من دفتر الوطن

صفقوا تصحوا!!

| عصام داري

كنت على الدوام لا أحب التصفيق كثيراً، بل لا أحبه بالمرة، وأعترف أنني عندما كنت أضطر للمجاملة فأصفق بنعومة بالغة بحيث لا يصدر عن هذا التصفيق أي صوت. وكنت أتساءل: ما الأسباب التي تجعل الناس تصفق في المهرجانات الخطابية والمسارح والملاعب، أي في المناسبات السياسية والوطنية والفنية والرياضية، وما المتعة التي يجنيها المصفقون والمصفقات جراء هذا التصفيق؟!
هذا الأمر جعلني أبحث عن أصول التصفيق، فتبين لي أنه (ابن أصل) وله تاريخ عريق أكثر مما تتوقعون، وكان في مرحلة قديمة مهنة مأجورة يتقاضى المصفق عليها أجراً معلوماً!
ولأن الأمر كذلك قررت اليوم أن أصفق لكم جميعاً، وأقدم بعض المعلومات عن التصفيق وتاريخه وفوائده التي يجهلها الكثيرون.
يبدو أن التصفيق قديم قدم البشرية نفسها، ولاحظوا معي أن الأطفال الرضّع يصفقون قبل أن ينطقوا بالحرف الأول، تعبيراً عن الفرح والرضا والسعادة، وهذا دليل على أن التصفيق ليس عادة مكتسبة بل متأصلة في السلوك الإنساني.
يقول الباحثون – تصوروا هناك باحثون في التصفيق – يقولون: إن التصفيق عُرِف لأول مرة في القرن الثالث قبل الميلاد في مسرحيات الكاتب المسرحي الروماني بلاوتوس للدلالة على الاستحسان والرضا، بل الطريف في الأمر أن المصادر التاريخية تذكر أن الإمبراطور نيرون طاغية روما الشهير(37 -68م)، كان مولعاً بالتصفيق، وهو أول من أسس مدرسة للتصفيق في التاريخ، وأنه كان يأمر نحو خمسة آلاف جندي وفارس من أفراد الجيش بحضور الحفلات الموسيقية التي كان يـُغني فيها شخصياً وهو يعزف على القيثارة، ليصفقوا له بعد أن ينتهي من الغناء والعزف!
كما عرفت الحضارة اليونانية ثقافة التصفيق، حيث كان التصفيق عندهم وسيلة إظهار استحسان الجمهور وإعجابهم بالعروض المسرحية أو الموسيقية أو الغنائية التي يشاهدونها، بل إن اليونانيين، ربما كانوا من أقدم الشعوب التي عرفت مهنة المصفق المأجور، أي الشخص الذي يحصل على مقابل مادي نظير التصفيق المتحمس لمسرحية معينة أو أداء موسيقي ما.
بالمقابل يقول بعض المؤرخين إن التصفيق ظهر في بعض المجتمعات القديمة، كمجتمع الفراعنة، حيث عثر على كثير من النقوش القديمة تظهر المصريين وهم يصفقون، وقد كان التصفيق في مصر الفرعونية أداة الإيقاع الأساسية.
وفي فترة مبكرة من تاريخ المسيحية، اعتاد المسيحيون التصفيق للوعاظ الشعبيين استحساناً لبلاغتهم أو أدائـهم، وغالباً ما كان التصفيق يحدث في الكنائس ضمن سياقين رئيسين: التصفيق الإيقاعي أثناء أناشيد الزواج وحفلات التعميد، والتصفيق الدال على التقدير والإعجاب، كما هو الحال عند تكريم البعض أو إثر قول حسن أثناء الوعظ.
لكن الشيء المثير هو أن للتصفيق فوائد كثيرة صعب تعدادها في هذه المساحة المحدودة، لذا سأختصرها بعناوين بسيطة، وصحيحة ومثبتة علمياً وليست مزحة.
فالتصفيق ينشط الدورة الدموية ويحسنها، ويخفف الكثير من الآلام المتعلقة بالأعصاب والجهاز العصبي ويفيد العينين والدماغ ويمنع الرعاف المتكرر ويعالج التهاب الجيوب الأنفية، لكنه لا يستطيع معالجة الجيوب المثقوبة التي لا تعمر فيها النقود كثيراً، فصفقوا أصدقائي تصحوا!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن