اقتصاد

الحاجز الشرقي

| علي محمود هاشم

ثمة أهداف معلنة للحرب على سورية، شقها الاقتصادي تطلّع بشغف «شايلوكيّ» إلى إعادة إنتاج الحاجز الغربي الفاصل بين عمق آسيا وشواطئ البحر المتوسط، ما دام الغرب لم يستطع الإقباض عليه بشكل صارم.
على هذه الأرضية، يمكن فهم متوالية الأخبار الغامضة حول افتتاح معبر «البوكمال- القائم» وتأجيله، فمع إخفاق الحرب الإرهابية على سورية والعراق، تصاعدت حظوظ المنتصرين لاستعادة حقوقهم التاريخية بين جناحي «سوراقيا» التي كلما نجحت عبر تاريخها الطويل في هدم حاجز، انبرى المتضررون من المهيمنين على الممرات البديلة إلى إطلاق جدران أخرى وكل منها بنكهة: من الانقلابية والعرقية والمذهبية إلى أهلّة «الخلافة» الوظيفية وكل ما يمكن وما لا يمكن استعماله في سياق إنتاج «سوراقيا» تائهة مشرذمة المصالح تحت المجهر الإستراتيجي.
هذا الأسبوع، تناوبت أخبار افتتاح المعبر وتأجيله مرة جديدة…
لا أحد يمكنه فهم الأسباب التي تجعل من استكمال بضع غرف مسبقة الصنع لزوم اللوجستيات التقليدية على معبر القائم، بحاجة لكل تلك الترتيبات والمواعيد السائلة، كما لم يعد النشاط الداعشي الذي تم تجديده مؤخراً قابلا للاستعمال مجدداً للإيحاء بالظروف الأمنية القاهرة، وخاصة بعدما شهد معبر «طريبيل» العراقي الأردني جنوبا، تطورا دراماتيكيا جسده استئناف تمرير النفط القادم من آبار كركوك رغم أنه المعبر الذي طالما شكل أعقد بيئة أمنية يواجهها العراق غرب الأنبار وحاضن الدولة الداعشية منذ توليد نسختها الأولى بدايات القرن الحالي!.. أما شمالا، ورغم الخلافات العميقة على تقاسم عائدات الثروات النفطية والشكوك السيادية المبرهنة حيال ممارسات إقليم كردستان على الصعيد الوطني، إلا أن ذلك لم يحل دون إعلان الحكومة العراقية قبل أيام عن إطلاق سلسلة من أنابيب النفط الواصلة من كركوك نحو ميناء جيهان التركي.
بغض النظر عما يمكن تصوّره حيال بنية الولاءات داخل الكيان العراقي، فقد تكون الإجابة عن أسباب تبطل المعابر السورية العراقية أحد أسهل الأسئلة التي للمرء أن يواجهها، فعلى السواتر الرملية الحدودية التي تم تحريرها بالدماء، ما زالت بريطانيا تراكم جثث أهدافها الفاشلة من وراء الحرب الإرهابية على سورية والعراق، إلا أن ذلك لن يحول دون افتتاح المعبر وخاصة بعدما منيت إمبراطورية التاج بذلك العيار من الهزائم التاريخية في المضائق المائية، واضطرارها إلى افتضاح هيمنتها على القنوات الملاحية العربية التي طالما كانت لها اليد العليا في قرارتها.
لا بل حتى مع «أراجوزية» بعض الرؤوس المخبأة بأقمشة بريطانية وأميركية «مقدسة»، واستماتتهم جميعاً في تأخير افتتاح معبر «القائم البوكمال»، أو ضبط تدفقاته التجارية ضمن حدود ضيقة على الأقل، يسهل تصور استحالة حفاظ إمبراطورية التاج على الحاجر بين آسيا والمتوسط، وخاصة إذا ما تم الأخذ بالحسبان مئات المليارات التي ستبدأ الصين في ضخها على الأراضي الإيرانية خلال السنوات الخمس القادمة ضمن إستراتيجيتها الحريرية المعلنة في استكمال ركائز التكامل الأوراسي، والملاقاة الروسية لها عند شواطئ المتوسط عبر ميناءي طرطوس السوري وطرابلس اللبناني.
بغض النظر عما يمثله معبر «البوكمال القائم» من أبعاد عالمية، وعن تأخر افتتاحه لأي أسباب كانت، فإن بعض المنغرسين في المشروع البريطاني لتجديد الحواجز أمام آسيا بذريعة محاصرة سورية عند الحاجز الشرقي، تزامنا مع حدة سعار الحرب الاقتصادية والنقدية التي تواجهها دمشق، وأيا كان حجم الأقمشة التي تخفي رؤوسهم، فقد باتوا في مواجهة رأسية مع مصالح العراق التاريخية في جغرافيته فائقة الأهمية.
ولطي الكثير من حلقات النقاش حول الأمر، يمكن لأي كان تفحص الأبعاد التجارية للحدود العراقية السورية بما فيها ممرات الطاقة التي شكلت أحد تطلعات الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية إبان احتلال شرق المتوسط، كإحدى الركائز الأساسية لتمديد عمريهما الافتراضيين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن