من دفتر الوطن

تصحيح اللغة

| حسن م. يوسف

عندما سئل الحكيم كونفوشيوس (551-479 ق. م.) الذي يلقب بنبي الصين، عن أول شيء سيقوم به إذا حكم الدولة، قال: «سأقوم بالتأكيد بتصحيح اللغة… لأن ما يقال عادة لا يحمل المعنى المقصود، لذا لا نستطيع القيام بالشيء المطلوب، وإذا لم نفعل الشيء المطلوب فإن الأخلاق سوف تفسد، وإذا فسدت الأخلاق، فإن العدالة سوف تضل، وإذا ضلت العدالة، فإن الناس سوف يقعون في حالة من الخلط أو التداخل دون حول ولا قوة، وحينئذ لن يكون هناك تحكم فيما يقال أو يُمَارس».
وبعد نحو ألفي عام أكد عبد الرحمن ابن خلدون (1332 – (1406- صحة ما جاء على لسان كونفوشيوس إذ وصف اللغة بأنها «الوسيلة التي تترجم ما في ضمائرنا من معانٍ، وأنها مرآة للعقل تعكس ما يحتوي، فإن هي تصدّعت وضعفت أوهنت الجهد، وحرمت الدقة، ومنعت تسامي العقل والقلب».
واللغة، باعتقادي، ليست مجرد أداة للتواصل بين البشر، بل هي جوهر الهوية الوطنية والإنسانية، أنها شعاع من روح يحفظ تراث الأفراد والمجتمعات ويقدمها لغيرهم من الأفراد والمجتمعات. وأهمية المترجم هو أنه يلعب دور الوسيط بين عالمين. وقد ثمَّن الكاتب الإيطالي إيتالو كالفينو (1923– 1985) دور الترجمة في خدمة الأدب إذ قال: «لولا الترجمة لبقيت محدوداً بحدود بلدي. إن المترجم هو أهم حليف لي. فهو الذي يقدّمني إلى العالم».
في مقالي السابق شبهت المترجمين بالنحل الذي يجني الرحيق من أرواح شعوب العالم ليصنع منه عسل الثقافة الشافي. غير أنني أشرت أيضاً إلى أن «بعض المترجمين يحولون الرحيق إلى قطران» ووعدتكم أن أعرض لكم بعض أخطاء المترجمين التي تبكي من شدة الضحك.
من أطرف أخطاء الترجمة الأدبية أن مترجم رواية «لا تقتل عصفوراً غريداً» للكاتب الأميركي هاربر لي قد اعتمد على قاموس المورد الذي لا يعترف باللهجة الأميركية التي تطلق على فصل الخريف كلمة Fall، لذا جاءت الفصول عنده مرتبة على الشكل التالي: «الربيع، الصيف، الشلال، الشتاء»! ومن أطرف المترجمين ذلك السعودي الذي تصدى لترجمة مسرحية شكسبير «يوليوس قيصر»، ضمن سلسلة من المسرح العالمي الكويتية، فاستبدل جبل الأولمب بجبل ثهلان الذي تبين لي بعد مشقة أنه جبل في السعودية!
صحيح أن تطبيق غوغل للترجمة يبشر بعالم لا تشكل فيه اللغة حاجزاً بين البشر. إلا أن ذلك التطبيق ما زال يقع في أخطاء قد تكون قاتلة أحياناً، كما حدث خلال شعائر الحج هذا العام، فقد اعتمد متعهد أكياس حصى الجمرات على مترجم غوغول فترجم «كيس حصى الجمرات» إلى The Anthrax Gravel Bag وهذا يعني «كيس حصى الجمرة الخبيثة»! كما ترجم عبارة «جمرة العقبة الكبرى» إلى The Great Anthrax of Aqaba. أي جمرة العقبة الخبيثة الكبرى!
لا شك أن المترجمين يخطئون مثل سائر البشر، لكن بعض المترجمين يتعمدون الخطأ لأغراض سياسية، وأقذر المترجمين هو الذي قام بترجمة قرار مجلس الأمن الدولي 242 الذي أسقط ال التعريف من النسخة الإنجليزية ليصبح النص: انسحاب إسرائيل من (أراضٍ) عربية محتلة، بدلاً من الأراضي. ولم تكن مترجمة محطة سي إن إن أقل قذارة عندما حرَّفت قول الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بأنه «لإيران الحق في الطاقة النووية» زاعمة أنه قال «لإيران الحق في صنع سلاح نووي»!
إلا أن أطرف أخطاء الترجمة وقعت عندما ذهب جيمي كارتر لزيارة بولندا عام 1977، واصطحب معه مهاجراً بولونياً انقطعت علاقته باللغة منذ ثلاثين عاماً. ونظراً لأن اللغة كائن حي لا يتوقف عن النمو والتطور، فقد اقترف ذلك المترجم أخطاء شنيعة لا تزال موضع تندر حتى الآن. فعندما قال كارتر: «غادرت الولايات المتحدة هذا الصباح»، نقل المترجم عبارته إلى البولونية على الوجه التالي: «غادرت الولايات المتحدة ولن أعود إليها أبداً»! وعندما قال كارتر: إنه «يرغب في معرفة المزيد عن رغبات البولنديين في المستقبل». قام المترجم بكارثته الكبرى إذ ترجم العبارة بقوله: «إن الرئيس كان سعيداً لإمساكه بالأعضاء الحساسة لبولندا»!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن