قضايا وآراء

إحباط «المنطقة الآمنة»

| تحسين الحلبي

يكشف مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد أبحاث السياسة الخارجية الأميركية آرون شتاين في تحليل موسع في مجلة «وور أون ذاروكس» أن محادثات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول المنطقة الآمنة في شمال شرق سورية بدأت في كانون الأول عام 2018 وبطريقة غريبة، فقد تحدى ترامب المستشارين الأميركيين أثناء مكالمة هاتفية مع أردوغان ووافق على ما طلبه أردوغان وهو مشاركته في حماية منطقة آمنة على طول حدود تلك المنطقة مع تركيا وهذا يعني زيادة مهام الوحدات الأميركية بمهمة جديدة هي حماية حدود تركيا من سورية بمشاركة تركية، إضافة إلى تقديم الدعم التام العسكري والمالي والسياسي للقادة الأكراد الذين وافقوا على وظيفتهم التي حددتها لهم الولايات المتحدة باتفاق هذه المرة مع أردوغان بعد التوقيع على اتفاقية الدوريات المشتركة على الحدود السورية التركية.
وبهذه الطريقة أراد الطرفان، ترامب وأردوغان، منح مظلة سياسية وعسكرية لبعض قادة أكراد سورية وتوظيفهم بشكل مشترك هذه المرة ضد الجيش السوري والدولة السورية التي تعد الأطراف الثلاثة معتدين ومنتهكين لسيادة سورية وأراضيها وهذا ما يتطلب منها حماية أراضيها وشعبها وسيادتها.
ولسورية كامل الحق في العمل على إخراج القوات الأميركية والتركية المحتلة لجزء من أراضيها وكامل الحق في نزع كل سلاح غير شرعي فوق أراضيها وبسط إدارتها على كامل المنطقة التي انتهكت سيادتها ولاشك أن اتفاق ترامب أردوغان يحمل معه عدداً من الاستنتاجات الواضحة، فهو يعني أولاً: أن تحالف أردوغان مع الولايات المتحدة ثابت وإن اختلفت بعض مظاهره العلنية وأن مثل هذا التحالف فوق الأراضي السورية سيدفع مصالح الطرفين الأميركي والتركي إلى التناقض التناحري الحاد مع مصلحة حلفاء سورية وبرنامجها الثابت في حماية سيادة الأراضي السورية وإخراج جميع القوات غير الشرعية وتصفية وجود المجموعات الإرهابية ونزع أسلحة كل أشكال المعارضات المسلحة.
ثانياً: يبدو من الواضح أن المكالمة الهاتفية التي كشفت عنها شتاين بين ترامب وأردوغان في كانون الأول 2018 كانت بمبادرة أردوغان لكي يطلب من ترامب عدم سحب قواته من شمال شرق سورية وقبول مشاركة تلك القوات مع الجيش التركي في حماية الحدود، لأن أردوغان يعتبر الوجود الأميركي مفيداً له رغم الدور الذي يقوم به بحماية القادة الأكراد المتحالفين مع واشنطن، والدليل على ذلك أن أردوغان يسعى الآن إلى التحالف مع القادة الأكراد السوريين أنفسهم الذين كان يعدهم من الإرهابيين، ومثل هذا الموقف تعوَّد عليه أردوغان حين كان يقول إنه يحارب داعش وجبهة النصرة والقاعدة ثم تبين علناً أنه كان يدعمهم ضد الجيش السوري وسيادة سورية.
يبدو أن آخر مكالمة هاتفية جرت بين أردوغان وترامب قبل عشرة أيام كانت تتعلق بمنطقة إدلب التي صمم الجيش السوري وحلفاؤه على تطهيرها من الإرهابيين، فأردوغان يعرف أن نسبة من اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا جاؤوا من إدلب وقراها قبل سنوات وهم يتطلعون إلى العودة إليها بعد تحريرها من الإرهابيين ولذلك من المتوقع أن يفرض على اللاجئين السوريين في تركيا الإقامة في مناطق سورية يديرها جيش الاحتلال التركي لكي يعمل على فرض تغيير ديمغرافي يخدم مصلحته التوسعية والعدوانية في سورية، وإذا كان أردوغان يعمل منذ فترة على إبراز نفسه داعماً للإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية فإنه لن يتمكن من المحافظة على علاقاته الخارجية مع روسيا وغيرها من الدول التي تعد دعمه لهذه التيارات متناقضاً مع مصالح حلفاء سورية وضد سورية.
ولذلك هناك من يرى أن خسارته لإدلب واستعادة الجيش السوري لها ستوجه لحلفائه المحليين ضربة قاسية تجعله يفقد عدداً من الأوراق في شمال سورية، وفي النهاية سيجد بعض قادة الأكراد المدعومين من واشنطن أنهم خاسرون إذا ازداد تحالف أردوغان مع ترامب، وخاسرون أيضاً حين يجدون أنفسهم حلفاء لترامب وأردوغان معاً لأن الجيش السوري وحلفاءه سيضعون في مقدمة أولويات جدول عملهم بعد تحرير إدلب التوجه نحو بقية المناطق التي يحتلها أردوغان وترامب، فسورية لن تسمح بتطبيق اتفاقية ترامب وأردوغان هذه ولا باستمرارها مهما كانت الظروف، فالزمن يعمل لمصلحة سورية وحلفائها بعد الانتصار على المجموعات الإرهابية وتزايد قدرة هذا التحالف على استكمال أهدافه في حماية الأراضي السورية وإخراج جميع القوات الغازية منها والمحافظة على سيادة حدودها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن