ثقافة وفن

بجهود أبناء سورية المغتربين … إزاحة الستار عن لوحة فسيفساء أثرية مستعادة من متحف مونتريال للفنون الجميلة

| سوسن صيداوي - تصوير طارق السعدوني

الإرث السوري هو القضية، وهو ما لا يمكن التهاون في موضوعه، وخصوصاً أن الحرب على سورية والأزمة التي طالت عليها، كانت تراهن على الحضارة التي عمرها آلاف السنين، والتي عمّرها أجدادنا ليتوارثها الأبناء عبر الأجيال. ومما أصبح معروفاً أن التجارة بالموروث في ظل الحرب شاعت، وانتشرت تُحفنا السورية العريقة في كل أصقاع العالم، بسبب ضمائر ما همّها سوى التجارة والحصول على المال، بعيداً عن القيمة المهمة لهذا الموروث وتبعيته. ويأتي هذا الحديث، بمناسبة إزاحة الستار عن لوحة فسيفساء أثرية-سورية تمت استعادتها من متحف مونتريال للفنون الجميلة في كندا، بجهود المغتربين من أبناء الوطن. تمّ الحفل في المتحف الوطني بدمشق بحضور معاون وزير الثقافة د. توفيق الإمام، ومدير مؤسسة الآغا خان الدولية في سورية محمد مفضي سيفو، ومدير عام المتحف الوطني بدمشق د. محمود حمود إضافة إلى حضور من دبلوماسيين وإعلاميين. وللمزيد حول الحفل نورد لكم:

كلمة الثقافة
عن المناسبة تحدث معاون وزير الثقافة د. توفيق الإمام قائلاً: «في الأمس القريب احتفلنا باستعادة قطعتين أثريتين من إيطاليا أعادهما المغترب السوري الدكتور رضوان الخواتمي، وبهذه المناسبة نحتفل باستعادة قطعتين كانتا قد هُرّبتا إلى كندا نهاية القرن الماضي، وهما جزآن من لوحة فسيفساء كانت تشكل أرضية لدير أو كنيسة يعود تاريخها إلى نهاية القرن الخامس وبداية القرن السادس للميلاد. وقد تمت مصادرة هاتين القطعتين من السلطات الكندية سنة1999، ومن ثم إعارتهما إلى متحف الفنون الجميلة في مونتريال عام2004، وكان من الواجب إعادة القطعتين في شباط 2015وفق الاتفاقية الناظمة لذلك. لكن السلطات الكندية منعت إعادة القطعتين رغم المطالبات الرسمية المتتالية بهما، إلى أن تمكن المغترب السوري محمد وسيم الرملي من التدخل ومتابعة القضية مع الجانب الكندي ونجح في استعادة القطعتين، ونقلهما على نفقته إلى دمشق، بدافع حبه لوطنه وانتمائه لشعبه ووفائه وإخلاصه لأهله وللتراب الذي حضنه صغيراً».
وعن ضرورة حماية التراث السوري أكد معاون الوزير أن استنزاف التراث ليس جديداً فطالما تعرضت المواقع الأثرية للسرقة والنهب والتدمير بحكم الجهل والانتشار الواسع للمواقع وصعوبة تأمين الحماية الكافية لها، مضيفاً «إن تدمير هذا التراث تحوّل خلال الحرب إلى عملية ممنهجة ومدّبرة يديرها أعداؤنا في محاولة منهم لسرقة مقدرات الشعب السوري والنيل من حضارته ومحو ذاكرته واجتثاثه من جذوره، وتحطيم كل ما يجمع أبناءه، ومن ثم إيصالهم إلى حالة من التيه والضياع تسهل استلابهم الثقافي وإدخالهم إلى انتماءات خاطئة لم يعرفوها طوال تاريخهم».

في كلمة التراث
أما مدير عام المتحف الوطني بدمشق د. محمود حمود فقد عبر عن بالغ السعادة والامتنان لتضافر جهود أبناء سورية المغتربين، في مساعيهم لإعادة الإرث السوري المنهوب إلى حضن الوطن، رغم بشاعة الحرب التي طالت البلد وما سبّبته من دمار على كل الصعد قائلاً: «لقد أثبتت الحرب أن شرائح كبيرة من مجتمعنا لا تعي قيمة هذه المواقع الأثرية وهذا التراث الذي تعيش بين ظهرانيه، فانقضت عليه في أول ساعة خرجت فيها هذه المواقع عن سلطة الدولة، كما وجهت غزواتها نحو المتاحف، فنهبت محتوياتها وهرّبتها إلى خارج البلاد، متعاونة مع جماعات إرهابية وجهات خارجية، وواصلت معظم اللُقى الأثرية طريقها بسهولة إلى الأسواق الأوروبية والعالمية دون اكتراث بقرارين دوليين صدرا عن مجلس الأمن، ومنعا المتاجرة بها وهما القرار2199 والقرار2347».
خاتماً ضرورة التكريم لأبناء سورية المحافظين عليها بكل تفاصيلها وذلك بالإضاءة على فعلهم الإنساني والوطني، لتصبح الأفعال -استرداد التحف والتماثيل أحد- ظاهرة إيجابية عند كل المواطنين.

عن اللوحة
لوحة فسيفساء طولها347، عرضها273.5 سم، يُرجح أنها اكتشفت في أحد مواقع شمال سورية بين محافظتي إدلب وحماة، وقد تكون جزءا من أرضية كنيسة أو دير، يعود تاريخها إلى نهاية القرن الخامس والنصف الأول من القرن السادس الميلاديين. اللوحة مستطيلة الشكل ومؤلفة في الوضع الحالي من قطعتين، المكعبات الحجرية من الأحجار الكلسية الملونة:أزرق، أصفر غامق، بني، أبيض، أسود، زهري، رمادي، أحمر. تحوي أشكالاً زخرفية وتصويرية منوعة تتمثل: بعصفورين يحطان فوق كأس زهرية نهرية، مزهرية، وهناك قرص دائري ذو أشعة لولبية متدرجة الألوان، وعصفور واقف بين زهرتين، وكأس قاعدة مثلثية الشكل، وجرّتا فخار صغيرتان، وديك رومي يمشي، وإوزة…. إلخ. يحيط باللوحة إطار هندسي عريض يتضمن مشهدا تقليديا لحيوانات معروفة من هذا النوع في اللوحات المكتشفة في سورية الشمالية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن