ثقافة وفن

أحيت الهوية الغنائية السورية واستحضرت عصر الطرب الذهبي في دار الأسد … ميادة الحناوي: الجمهور السوري ذواق وعظيم ويحب الطرب الأصيل

وائل العدس- تصوير طارق السعدوني

صوت دافئ.. رقيق.. وحنون.. يتوسد عرش قلبك مع أول تنهيدة تتراقص فيها الحبال الصوتية بعفوية. عذوبة صوتها يجعلك تبحر نحو الأفق البعيد.. بحجم امتداد السماء.. وينعش ذاكرتك العتيقة نحو حياة خالية من الضجيج.
مطربة الجيل.. قيثارة الإحساس الشرقي ذات النبع الرقراق والصوت الشجي واللحن الذي يُعيدك إلى سنين خلت.
في أولى الفعاليات الفنية المرافقة لمعرض دمشق الدولي الحادي والستين، أحيت الفنانة الكبيرة حفلاً فنياً ضخماً على مسرح الأوبرا في دار الأسد للثقافة والفنون جسدت من خلاله الهوية الغنائية السورية واستحضرت عصر الطرب الذهبي بكل ما يحمله من بساطة وجمال وذوق وفن راق.
الحناوي أعادت جمهورها الكبير إلى الزمن الأجمل، زمن العراقة والأصالة والقيم الراقية.. والأصوات البراقة والخالدة، بعدما أثرت حياتنا بإبداعاتها وفنها وأغانيها التي رسخت في الوجدان، فتلألأت في سماء الفن على مر الزمان.

أمتعت جمهورها الذي سارع للحصول على بطاقات حفلتها التي نفدت بعد ساعتين لبدء البيع، باعثة بصوتها اللؤلؤي الأخاذ دفئاً وسلاماً غمر المسرح ومن عليه وسرق المستمع من ضجيج الحياة وصخب العصر، في زمن بات الضرب فيه على الإيقاع والكلام أشبه بموجة جنونية يركبها الكثيرون.
الحضور الذي تفاعل مع أداء أغلب الأغاني التي قدمتها طلب إعادة غناء أغنية «أنا بعشقك» التي ختمت بها الحفل ولعدة مرات فلبت طلب الجمهور لتأخذهم إلى زمان الطرب الأصيل وذكريات رافقت أغانيها الجميلة لعدة أجيال من الجمهور المحب للطرب ومنها «أنا الحب اللي كان» و«سيبولي قلبي» و«سيدي أنا» و«هي الليالي كده» و«فاتت سنة».

تحية حب
في تصريحها لـ«الوطن»، أرسلت الحناوي تحية حب إلى السيد الرئيس بشار الأسد، وإلى الجيش العربي السوري الذي أعاد الأمان إلى معظم مناطق سورية، ولولاه لما كنا على قيد الحياة لنغني على هذا المسرح.
وعبَّرت عن سعادتها لعودتها إلى مسرح الأوبرا وإلى حفلات معرض دمشق الدولي الذي غابت عنه طويلاً بعدما شاركت فيه لأربع مرات في نسخته القديمة التي كانت تقام في قلب دمشق.
وقالت: كان حفلاً رائعاً والجمهور السوري ذواق وعظيم ويحب الطرب الأصيل.
وأكدت أن الازدحام على اقتناء بطاقات الحضور دليل على اشتياق الناس لزمن الفن الجميل، واعدة كل من لم يتسنَّ له الحضور إقامة حفل مماثل خلال وقت قريب.
وأشارت إلى أن الساحة الفنية تضم بعض الأصوات المميزة، لكن الفن الحقيقي غائب بسبب الأصوات الدخيلة التي لا تمتلك أدنى مقومات الموهبة الغنائية.
وكشفت أن جعبتها تضم الكثير من المشاريع الفنية للمرحلة المقبلة، منها بعض العروض في القاهرة التي تعكف على دراستها، وربما تقوم بجولة فنية تشمل عدداً من الدول الأوروبية.
وستصدر في الفترة المقبلة أغنية مدتها 10 دقائق، بشكل منفرد وستصورها على طريقة الفيديو كليب بعد الانتهاء من ارتباطاتها الفنية.

مسيرة حافلة
ولدت الحناوي في الثامن من شهر تشرين الأول عام 1959، وصنفت في الصف الأول بين المطربات العرب، حيث غنت في صغرها وأعاد اكتشافها الموسيقار محمد عبد الوهاب عندما استمع إلى صوتها في إحدى سهراته بمصيف بلودان الذي كان يحرص على زيارتهِ والاستجمام فأبدى إعجابه الشديد بصوتها الجميل وتم الاتفاق أن تزور مصر لتنطلق منها فنياً وهو ما رفضته ميادة آنذاك معربة عن رفضِها لفكرة احتراف الفن.
لاحقاً وبعد وفاة زوجها حضرت إلى مصر بمرافقة أخيها عثمان الحناوي وأقامت بشقة في القاهرة، وجهز لها الموسيقار محمد عبد الوهاب خصيصاً ألحاناً خاصة لها، وبقيت على مدى نحو العامين، وخلال هذه الفترة كانت تتجهز للانطلاق لعالم الشهرة.
اكتسبت شهرة بعد أن صدرت أغانيها عن طريق الكاسيت وإذاعة أغان مصورة بالفيديو عبر شاشة التلفاز، وكانت تقدم حفلاتها في الكثير من البلاد العربية برفقة فرقة الفجر بقيادة المايسترو أمين الخياط وتذاع وتعرض حفلاتها وأغانيها على المحطات العربية كافة، وكانت الألحان ترسل لها على شريط كاسيت من الملحن وكبار الملحنين العرب والمصريين وتتدرب عليها في دمشق وتسجلها. وعند إتمام الاستعدادات تسافر هي والملحن وفريق العازفين بأكمله للتسجيل باليونان فأصبحت ميادة أشهر المطربات في زمانها.

عمالقة الملحنين
تعاملت ميادة خلال هذه الفترة مع كبار الملحنين بمصر على رأسهم الفنان الكبير محمد الموجي والذي أطلقت معه أولى أغانيها، وتعاملت أيضاً مع محمد سلطان وحلمي بكر، ولكن كانت انطلاقتها الكبرى مع الموسيقار بليغ حمدي.
أما أغنية «نعمة النسيان» فهي من ألحان الفنان عازف الأكورديون فاروق سلامة الذي كان يعزف في فرقة أم كلثوم وعبد الحليم حافظ.
غنت ميادة مع بليغ حمدي أروع أغانيها الطربية مثل «أنا بعشقك» و«الحب اللي كان» و«أنا اعمل إيه» و«سيدي أنا» وغيرها من أروع الأغاني التي حققت لها انتشاراً كبيراً بالعالم العربي وأيضاً بين الجاليات العربية بأميركا وأوروبا حيث كانت ترافقها عدسات كبرى المجلات العربية في حفلاتها وعلى رأسها مجلة «الموعد» ممثلة بالكاتب محمد بديع سربية والذي غنت ميادة أيضاً من أشعاره وقال عن نجاحها: «ميادة حققت في ثلاث سنوات ما حققته وردة الجزائرية في ثلاثين عاماً»، علماً أنه أطلق عليها لقب «مطربة الجيل».
مع بداية التسعينيات، بعد رحيل الأب الروحي لميادة بليغ حمدي الذي وهبها آخر لحن له «عندي كلام» من كلمات الشاعر عبد الرحمن الحوتان بدأت ميادة في تغيير جلدها الفني بالتعاون مع الجيل الجديد من الشعراء والملحنين وبدأت بالتعاون مع الموسيقار سامي الحفناوي في ألبوم «غيرت حياتي» الذي شكل بداية غناء ميادة للأغاني الطربية القصيرة وأبهرتنا بتصوير كليب، وهي الأغنية التي حققت انتشاراً بين جيل جديد من الشباب.
توالى بعد ذلك تعاونها مع الملحنين الشباب ومنهم صلاح الشرنوبي الذي أطلقت معه «أنا مخلصالك» و«مهما يحاولوا يطفوا الشمس».
وحرصت ميادة على التعاون مع الملحنين الكبار الذين قدموا لها أجمل الألحان إلى جانب الشباب وأطلقت مع محمد سلطان ألبوم «هو مش أنا» ومع الموسيقار عمار الشريعي «متجربنيش» ومع الموسيقار خالد الأمير الذي عاد للساحة الفنية عام 1998 مع ميادة بألبوم «أنا مغرمة بيك».
في عام 1999 صدر ألبوم «توبة» من ألحان الموسيقار صلاح الشرنوبي وغابت بعدها ميادة لأسباب شخصية.
أصدرت ألبوم «عرفوا إزاي» الذي تم تسجيله عام 2000 وظل يتأجل 4 سنوات كاملة ليصدر في نهاية عام 2004 والذي صورت منه كليباً واحداً.
خلال تلك الفترة أحيت العديد من الحفلات الناجحة في سورية ومصر والعالم العربي، منها حفل قرطاج عام 2005 الذي حضره 13 ألف متفرج.
في عام 2007، أصدرت أغنيتين وطنيتين، الأولى لسورية بعنوان: «يا شام» وتبعتها أغنية مهداة منها للبنان بعنوان: «بيروت يا عروس الشرق» وكلتا القصيدتين من كلمات الشاعر نبيل طعمة وألحان الملحن خالد حيدر.
تبعه في بداية عام 2008 أوبريت في دمشق «يسلم ترابك يا شام» ألحان هيثم زياد وشاركها فيه هاني شاكر ولطيفة وعاصي الحلاني وحسين الجسمي.
الموسيقار السنباطي قال عنها: «يسعدني كما بدأت حياتي مع أم كلثوم أن أنهيها مع ميادة الحناوي» وأعطاها لحن قصيدته «أشواق» ولحن لها رائعته «ساعة زمن».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن