قضايا وآراء

سلب حدود وخنق بحري بالمغافلة

| أحمد ضيف الله

مستغلة انشغال العراق في إعادة سيادته الوطنية بعد الاحتلال الأميركي له، وترتيب أوضاعه الأمنية والسياسية في مقاتلة وحوش المجموعة الإرهابية التي أطلقتها قطر والسعودية والإمارات وتركيا وغيرهم من وكلاء التآمر والفتن في المنطقة العربية لزعزة الأمن والاستقرار فيه، قامت دولة الكويت بإحداث تغييرات حدودية جغرافية في مياه خور عبد الله، بإنشاء جزيرة مصطنعة غير طبيعية داخل المياه الإقليمية العراقية في منطقة «فشت العيج» لضمها واعتبارها آخر نقطة حدودية فاصلة مع العراق، وقامت بتسجيلها عام 2014 في غمرة انشغال العراق بمقاتلة داعش، في المنظمة البحرية الدولية، المسؤولة عن الخرائط البحرية في كل أنحاء العالم، وثبتتها كجزيرة كويتية طبيعية، علماً أن «فشت العيج» لم يكن لها أي وجود في الخرائط البحرية لأعوام 2010 – 2011 – 2012 – 2013.
ما جرى أن دولة الكويت كانت تُسير منذ العام 2012 بواخر محملة بالأحجار وتقذفها في منطقة «فشت العيج» العراقية ذات الأعماق القليلة بنية جعل المنطقة آخر نقطة مائية لها مع الجانب العراقي، مستغلة حسن نية العراق ورغبته في فتح صفحة طيبة مع الكويت لطوي آثار قيام نظام صدام حسين في غزوه لها عام 1990، بتوقيعه «اتفاقية خور عبد الله»، وهي اتفاقية دولية حدوديّة بين العراق والكويت، وقعتها حكومتا البلدين عام 2012، بهدف «التعاون في تنظيم الملاحة والمحافظة على البيئة البحرية في الممر الملاحي في خور عبد الله». وخور عبد اللـه العراقي هو ممر مائي يقع في شمال الخليج العربي بين جزيرتي بوبيان ووربة وشبه جزيرة الفاو العراقية ويمتد خور عبد اللـه إلى داخل الأراضي العراقية مشكلاً خور الزبير الذي يقع فيه ميناء أم قصر العراقي.
العراق قدم في الـ3 من أيلول الجاري رسالتين مُتطابِقتين إلى كلّ من الأمين العامّ للأمم المتحدة، ورئيس مجلس الأمن الدولي طالباً توثيق احتجاجه الرسمي على قيام حكومة دولة الكويت بإحداث «تغييرات جغرافية في المنطقة البحرية الواقعة بعد العلامة 162 في خور عبد اللـه من خلال تدعيم منطقة ضحلة (فشت العيج) وإقامة منشأ مرفئي عليها من طرف واحد من دون علم وموافقة العراق»، معتبراً أن ذلك «لا أساس قانونياً له في الخطة المشتركة لتنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله»، وأن ترسيم الحدود من طرف واحد في مناطق لم يتفق عليها الطرفان، «يعد فعلاً باطلاً بموجب أحكام القانون الدولي»، مشيراً إلى أن «استمرار الكويت بفرض سياسة الأمر الواقع بإيجاد وضع جديد يغيّر من جغرافية المنطقة، لن يسهم في دعم جهود البلدين في التوصل إلى ترسيم نهائي للحدود البحرية بينهما، ويعد فرضاً لواقع مادي يجب ألا يؤخذ بالحسبان عند ترسيم الحدود بين الدولتين».
الكويت ردت على الفور في الـ4 من أيلول الحالي على الشكوى العراقية، مستعرضة أسانيد ترى أنها تُجيز ما قامت به، ومعتبرة أن «فشت العیج هي مساحة من الأرض مكونة طبیعیة فوق سطح البحر وتقع في المیاه الإقلیمیة الكویتیة وعلیه فإن بناء المنصة حق سیادي، لدولة الكویت»، وأنه «تم بناء المنصة لأغراض الملاحة البحریة في خور عبد اللـه إضافة إلى تلبیة الاحتیاجات الأمنیة لهذه المنطقة».
بينما شن أعضاء بمجلس الأمة الكويتي، هجوماً حاداً، بعبارات فيها الكثير من التطاول والاستخفاف والبذاءة بالعراق والعراقيين حيال الشكوى، حركت بالمقابل غرائز الكثير من العراقيين باستنهاض مقولات نظام صدام حسين بأن الكويت كلها جزء مسلوب من العراق، وبأن لا جدوى من التعامل المرن والجيد مع الكويت.
الأزمة العراقية مع الكويت في حقيقتها كانت قد بدأت في الـ7 من نيسان 2011 عندما وضع حجر الأساس لبناء «ميناء مبارك الكبير» في جزيرة بوبيان الأمر الذي رفضه العراقيون لأنه سيختزل جزءاً كبيراً من مياهه الإقليمية على الخليج، خانقاً المنفذ البحري الوحيد للعراق، لأنه سيتسبب في جعل الساحل الكويتي ممتداً على مسافة 500 كيلومتر، على حين يكون الساحل العراقي محصوراً في مسافة 50 كيلومتراً. على حين كان مجلس الأمن الدولي قد استغل قبلاً حالة ضعف نظام صدام حسين والحصار المفروض على العراق، بمنح الكويت في الـ27 من أيار 1993 بموجب القرار رقم 833 النصف العميق من قناة خور عبد الله، تاركاً النصف الآخر الضحل وغير القابل للإبحار للعراق، عدا اقتطاع مناطق عراقية تضم آباراً نفطية ومنحها للكويت.
إن ترسيم الحدود الدولية باستغلال ضعف الدول وانشغالها، هي قنابل معدة للتفجير وقت الحاجة، وقيام الكويت بالمغافلة بفرض واقع حدودي لن يوفر لها حسن الجوار والتعايش مع شعب شقيق وقف أغلبه ضد قيام صدام حسين بغزوه. فأعيدوا حساباتكم واضبطوا لغة البذاءة والسوقية لبعض نواب مجلس الأمة الكويتي لأنها لن تجدي نفعاً إلا في استغلالها وتوظيفها من مشعلي الحروب والنزعات الإقليمية، فاحذروا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن