الإصدار رقم «2» … قرار الحكومة تمويل المشروعات عبر الدين العام.. ما له وما عليه
| د.رشا سيروب
في شباط من العام الحالي أعلن مصرف سورية المركزي عن الإصدار رقم (1) بطرح شهادات إيداع بقيمة اسمية للشهادة 100 مليون ليرة سورية، وبمعدل فائدة ثابت 4.5 بالمئة في أجل سنة واحدة استحقاقها شباط 2020، وتم الاكتتاب من قبل 16 مصرفاً خاصاً وعاماً بمبلغ إجمالي قدره 130.8 مليار ليرة سورية، وهو بذلك يعتبر أول دين حكومي يتم التصريح والاعتراف به رسمياً.
وفي جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت يوم الأحد في 29 أيلول 2019 قرر مجلس الوزراء تمويل المشروعات الاستثمارية والحيوية الاقتصادية والخدمية من خلال طرح سندات وأذونات خزينة عامة؛ فهل بدأت الحكومة استخدام أدوات مالية جديدة تمت المناداة بها منذ سنوات لتمويل عجز الموازنة بدلاً عن المأخوذ من الاحتياطي؟ وهل سيعلن مصرف سورية المركزي عن الإصدار رقم (2) عن شهادات إيداع جديدة؟ وكم هي المبالغ المتوقع استثمارها في شهادات الإيداع؟
اقتصر الإصدار رقم (1) على شهادات إيداع بأجل استحقاق سنة واحدة تم خلاله توفير تمويل بقيمة 130.8 مليار ليرة، بتكلفة وقدرها 5.88 مليارات ليرة، أي ما نسبته 7 بالمئة من ضريبة الأرباح الحقيقية في القطاعين العام والخاص في موازنة 2019، وهي تكلفة ما زال بالإمكان القول إنه يمكن تحملها، لكن هل سيقتصر الإصدار رقم (2) على أجل استحقاق سنة واحدة أيضاً أم بآجال مختلفة، وما هو معدل الفائدة الذي سيطبقه خاصة إذا علمنا أن مصرف لبنان رفع معدلات الفائدة لديه إلى 8 بالمئة؟
في العمق
يبلغ حجم الاعتمادات الاستثمارية في موازنة 2020 والتي تمت مناقشتها في المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي 1300 مليار ليرة، وباعتبار أن وسطي عجز الموازنة بلغ خلال السنوات 2017-2019 ما يقارب 25 بالمئة من إجمالي الاعتمادات، فهل يمكن التعويل على الإصدار رقم (2) في تأمين 25 بالمئة من موازنة 2020 أي ما يقارب 1000 مليار ليرة؟
تعتبر شهادات الإيداع أداة تمويلية تلجأ إليها الحكومات من أجل تمويل العجز في الموازنات العامة للدولة أو من أجل ضبط السيولة، وبالتالي تعتبر إحدى أدوات السياسة النقدية من أجل ضبط معدلات التضخم، بمعنى آخر هي استدانة الحكومة مبلغ من المال مقابل سداده بعد فترة زمنية.
وفقاً للإصدار رقم (1) والذي اشترط أن يكون الحد الأقصى لعدد شهادات الإيداع المسموح الاكتتاب بها للجهة المؤهلة الواحدة ألا يتجاوز 10 بالمئة من حجم السيولة في كل مصرف، أي إن السيولة المرجو توافرها تقريبياً في المصارف التقليدية تقارب 10 تريليونات ليرة، هل لدى مصارفنا المحلية هذه السيولة والتي تشير التقديرات أنها لا تتجاوز 3 تريليونات ليرة؟ وفي حال تم تأمين هذه المبالغ هل يمكن للخزانة العامة للدولة تحمل أعباء خدمة الدين التي تساوي 45 مليار ليرة (إذا افترضنا بقاء معدل الفائدة نفسه في الإصدار الأول 4.5 بالمئة) والتي تعادل 50 بالمئة من الضرائب على الأرباح الحقيقية للقطاعين العام والخاص.
إن تمويل الموازنة العامة عن طريق شهادات الإيداع تعتبر من أفضل طرق التمويل مقارنة بتمويل العجز الذي ينجم عنه عادة ارتفاع في معدلات التضخم أو مقارنة بالقروض من مؤسسات أو جهات دولية والتي تطلب تطبيق بعض الإجراءات أو تضع بعض الشروط بصرف النظر عن ملاءمتها للاقتصاد السوري؟ لكن هذا لا يعني أن شهادات الإيداع خيار جيد بالمطلق لا يتخلله مخاطر، إذ تكمن مخاطره في شقين: الأول هو زيادة حجم الدين العام للدولة وما يترتب عليه مستقبلاً من التزامات ستؤثر في سيرورة عملية التنمية أو قد تعوقها، والثاني ينشأ نتيجة تمويل نفقات جارية غير منتجة أو تمويل مشروعات استثمارية ذات معدل عائد اقتصادي أقل من معدل الفائدة، وما يترتب عليه من إمكانية التعثر في سداد الدين وخدمة الدين.
أما من حيث قدرتها على ضبط السيولة المحلية والتأثير في معدلات التضخم التي يعود سببها إلى زيادة المعروض النقدي، باعتقادنا أنه لن يكون لها تأثير واضح وملموس، إذ إنه حتى لو تم فعلياً الاكتتاب على شهادات إيداع بقيمة إجمالية تريليون ليرة أنها لا تشكل أكثر من 10 بالمئة من النقد المتداول خارج المصارف والودائع تحت الطلب في عام 2010، وبالتالي فهي أقل بكثير إذا ما أخذنا بالحسبان زيادة السيولة خارج الجهاز المصرفي وعدم توافر السيولة الكافية داخل المصارف المؤهلة للاكتتاب على شهادات الإيداع، فضلاً عن أنه في ظل انخفاض أسعار الفائدة الحقيقية نتيجة ارتفاع معدلات التضخم يعتبر الاستثمار في سندات الخزينة غير مجزِ اقتصادياً وسيجعل من حيازة سندات الخزينة أقل جاذبية، وبالتالي سنجد إحجاماً عن الاستثمار فيها رغم أن سندات الخزينة تعتبر أكثر الأدوات المالية أماناً ومعدومة المخاطر.
الغاية المرجوة
كي تحقق سندات وأذونات الخزينة وشهادات الإيداع الغاية المرجوة منها حيث ضبط السيولة وتوفير التمويل اللازم للمشروعات الاستثمارية، يجب العمل على ربط معدلات الفائدة بمؤشر أسعار المستهلك من أجل خلق حافز للمستثمرين بالتعامل مع تلك السندات والشهادات على أنها خيار استثماري جيد، مع ضرورة توجيه هذه الأموال (الديون) في تمويل مشروعات استثمارية ذات عائد اقتصادي أعلى من معدل الفائدة بحيث يستطيع المشروع أن يضمن قدرة الحكومة على تسديد الدين وخدمة الدين.
والأهم من كل ما سبق هو العمل على زيادة الإيرادات العامة للدولة من الضرائب المباشرة فهي الأقدر على ضمان توافر الموارد المالية الكافية لتمويل أوجه الإنفاق المختلفة فضلاً عن أنها أداة عادلة في توزيع الدخول والتي نحن بأمس الحاجة إليها نتيجة تركز وتراكم الثروة لدى فئة قليلة جداً وزيادة مستوى وحدة الفقر لدى أغلبية المواطنين.