لأول مرة منذ اندلاع الحرب على سورية.. الدولار يتجاوز 660 ليرة في السوق السوداء … اقتصاديو سورية وإجابات مختلفة: ضرب المضاربين وتجريم حيازة وتداول القطع .. انسحاب الدولة من تمويل الاستيراد.. قرض بالدولار من رجال الأعمال.. تقييد السيولة لشهر وتفعيل الدفع الاكتروني
| علي نزار الآغا
تباينت أسعار صرف الدولار أمام الليرة السورية في السوق السوداء مع فوارق ليست قليلة بين ما يتم تداوله في السوق، وما يتم تداوله عبر صفحات «الفيسبوك» وتطبيقات «الموبايل» الخاصة بسعر الصرف، إلا أن الثابت أنه تجاوز مستوى 660 ليرة للدولار نهار أمس، وذلك للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب على سورية وسط انخفاض في العرض وزيادة في الطلب، وذلك لأسباب يجزم الكثير من الاقتصاديين اليوم ممن تحدثت إليهم «الوطن» بأنها غير معروفة، منوهين بأن التحليلات التي تم تدولها سابقاً أثبتت فشلها أو افتقارها للمعلومات الحقيقية.
إلى ذلك، تتوجه «الوطن» في هذه المادة الصحفية لاستقطاب آراء الاقتصاديين حول المقترحات التي يمكن أن تتبع حالياً لضبط سوق الصرف، والبداية مع مدير عام المصرف العقاري مدين علي، الذي اقترح اتخاذ إجراءات جزائية بحق من يثبت تورطه بالمضاربة بالدولار سواء كان بنوكاً أم أشخاصاً أم فعاليات، وإعادة النظر بسياسة تمويل الاستيراد، وربما الانسحاب منها وترك الموضوع للقطاع الخاص، مع وضع قيود صارمة ومتشددة على الاستيراد إلا للحاجة القصوى.
كما اقترح فرض قرض إلزامي بالدولار على كبار التجار والمتمولين ورجال المال والأعمال الجدد، ومصادرة أموال من يرفض مساعدة الدولة بقرض بالدولار.
أما نقيب المهن المالية والمحاسبية زهير التيناوي، فقد رأى أن الحلّ السريع والإسعافي حالياً هو «ضرب المضاربين» ومراقبة عمليات التداول في السوق الموازية «السوداء»، بشكل دقيق، منوهاً بأن هذا الحلّ ليس الأمثل، لكنه المطلوب قياساً إلى الظرف الراهن، إذ إنه من الضروري اليوم «ضبط الشقيعة الذين يتلاعبون بالدولار وبمصير البلد».
وشدّد على أن الإجراءات المنوط بها لتحسين قيمة الليرة معقدة ومربكة، وخاصة أن الإجراءات السابقة مثل شهادات الإيداع لم تثمر أبداً بحكم الواقع.
تجريم الحيازة والتداول
عضو لجنة مشروع قانون حماية الليرة القانوني عمار يوسف اقترح ضبط سوق الصرف بشكل عاجل وفوري وجاد، حمايةً للمواطنين أصحاب القوة الشرائية الضعيفة جداً، مطالباً بتجريم حيازة وتداول الدولار خارج الأقنية الرسمية، وفقاً للقوانين التي كان معمولاً بها خلال ثمانينيات القرن الماضي، موضحاً أن الظرف الحالي هو حرب، وبالتالي فإن اقتصاد الحرب هو الواجب التطبيق، وعليه فإن طريقة تعامل الدولة مع سوق الصرف في الثمانينات توجب اعتمادها اليوم.
وطالب في تصريح لـ«الوطن» بإغلاق شركات ومكاتب الصرافة، وحصر التعامل بالدولار للحاجة الأساسية، عن طريق الدولة، بشكل كامل، وضبط من يهرب الدولار، لأي كمية كانت.
وعن مشروع القانون، بين أنه «نائم في أدراج الحكومة»، علماً بأن العمل فيه بدأ منذ العام 2013، لكنه لم يقرّ حتى اليوم، لذا لم يعد ينفع اليوم، «ونحن بحاجة لقانون أشد، يجرم من يتداول ويحوز القطع الأجنبي».
كذلك الأمر، اقترح الأستاذ بكلية الاقتصاد الدكتور شفيق عربش عبر «الوطن» تنفيذ حملة كبيرة على تجار السوق السوداء، وخاصة أن هناك أموالاً بالقطع الأجنبي تهرّب يومياً خارج البلد، منوهاَ بأن «السوق السوداء أصبحت أقوى من السلطة النقدية في البلد».
بالترافق مع تلك الحملة، اقترح عربش تعيين أشخاص قادرين على وضع السياسات في المناصب الاقتصادية، من أهل الاختصاص ذوي الكفاءات الحقيقية، منوهاً بأنه رغم إحداث تغيير في إدارة المصرف المركزي والمصارف الحكومية، إلا أن شيئاً لم يتغير في السياسات على أرض الواقع.
وشدّد على أن الدعم الحقيقي لليرة هو الإنتاج والتصدير، لذا فإن انطلاق العجلة الإنتاجية بشكل قوي هو العامل الأشد تأثيراً في تحسن قيمة الليرة.
تقشف
اقترح الخبير المصرفي سليمان البرّي ضبط تعاملات السوق الموازية «السوداء» من خلال تصميم برنامج خاص لتداول القطع الأجنبي أمام الليرة السوريةـ يكون مخصصاً للسوق المحلية، وبمراقبة مصرف سورية المركزي، بحيث يصبح قادراً على معرفة كل دولار كيف يتحرك في السوق، يترافق ذلك مع تسهيل إجراءات الترخيص النظامي لشركات ومكاتب الصرافة، وإلزامها بالعمل وفقاً لبرنامج التداول المقترح.
كما تحدث البرّي لـ«الوطن» عن ضرورة معالجة موضوع التهريب، الذي يمول من السوق السوداء، ويشكل ضغطاً على الليرة السورية، وذلك إما بالسماح بإدخال المهربات بشكل نظامي، مع فرض رسوم جمركية عالية عليها، أو بمكافحة التهريب بشكل حقيقي.
واقترح البري التقشف أكثر في الاستيراد، بالترافق مع زيادة وتيرة تنفيذ سياسة إحلال المستوردات، وتشجيع الصناعات الوطنية، وتقديم القروض الميسّرة للصناعيين، وتشجيع كل مصادر القطع الأجنبي مثل السياحة، بمختلف أشكالها، وفرض تصريف مبلغ محدد بالسعر الرسمي على القادمين إلى سورية.
بدوره، لفت نائب رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق عمار البردان إلى أن السبب الحقيقي لارتفاع الدولار (انخفاض قيمة الليرة) غير معروف حتى الآن، وهو ليس وهمياً، وخاصة أن حجم المستوردات يتراجع، والصادرات تزداد، بحسب التصريحات الرسمية، ما يزيد حالة الاستغراب مما يحدث في سوق الصرف.
واقترح البردان عبر «الوطن» تدخل المصرف المركزي في سوق الصرف بشكل انسيابي وسرّي، بمعنى؛ عدم الإعلان عن الجلسات والكميات والشركات التي سيتم التدخل عن طريقها، لكي لا يستغلها المضاربون، لسحب أموال التدخل لمصلحتهم.
أما مقترحات الباحث في الشأن الاقتصادي شادي أحمد فقد تضمنت تعديل رواتب الموظفين السوريين بموجب متوسط ارتفاع أو انخفاض سعر الدولار كل ثلاثة أشهر، وتفعيل مؤسسات التدخل بشكل حقيقي وليس ريعياً لتأمين حاجات الأسرة السورية، وتوسيع السلع المشمولة بالبطاقة التموينية لتشمل 19 مادة أساسية للمواطن السوري وبسعر مدعوم لأناس غير مدعومين، ومحاربة الفاسدين والمقصرين.
خطة مقترحة
أكاديمي وخبير مالي ونقدي (فضَل عدم ذكر اسمه) اقترح خطة ترتكز على تفعيل أدوات السياسة النقدية في عدة نقاط لضبط سعر الصرف.
وتبدأ الخطة على الأمد قصير الأجل، مستهدفة تدعيم عامل الثقة وإحساس المتعاملين في سوق الصرف بوجود تدخل قوي وفعال وممنهج للسلطة النقدية، بحيث يجب على البنك المركزي تخفيض تقلبات أسعار الصرف من خلال الوسيلة الوحيدة المتوفرة لديه حالياً وهو التحكم بالكتلة النقدية، وهناك إجرائان ضروريان يجب الوصول إليهما في نهاية هذه الفترة.
ويجب التركيز في هذه المرحلة على تدعيم الموقف المالي للمصارف، لأن حلّ مشكلة سيولة المصارف وتخفيف القيود عليها إجراء ضروري لدعم المصارف وحمايتها.
ولابد بداية من إحداث صدمة إيجابية في سوق الصرف، تعطي إشارة واضحة للمتعاملين بقدرة المركزي على ضبط السوق، ولكونه صانعاً للسياسات وليس لاعباً أساسياً في السوق، وعليه يجب التوجه إلى تقييد السيولة كمياً لمدة لا تزيد عن شهر واحد، بحيث يتم تقييد السيولة النقدية (الكاش) وتخفيض عرضها وزيادة الطلب عليها، هذا الإجراء من شأنه إيقاف الارتفاع الحاصل في سعر الصرف وزيادة الطلب على الليرة السورية.
وتظهر فكرة إصدار سندات وأذونات الخزينة كحل يمكن به توظيف تلك السيولة في حل مشكلة العجز الكبير في الموازنة، بشكل لا يكلف الاقتصاد المزيد من التضخم، ولكن ضمن معدل التضخم الكبير سيكون تحديد الفائدة على تلك السندات والأذونات ضمن مستوى عالي نسبياً، فيمكن مبدئياً إصدار سندات طويلة الأجل (أكثر من خمس سنوات) تذهب لوزارة المالية لسد العجز وتستخدم لأهداف خاصة بإعادة الأعمار، وتتمتع بمزايا خاصة كالإعفاء من الضرائب والرسوم.
ويجب في الوقت نفسه تفعيل سياسة الفوائد على القروض خاصة ذات الطبيعة الإنتاجية، لتناسب مستويات الإنتاج المستهدفة في بداية فترة إعادة البناء، ما يستدعي تخفيض معدل الاحتياطي الإلزامي للمصارف بشكل متناسب مع ما تمنحه المصارف من قروض إنتاجية، بحيث لا يتحمل المصرف الخاص أو العام تكلفه دعم القرض الإنتاجي أو الرأسمالي، بل يعطى امتيازات خاصة متعلقة بالاحتياطي الإلزامي متناسبة مع كتلة القروض الإنتاجية لديه.
بالإضافة إلى إعادة هيكلة السلطة النقدية والبنك المركزي، وفصل السلطات لدى المصرف المركزي، واتباع قواعد الحوكمة بالعمل الرقابي والنقدي وتفعيل مجلس النقد بصورة حقيقية وليس بصورة اسمية.
أما على الأمد طويل الأجل، حيث الهدف تفعيل الاستثمار وزيادة الإنتاج من خلال تشجيع قنوات الاستثمار وتعزيز الفرص الاستثمارية، فيجب التركيز على تفعيل أدوات السياسة النقدية بشكل أكبر، بالطريقة التي تسمح للدولة التأثير في السوق المالي، من خلال تفعيل سوق الأوراق المالية الحكومية، وإصدار سندات وأذونات الخزينة عندما ينخفض معدل التضخم لحدود معقولة تسمح بتحديد معدلات فائدة منطقية عليها، العمل على تفعيل سوق العمليات المفتوحة للتحكم بالعرض النقدي من خلال السوق الثانوية.
بالإضافة إلى الإسراع في تركيب منظومة الدفع الالكتروني لتقييد السيولة خارج الإطار الرسمي.
إذاً في البداية يجب التوقف عن التمويل بالعجز لتمويل عجز الموازنة وبالتالي حل أولي لمشاكل التضخم والسيولة المصرفية، أي سد عجز الموازنة بطرق تمويلية غير تضخمية، وبنفس الوقت حل مشكلة السيولة الكبيرة في المصارف، وتحسين الإنتاج عن طريق العمل على تحديد مستويات فائدة تناسب مستويات الإنتاج، وتخفيف التحكم بالكتلة النقدية عن طريق تفعيل عمليات السوق المفتوحة، ما يؤثر على مستويات التضخم وتخفيضها، ويصب جميعاً في مستويات أسعار الصرف واستقرارها.