عربي ودولي

في الذكرى الثمانين لاندلاع الحرب العالمية الثانية … سيرغي إيفانوف: اتفاق «عدم الاعتداء» مع ألمانيا منح «ستالين» الوقت لتحقيق النصر

| وكالات

مع حلول الذكرى الثمانين لاندلاع الحرب العالمية الثانية في مثل هذا اليوم، تستعيد موسكو في ظل المتغيرات الكبرى التي يشهدها العالم بعضاَ من تفاصيل تلك المرحلة، والتي تقدم أجوبة عن كثير من المعطيات، وطبيعة العلاقات الدولية التي نشأت في أعقاب نتائج تلك الحرب، وانتصار الاتحاد السوفييتي ومعه الحلفاء على ألمانيا النازية وحلفائها.
رئيس مجلس أمناء الجمعية العسكرية التاريخية الروسية وممثل الرئيس الروسي الخاص في مجال النقل وحماية البيئة سيرغي إيفانوف، كشف في حوار أجراه مع وكالة «ريا نوفوستي» الروسية عن الكثير من التفاصيل المتعلقة بتلك المرحلة وخصوصاً حقيقة وأسباب توقيع موسكو معاهدة عدم اعتداء مع برلين عام 1939 والبروتوكول السري المُلحق بها.
إيفانوف أكد في حواره مع «ريا نوفوستي» أنه حتى ثلاثينيات القرن العشرين، اتخذ الاتحاد السوفييتي موقفاً واضحاً ضد الفاشية، وبالتالي موقفاً مناهضاً لألمانيا، ولكن بدأت العلاقات مع ألمانيا تتغير تدريجياً فقط بعد اتفاق ميونيخ، حيث بدأت برلين بالمبادرة أولاً وذلك على شكل جس لموقف الاتحاد السوفيتي، ومع ذلك فقد ركّز القادة السوفييت على بناء تحالف مع إنكلترا وفرنسا، وكانوا حذرين ولم يتسرعوا في تلبية المقترحات الألمانية.
وأشار إيفانوف إلى ما أكده المؤرخون الغربيون، بأنه حتى منتصف آب عام (1939)، أي حتى فشل المفاوضات الثلاثية بين الاتحاد السوفييتي وبريطانيا وفرنسا، كان الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين يهدف إلى إنشاء تحالف مناهض لرئيس ألمانيا أدولف هتلر داخل جمهوريات الاتحاد السوفييتي وفرنسا وبريطانيا العظمى، إذ كان الاتحاد السوفيتي يدرك جيداً أن مفهوم السياسة الخارجية لـ«الرايخ الثالث»، كان مرتبطاً بشكل وثيق مع الهراء النازي حول « المجال الحيوي لألمانيا» والذي هو ليس في مكان ما في إفريقيا، وإنما في الشرق: حيث صرّح هتلر بذلك صراحة بالقول: «في الأراضي السلافية»، لذلك، ظلت برلين عدوأ رئيسياً للاتحاد السوفييتي.
إيفانوف كشف أنه بعد فشل المفاوضات مع البريطانيين والفرنسيين عشية الغزو الألماني لبولندا، ومع استمرار النزاع المسلح على «خلخين غول» (مع الإمبراطورية اليابانية وقتها)، كان على ستالين أولاً التفكير في الأمن القومي للاتحاد السوفييتي، لذلك كان من الضروري تأخير بدء الحرب مع ألمانيا، مذكراً بان ستالين أرسل جنوده حتى الموت لإنقاذ بولندا، عندما لم ترغب بريطانيا العظمى وفرنسا في القتال ؟
إيفانوف رد على الاتهامات التي وجهت ولا تزال للاتحاد السوفييتي بأن القيادة السوفيتية أفشلت عن عمد توقيع اتفاقية مع إنكلترا وفرنسا وقامت فقط بتقليد عملية تفاوض مع بريطانيا وفرنسا، بهدف حث هتلر على إبرام اتفاق مع الاتحاد السوفييتي، حيث كشف عن بعض من التفاصيل حول مجرى المفاوضات البريطانية – الفرنسية – السوفييتية، ففي (18) آذار سألت الحكومة البريطانية الاتحاد السوفييتي وعدة دول أخرى عن موقف الاتحاد السوفييتي وهذه الدول في حالة وقوع هجوم من قبل ألمانيا على رومانيا، ورداً على ذلك، اقترحت موسكو عقد مؤتمر دولي بمشاركة دول أوروبا الشرقية، دون النظر في إمكانية مناقشة مصير رومانيا أو بولندا مع بريطانيا العظمى من دون ممثلي هذه الدول الأكثر اهتماماً، ثم اقترحت لندن توقيع إعلان مشترك لكن بولندا رفضت! متسائلاً كيف كان يمكن توقيع إعلان دفاعاً عن بولندا دون بولندا نفسها ؟
وأشار إيفانوف إلى أنه في ذلك الوقت، لم يضمن أحد أن بولندا لن تخضع لضغوط هتلر وأنها لن تقبل بمطالب ألمانيا من دون حرب، ونتيجة لهذا التطور في الأحداث، ستصبح بولندا الشريك الأصغر في التحالف العدواني على الاتحاد السوفييتي، وبالتالي هناك احتمال وقوع هجوم مشترك من الجيوش الألمانية والبولندية على الاتحاد السوفييتي، وزادت من إمكانية توحيد الإمكانيات العسكرية للدولتين واللتين ستصبحان على عداء عام مع الاتحاد السوفيتي، كاشفاً أنه في كانون الأول عام 1939، وأثناء المفاوضات بين (ريبنتروب) و(بيك)، فإن هذا الأمر بعينه هو ما اقترحه وزير الخارجية الألماني على بولندا.
ولفت إيفانوف إلى أن المخابرات السوفييتية، كما بات معروفا اليوم، أبلغت الكرملين بمضمون هذه المفاوضات ومع ذلك، اقترحت موسكو في 17 نيسان من العام ذاته على لندن وباريس إبرام اتفاق ثلاثي بشأن المساعدة المتبادلة، لكن العقبة الرئيسية في المفاوضات حول هذه القضية ظلت موقف كل من الحكومة البولندية وحكومات الدول المطلة على بحر البلطيق. فكما هو معروف لم يكن للاتحاد السوفييتي حدود مشتركة مع ألمانيا، فكيف يمكن للاتحاد السوفييتي أن يدخل الحرب مع هتلر إذا كانت كل من بولندا ودول البلطيق عبر أفواه دبلوماسييها قد صرحت مراراً خلال هذه الفترة بأنه «لن يُسمح بدخول أي جندي من روسيا السوفييتية إلى أراضي هذه الدول، إذ رفضوا رفضاً قاطعاً حتى التحدث عن أي ضمانات لاستقلالها وسلامة أراضيها من جانب الاتحاد السوفييتي.
واعتبر إيفانوف أن الموقف غير البنّاء لهذه الدول، المُناهضة للسوفييت من جانب النخبة البولندية وقتها، جعل الحوار أو حتى توقيع نوع من الاتفاقية العسكرية لا معنى له، وخلق انتفاضة جديدة على نموذج الحرب العالمية الأولى ممثلة في شخص الاتحاد السوفييتي، وفرنسا وانكلترا، ومع ذلك، حاول الكرملين أن يفعل شيئاً حتى النهاية وكما هو معروف فقد حضرت البعثتان البريطانية والفرنسية إلى موسكو في شهر آب عام 1939، وعندها أصبح من الواضح خلال محادثات موسكو، أنه لا يمكن توقيع أي شيء سوى «إعلان نيات»، فبولندا لن تكون قادرة على الموافقة على قبول المساعدة السوفيتية، وعندها فقط اختار الكرملين الاتصال مع برلين.
وبخصوص النقاشات التي دارت وقتها في دائرة ستالين حول استراتيجية الاتحاد السوفييتي في العلاقات مع ألمانيا؟ وإن كان هناك إجماع في القيادة السوفيتية حول الحاجة إلى توقيع معاهدة عدم الاعتداء مع برلين، أشار إيفانوف إلى أن تحديد هذه القضايا تم وقتها من قبل دائرة ضيقة من قادة البلاد، فإضافة إلى ستالين، كان هناك فياتشيسلاف مولوتوف وأندريه تشدانوف وجورجي مالينكوف، وعدد آخر من العسكريين، كما أنه من الضروري تسمية المفوض الشعبي للدفاع في الاتحاد السوفييتي كليمنت فوروشيلوف.
وبين إيفانوف أن تحليل المسار السياسي للديمقراطيات الغربية، ومسار المفاوضات الثلاثية، لا يترك مجالاً للشك بأنّ البريطانيين وأتباعهم الفرنسيين قاموا بتوجيه العدوان الألماني شرقاً، لذلك كان هناك إجماع على مسألة توقيع معاهدة عدم اعتداء مع ألمانيا بين كبار القادة السوفييت، وذلك عندما أصبح واضحاً أخيراً خلال المفاوضات الثلاثية أنه لا يمكن إبرام اتفاقية عسكرية مع إنكلترا وفرنسا، حيث وقع الاتحاد السوفييتي اتفاقية قرض مع ألمانيا في 19 آب 1939، واتفاقية عدم اعتداء وبروتوكول إضافي سري لها في 23 آب عام 1939.
وحول مآلات الموقف في بولندا في حال لم يعبر الجيش الأحمر الحدود الشرقية لبولندا في 17 أيلول، اعتبر إيفانوف أن بولندا كان محكوم عليها بغرور قادتها، الذين رفضوا مبادرة اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية لإنشاء نظام أمن جماعي في أوروبا، وعدم رغبة الفرنسيين في «إنقاذها»، فبحلول 17 أيلول من العام ذاته، كانت القوات الرئيسية للجيش البولندي قد هُزمت أو حُوصرت، فقد استطاعت القوات الألمانية أن تقطّع مدينة وارسو – مركز السيطرة العسكرية والسياسية على البلاد – أما الحكومة البولندية فكانت تستعد بالفعل لعبور الحدود ؛ ومعظم القوات البحرية البولندية القليلة العدد فإنها قبل بدء القتال انضمت للقوات الإنكليزية، وحتى أنها لم تقم بأي محاولة لحماية السواحل البولندية.
وكشف إيفانوف أن القيادة البولندية وقتها بدأت في 9 أيلول 1939 بمفاوضات مع فرنسا حول منح حق اللجوء للحكومة البولندية! وهذا يعني بحسب «إيفانوف» أنهم بالفعل فهموا كل شيء في هذه الأيام – وقرروا الهرب، كاشفاً أيضا أن رئيس بولندا غادر وارسو في اليوم الذي بدأت فيه الحرب في 1 أيلول، وتمّ إجلاء الوكالات الحكومية في 4 أيلول، وغادرت الحكومة في 5 أيلول من العام ذاته، وقائد الجيش البولندي إدوارد ريدز سميجلي الذي غادر في ليلة 7 أيلول، معتبراً أنه لو كانت إنكلترا وفرنسا تريدان حقاً مساعدة بولندا، فمن السهل أن تسحقا الحاجز الألماني الضعيف على الحدود الألمانية – الفرنسية، حيث كان تفوقهما ساحقاً، لكنهما لم تفعلا ذلك مطلقاً، وقال « ليس من قبيل المصادفة أن يُطلق على هذا الجزء من الحرب في الغرب «غريب» أو «مستقر»: ففي 21 من شهر تشرين الثاني 1939، أنشأت الحكومة الفرنسية «خدمة ترفيهية» في الجيش الفرنسي، وناقش البرلمان مسألة السماح بزيادة كميات المشروبات الروحية المخصصة للجنود الفرنسيين، كما قام بإلغاء الضرائب على لعب الورق للجيش العامل، واشترى عشرة آلاف كرة للجيش من أجل الترفيه عن الجنود الفرنسيين!».
وفي حديثه عن تفاصيل ما جرى بداية اندلاع الحرب العالمية الثانية وكشفه عن حقيقة التفاصيل الغائبة إعلامياً عن تلك الحرب، كشف إيفانوف أن أي خط من خطوط الدفاع التي تم إنشاؤها عشية الحرب العالمية الثانية في الدول الأوروبية لم يصمد، إذ إنّ كل خطوط الدفاع التي تعرضت للهجوم الألماني في نهاية المطاف إما انهارت وإما استسلمت، وقال: «في هذه الحرب العابرة للحدود، كانت المسافات أهم من الحدود، ولو أنّ ألمانيا استعدت للهجوم على الحدود الغربية لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية بشكل جيد في 16 من أيلول عام 1939، فإن فرص الاحتفاظ بمدينة لينينغراد كانت وهمية، ولسقطت مينسك وكييف حتى قبل ذلك، ولكن الأهم من ذلك لكانت فرص الاتحاد السوفييتي، أقل في عملية إخلاء المؤسسات الدفاعية، وحتى لو تم النجاح في ذلك ففي هذه الحالة في عام 1941، فإنه لن يكون لدى السوفييت شيء ليقاتلوا به في عام 1942».
وجدد إيفانوف التأكيد أنه «لولا الاتفاق الذي وُقع بين الاتحاد السوفييتي وألمانيا في عام 1939، لم يكن على القوات الألمانية أن تبدأ هجومها من مواقع محددة وتقاتل مئات الكيلومترات في غرب بيلاروسيا وأوكرانيا، ولبدأت القوات الألمانية الهجوم من مواقع أكثر فاعلية، ووصلت إلى مدينتي موسكو ولينينغراد حتى قبل ذلك، ولما كانت ستستطيع موسكو أن تقاوم في هذه الحالة واستطاعت من خلال تبادل الأراضي مع الوقت في صيف عام 1941، ولما كانت القيادة السوفييتية قادرة على حشد وتسليح العشرات من الكتائب التي كانت في نهاية المطاف قادرة على تحقيق الاستقرار في الجبهة ثم لدفع الألمان بعيداً عن موسكو».
وذكر إيفانوف أنه في داخل الاتحاد السوفييتي لم يعارض الاتفاق أحد بشكل علني رغم أن الناس كانوا يطرحون تساؤلات حول هذه الاتفاقية، ولكن الغالبية العظمى من السكان فهمت أن الاتفاق مع ألمانيا كان خطوة ضرورية. نظراً لأن ألمانيا ظلت دولة نازية ذات أيديولوجية بغيضة وخطط عدوانية، فلا شك أن الاتفاق معها كان مناورة مؤقتة، أما الجيش السوفييتي فقد كان أفضل من تفهم هذا الاتفاق.
وحول موقف اليابان وقتها من الاتفاقية مع ألمانيا، قال إيفانوف: «بالنسبة لليابانيين، كان لتوقيع ألمانيا الاتفاقية مع الاتحاد السوفييتي وقع الصدمة، إذ وقعت ألمانيا اتفاقية عدم اعتداء مع الاتحاد السوفييتي وذلك دون أن تطلب رأي حليفتها اليابان، في وقت كان فيه اليابانيون في حالة حرب مع القوات السوفييتية والمنغولية في خالكين جول، وبسبب المعاهدة التي أبرمتها حليفتها، استقالت الحكومة اليابانية»، وعبر إيفانوف عن اعتقاده بأن الهزيمة في خالكين غول والمعاهدة السوفييتية – الألمانية، قلبت اتجاه العدوان الياباني في اتجاه الجنوب، إذ إنّ إبرام هتلر فجأة لاتفاق مع الاتحاد السوفييتي أدى إلى تزعزع ثقة طوكيو في «الفوهرر» لـ«الرايخ الثالث»
وحول إمكانية إعادة النظر بالبروتوكولات السرية لمعاهدة عدم الاعتداء بين الاتحاد السوفييتي وألمانيا في ظل الظروف الدولية الجديدة، ولاسيما أن مجلس نواب الشعب في الاتحاد السوفييتي كان أدان هذه البروتوكولات بتاريخ 24 كانون الأول عام 1989، أكد إيفانوف إمكانية حصول ذلك، فروسيا كدولة تعتبر خليفة للاتحاد السوفييتي، لديها الفرصة للقيام بذلك، حيث عانت الفعل من جميع الآثار السلبية لاعتماد هذا القرار، لأنه خدم قضية نزع سلاحها الدبلوماسي والإيديولوجي والفعلي أمام الغرب في عصر «البيريسترويكا» وفي تسعينيات القرن الماضي. أما في الوقت الحاضر فإنه لا ينبغي أن يكون هناك اندفاع في هذا الشأن.
واعتبر إيفـــانوف أنــــه يمكـــن للمؤرخــين والمحامـــين دراسة الموقف وإصدار حكمهم مهما اســـتغرق الأمر، وعلى أســاسه، فإن المجتمـــع الروســــي سواء بشــكل مســـتقل أو من خلال التمثيـــل القانــوني، سوف يقـــرر كيفيـــة الارتباط بالبروتوكولات السرية للاتفاقية، أو فيما إذا كان سيتم إلغاء قرار مجلس نواب الشعب وفقاً لهذه القضية.
إيفانوف تناول قضية التوجهات الغربية السلبية المستمرة عبر الأفلام السينمائية ضد روسيا، حيث جرى إنتاج الكثير من الأفلام التي لا تسوق للحقائق، وتعرض بشكل مباشر أو غير مباشر روسيا والاتحاد السوفييتي بطريقة سلبية، واعتبر إيفانوف أن هذه الأفلام موجهة ضد روسيا بالتأكيد، ولكنها أيضا ناجحة تجارياً، ففي كثير من الأحيان، فإن الطلب على مثل هذه الأفلام من قبل الجمهور الغربي يسمح باسترداد تكلفة إنتاجها بسبب التوزيع الواسع، «وإن كان من الممكن كتابة سيناريو جيد لـ«ميونيخ – 1938» أو لبعض الحقائق الأخرى وتطبيقه تجارياً بنجاح، فلماذا لا، لكن إنتاج فيلم سينمائي باهظ الثمن، فقط لطعن شخص ما في الغرب، هو هدف لا يبرر الوسائل».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن