ثقافة وفن

المسرح عشق وحب… بل أمنية أطمح إليها … عروة العربي لـ«الوطن»: «طمِّيمة» عرض حقق معادلة جماهيرية فنية… وقدم حكاية في إطار من التشويق

| سوسن صيداوي - ت: طارق السعدوني

صدق وكذب، حب وخيانة، شوق وفراق، خوف وأمان… تناقضات يُزاد إليها الكثير من المشاعر والانفعالات التي شحذت الشخصيات، بنزق حاد لمواجهة ما فرضه الواقع، بدقائق شهَرت الحقيقة العارية من أي تشوهات، في العرض المسرحي الواقعي (طمِّيمة) إخراج عروة العربي ونص: شادي كيوان. من تمثيل: كفاح الخوص، أكرم الشعراني، يزن الخليل، مرح حجاز، مرح حسن، ضمن إقبال ومتابعة من الجمهور إلى مسرح القباني الحاضن للعرض في غمرة من الأجواء المتنوعة.. وللمزيد حول العرض إليكم التفاصيل.

ما شاهدناه
تحكي القصة الـ (الطمِّيمة) عن حال الكثيرين وجسّدت صراعات وانفعالات في وجه الحقيقة التي نختبئ دائماً منها. لقد بدأت الأحداث بالمرح بين قلبين، وعندما اعترف سيف (يزن الخليل) بحبه لـليلى (مرح حسن) فاجأته الأخيرة بالتخوين كونها خطيبة صديقه الصدوق طارق (كفاح الخوص) المغترب في ألمانيا، لكنها عادت لتحتضنه بالبكاء مبادلة إياه بالاعتراف. من هنا الأحداث تذهب نحو التصاعد ليأتي ومن دون ميعاد حسام (كرم الشعراني) فارضاً نفسه، مما دفع سيف كي يخبّئ ليلى داخل الخزانة، وتتسلسل المفاجآت بعودة طارق وتحضيره لعيد ميلاد سيف مع إحضار حبيبة سيف السابقة نايا (مرح حجاز) التي تصدمه بعد صدّه لها، بأنها على علم تام بعلاقته بـ (ليلى) خطيبة صديقه طارق. غضب، خوف، صراخ، ضحك تتماوج في غرفة بسيطة-الديكور محمد كامل-جسّدت فيها قهر الحال وبشاعة الحرب ووجعها الباقي ضمن صناديق جمعت ما تبقى من عمر مضى لبيت عائلة سيف قبل أن تدمره الحرب. العناصر كلّها مدروسة، فالحركات وحتى الكلام في الحوار- لنص شادي كيوان- كان جريئاً وبمكانه، وحتى المؤثرات الصوتية والإضاءة والأزياء، اجتمعت كي تكمّل العرض بمشاهدة بصرية وسمعية فعلت فعلها، في سياق حدوتة شدّت الجمهور رغم قساوة الحر المفروض، كون التكييف يؤثر سلباً على صوت الممثلين. الجمهور تابع، اندهش، صفق وضحك، ولم يخبّئ شهقاته من المفاجآت التي بقيت آسرة له حتى اللحظة الأخيرة من عرض الحقائق التي تكشّفت بعد الاختباء منها، وكما نقول في لعبة الطمِّيمة (فتّح ورد الجوري الأحمر) ، كناية لإظهار نفسها والكشف عن مخبئنا في هذه اللعبة.

حكاية مؤثرة
يرغب دائماً المخرج عروة العربي بأن يكون رقماً صعباً في المسرح السوري حتى لو طالت غيبته عن الخشبة، فهو جاد في بحثه عن نص يقدم للجمهور حكاية مؤثرة، وفي تصريح خاص لـ (الوطـن) يقول: «بصراحة ليس من الضروري أن أقيم عرضاً، بقدر اهتمامي ورغبتي بالمادة التي سنقدمها، وبماذا ستخبر الجمهور الذي يأتي إلينا كي يشاهد، هذا كلّه على الرغم من أن المسرح هو عشق وحب، بل أمنية أسعى وأطمح إليها بإقامة العروض. وصحيح أنني أبتعد مدة طويلة وممكن أن تصل نحو أربع سنوات، ولكنني- والحمد لله-أعود بعد أن أجد نصاً يحقق معادلة جماهيرية فنية، وخصوصاً في هذا الوقت حيث تكون العروض إما فنية موجهة لنخبة من المثقفين، وإما عروضاً جماهيرية مبتذلة. ولكن وبالعودة للحديث عن عرض (طمِّيمة) نحن نقدم حكاية فيها تشويق ومتعة، وفيها من الكلام الثقيل نوعاً ما، مع طرح لبعض الحقائق الواقعية التي نعاني ونتوجع كثيراً بإخفائها، ولكننا استطعنا أن نمسك انتباه الجمهور طوال العرض، في انتظاره لخروج ليلى المختبئة في الخزانة، نحن استغللنا هذا الوضع واستطعنا أن نخبرهم بحقائق هي أهم بكثير من فكرة الخزانة». متابعاً المخرج بأنه بعد أن صدَق إحساسه في حسن ودقة اختياره، سيبقى متأنياً مع الأيام القادمة كي يبقى محققاً لهدفه المعتاد من عروضه المسرحية: «لابد لي من القول بأنه مع نص شادي كيوان وإنجاز عرض مسرحية (طمِّيمة) وأيضاً ومن خلال إقبال الجمهور، بدأت بالتفكير بالمرحلة القادمة، وربما سأنتظر لسنوات عديدة أخرى، حتى أجد نصاً قادراً على ملامسة الناس وجذبهم كي يبقوا بالمسرح رغم الحرارة المرتفعة، بسبب إطفائنا لأجهزة التكييف، التي تؤثر على صوت الممثلين. إذاً عرض الحكاية جذب الحضور حتى الذي قرر المشاهدة ولم يحصل على مقعد. وهنا أختم بأننا يجب أن نعود إلى عرض الحكاية، فالجمهور بحاجة إليه، والحمد لله إحساسي كان صادقاً وبمحله، وهذا ما استنتجته من خلال الإقبال خلال أيام العرض المتتالية».

الالتحاق بخشبة المسرح
بداية أخبرنا الممثل كفاح الخوص عن دوره في العرض، داعياً الممثلين الشباب للالتحاق بخشبة المسرح، ليقول «أنا أؤدي دور (طارق) و هو شاب يغادر البلد بسبب الحرب، ليعود إليها بعد وداعه لروتين الحياة البعيد عن أي أحداث، متفاجئاً بهول الأحداث التي تصدمه بمجرد وصوله وهبوط طائرته في مطار دمشق الدولي، وبصراحة هذه أول مرة ألعب فيها شخصية تجسّد بعداً نفسياً عالي المستوى، كما فيها مجهود كبير مع ظروف المسرح، والحمد لله أنني وفّقت. واليوم ومن خلال مسرحية (طمّيمة) أدعو الممثلين الشباب بأن يقتربوا من خشبة المسرح ويفكروا في المشاركة، بشرط أن يكونوا حقيقيين وخصوصاً أن المسرح الواقعي لا يختلف عن حياتنا بحقيقتها. إذاً علينا أن نقول الحقيقة وأن نتمسك بالصدق، وعلى الخصوص في هذه الفترة التي نمرّ بها والتي تشهد التغييب للحقائق، وأخيراً فالحرب لا تصنع حضارة، بل الفن هو من يصنعها».

عينة من المجتمع
في حين تحدثت الممثلة مرح حجاز عن شخصية (نايا) التي تجسد خلالها حالة اجتماعية متكررة بين الكثير من الشابات والشبان، في حب يجمع قلبين ينتميان إلى طائفتين مختلفتين، وعن الصراع أو الخذلان، وما بين الاستمرار والفراق وفق العادات، وفي تصريحها تتابع «شخصية (نايا) تقلب الأحداث بدخولها المفاجئ، وتصعّد المشهد بينها وبين (سيف) من جهة وبينها وبين أصدقائه (طارق وحسام). وبالطبع أنا أمثل فئة معينة من المجتمع، فتاة مظلومة وظالمة في آن واحد، وهذا ما جذبني إلى الشخصية المنبثقة من صميم الواقع».

الاختبار والصراع
في حين لفتت الممثلة مرح حسن بأنها هي من أدارت الصراع في الحكاية، رغم بقائها مختبئة في الخزانة حتى نهاية العرض، وهو الأمر الذي جعل الجمهور في حالة من الترقب مع كل حدث كي تخرج لتدافع عن نفسها، فتتابع حسن «بداية العمل المسرحي الواقعي هو من أصعب المدارس، كون المشاهد لا يشعر بأننا نمثل، بل نحن ناس حقيقيون على الخشبة وهو موجود معنا في الغرفة التي تحصل فيها كل أحداث المسرحية. أما بالنسبة لـ(ليلى) فهي شخصية تأثيرها قوي، كما تشكل محور المسرحية، فشخصيتها حاضرة وغائبة، وهي تخلق صراعاً على الخشبة على الرغم من عدم وجودها الظاهر، بل اختبائها في خزانة الملابس، ومن خلال شخصية (ليلى) تسقط كل الأقنعة وتنكشف الحقائق المخبأة».
وأضافت حسن بأن التجربة مهمة وخاصة أنها الأولى بعد التخرج، ولأنها تمثل أمام أساتذتها في المعهد العالي للفنون المسرحية.

والشخصية المركبة
من جانبه حدثنا الممثل يزن الخليل بأن شخصية (سيف) لم تكن سهلة، بل هي من الشخصيات التي يستهويها كونها تتطلب منه الكثير من الجهد لتركيبها كي تظهر بالشكل الذي يؤديه على المسرح، مضيفاً «هناك عدة عوامل جذبتني في النص، وأهمها الظروف التي تسيطر على (سيف) من ترك حبيبته (نايا) له ورفضها للهروب معه، إلى حبه الجديد (ليلى) وهي خطيبة صديقه الصدوق، إضافة إلى آثار الحرب المدمرة، وإلى الكثير من الظروف التي تحمل المفاجآت خلال العرض. وصحيح أن الشخصية متعبة جداً، إلا أنني أحب هذا النوع من الشخصيات لأنها تتطلب مني البحث لأقوم بتركيبها وبالتالي تجسيدها، ولكن التعب يهون عندما نلمس استمتاع الجمهور وإقباله لمشاهدة العرض. وبقي أن أذكر بأن عرض (طمِّيمة) قائم على فكرة التمثيل، لذا كان العمل ممتعاً جداً، وكذلك التعامل مع المخرج عروة العربي الذي يتمتع بذكاء، مع علاقة قوية بالحياة تمكنه من التصدي لهذا النوع من النصوص، ضمن شراكة جميلة أمتعت المشاهد».

التوظيف والمؤثرات
وحول تغذية الذاكرة البصرية للمتلقي لابدّ أن يرافقها ما يساهم في التوظيف لتعزيزها، ومن هنا جاء دور المؤثرات السمعية مع البصرية لتحقيق الإبهار المطلوب، وحول توظيف المؤثرات السمعية أخبرتنا حنان سارة عن التقنيات المستخدمة في تصريح: «في الحقيقة أول ما يلتقطه المشاهد، هو الصورة ويأتي بعده الصوت لتثبيتها وتحقيق التأثير المطلوب. وبما أن العمل واقعي، لم يكن هناك حضور للموسيقا التي لها حضور قوي في الأعمال الدرامية، وبالتالي كان البديل منها المؤثرات الصوتية، التي عليّ تقديمها بطريقة تقرّب المشاهد من الواقع المطروح في العرض قدر الإمكان، مما دفعني إلى توظيف العناصر في هذا المجال، وحاولت استغلالها في المكان عبر تقنيات تجعل الجمهور يسمع الأجواء من قلب الغرفة (الديكور المسرحي) وليس من الصالة، ومن خلال العرض أقدم الكثير من التفاصيل مثل:فتح الباب ونقط ماء المطر المتساقطة من سطح الغرفة الدالف، ورنّات الهواتف النقالة للممثلين، وأخيراً صوت المطر المنهمر في الخارج، الذي يمّثل الصراع بين الشخصيات، بمعنى كان يشتد انهماره أكثر مع احتداد النقاش بين الشخصيات».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن