يتطلب منهم بحث أسباب تحريك القانون الآن، واستباق اكتمال دورة تمريره القانونية برفضه، لكونه يهدد استقرار العملية السياسية، والعمل على طرد المحتل الأميركي من العراق وإلغاء اتفاقية الإطار الإستراتيجي الموقعة معه من خلال الأطر الدستورية، أو بالقوة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن