قضايا وآراء

اللقاءات من أجل سورية!

| مازن بلال

باتت اللجنة الدستورية محوراً للأزمة السورية فهي تعبر عن التوازنات الإقليمية، وبغض النظر عن طبيعة مهامها إلا أنها وفق منطق الدول الضامنة، روسيا وتركيا وإيران، خطوة عميقة لتأسيس حل سياسي، ورغم المسار المضطرب لتشكيل هذه اللجنة إلا أنها بقيت نقطة تركيز دولي، وانطلاقها سينهي عقدة التفاوض في جنيف الذي استمر أعواماً من دون نتيجة واضحة.
في المقابل تحتاج هذه اللجنة لقراءة مختلفة لأنها تخضع لتقلبات دولية، فموسكو تعتبرها قراراً صدر عن «مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي»، وهو لقاء تم التفاهم فيه مع تركيا وحضر ختامه المبعوث الأممي السابق إلى سورية ستيفان دي ميستورا، فبالنسبة لروسيا ستكتسب اللجنة شرعية فور مباشرة عملها لأنها منبثقة عن مؤتمر الحوار واكتسبت موافقة دولية بحضور المبعوث الدولي، ولكن هذا التصور يترك مفارقة أساسية؛ فالحوار الذي تم في سوتشي بين طيف سوري متنوع نقل تمثيلاً اجتماعياً أكثر منه سياسياً، على حين الخلافات حول تشكيل اللجنة الدستورية كانت سياسية بالدرجة الأولى، فشرعية اللجنة وفق التصور الروسي أصبحت أمام اختبار العودة مجدداً إلى مأزق جنيف، وإلى إشكالية التمثيل في منصات التفاوض، وهو ما حدث بالفعل على الأخص عند البحث عن مندوبي «المجتمع المدني».
إن المفارقة السابقة لشرعية اللجنة تبدو عادية عند قراءة الحدث السوري، فعلى طول خط الأزمة كان هناك تشكيك في طبيعة التمثيل، والخلافات التي ظهرت حول هذا الأمر، وعلى الأخص في صفوف المعارضة في الداخل السوري؛ كانت أعقد بكثير من التفاصيل الأخرى للعملية السياسية، وإذا استعرضنا جملة المؤتمرات واللقاءات الخاصة أو حتى ورشات العمل فإننا نلاحظ ثلاثة أمور أساسية:
– خلال ثلاثة أعوام تقريباً لم تستطع المؤتمرات الخاصة بإيجاد كتل سياسية، تشكيل تمثيل واضح، فالهيئات المعارضة بمعظمها، ظهرت وفق ترتيبات إقليمية أو دولية، فهي تمثل توجهات سياسية دولية يتم إسقاطها على برامج داخلية.
– الترتيبات الدولية أيضاً عجزت عن إيجاد تمثيل يخلق توازناً بين القوى، وعلى الأخص تلك التي شكلت مجموعات مسلحة، وفي النهاية فإن الشكل العسكري للأزمة لم ينته نتيجة ظهور تعبير سياسي، إنما بفعل انكفاء بعض القوى الدولية والإقليمية.
– على الصعيد الداخل السوري فإن كل الترتيبات والتحالفات التي كانت تظهر في المناسبات السياسية انتهت على الأغلب بشكل سريع وتبددت معظم القوى التي تنشط في كل جولة للتفاوض في جنيف.
فقدان السياسة كعلاقة تنتج علاقات وتمثيل قوى وسم الأزمة السورية في مراحلها كافة، واللجنة الدستورية تسير بالطريقة نفسها التي تم فيها تركيب وفود التفاوض، وبالمقارنة مع تاريخ الدستور السوري ومنهجية ظهوره، فإن القوى السياسية لم تكن قلقة من طبيعة تمثيلها لأن وجودها الفعلي هو في التأثير العام، وليس في الحضور «الاسمي» في أي لجنة أو هيئة.
تظهر السياسة بفعل إدراك التحدي من قبل المجتمع وليس عبر التحريك الدولي، فأقصى ما استطاعت الأزمة السورية تقديمه هو «التشكيلات المسلحة» التي بقيت هائمة وسط أي محاولة حل، وهذا الأمر لا يعني عدم ضرورة البحث عن تمثيل سياسي واسع سواء في التفاوض أم في أي شأن عام آخر، ولكن السياسة كعلاقة بين القوى ما تزال تنتمي إلى مراحل تاريخية قديمة على ما يبدو، لأنها علاقة غير قادرة على الانتشار أو التأسيس لتراكم سياسي حقيقي، واللجنة الدستورية ستعيد خلق أزمة اعتدناها منذ أولى لقاءات جنيف، وسيستمر الحل السياسي بتوافقات دولية وليست سورية محلية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن