قضايا وآراء

في العراق تظاهرات مطلبية أم هجمات دموية؟

| أحمد ضيف الله

ستة عشر عاماً ونصف العام منذ سقوط نظام صدام حسين بالاحتلال الأميركي للعراق في آذار 2003، والعراق خال من مكاسب وإنجازات ملموسة يعتد بها الشعب العراقي ويذكرها بفخر، باستثناء الفضاء الواسع والفضفاض من حرية التعبير والتظاهر وفق دستوره الجديد، الذي بات استثماره يعرض أمن المواطنين وممتلكاتهم للخطر.
الدعوات لـ«تظاهرات العراق المليونية» و«ثورة الغضب» التي وجهت عبر الإنترنت من خلال مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، دعت إليها جهات غير معروفة، محددة يوم الأول من تشرين الأول الحالي موعداً لانطلاقها من ساحة التحرير في العاصمة بغداد ومن باقي المحافظات العراقية الوسطى والجنوبية، للمطالبة بجملة من القضايا المحقة، أبرزها تحسين الواقع المعيشي والخدمات العامة، وتوفير فرص العمل والقضاء على البطالة والفساد، إلا أن التظاهرات التي خرجت رافعة تلك الشعارات، عُزّزت بعد انطلاقها بساعات قليلة بلافتات تهاجم بعض القوى السياسية بالاسم، مُحرقة العلم الإيراني مع شعارات «بغداد حرة حرة.. إيران بره بره»، رافعة صوراً للفريق عبد الوهاب الساعدي قائد قوات مكافحة الإرهاب الذي كان رئيس الوزراء عادل عبد المهدي قد أعلن في حوار صحفي في الـ30 من أيلول الماضي أنه «لا رجعة عن قرار إحالة الساعدي إلى الآمرة في وزارة الدفاع»، معتبراً «ارتياد بعض الضباط للسفارات أمر غير مقبول»، إضافة إلى قيام المتظاهرين برفع مطالب عشوائية أخرى غير محددة، كالدعوة إلى حل مجالس المحافظات وتقليص أعضاء مجلس النواب! لتتطور المطالب لاحقاً إلى شعار «إسقاط الحكومة وتشكيل حكومة إنقاذ وطني»، متداولة تسجيل فيديوي للمتحدث باسم «الحراك الثوري العراقي» أحمد الحلو، الذي أعلن عن تشكيل حكومة إنقاذ وطني مؤلفة من 20 وزيراً برئاسة الفريق عبد الوهاب الساعدي.
التظاهرات منذ بدايتها رافقتها أعمال شغب وعنف في بغداد وباقي المحافظات العراقية، تمثل بإحراق الممتلكات العامة كالدوائر الرسمية وبعض مباني رئاسة مجالس المحافظات ومقرات بعض الأحزاب المحسوبة على الحشد الشعبي تحديداً، إضافة إلى حرق بعض مكاتب أعضاء مجالس المحافظات والنواب وحتى التعرض لبيوتهم، إضافة إلى نهب وسرقة بعض المحال التجارية في بغداد، كل ذلك جرى بالتوازي مع مهاجمة عناصر القوات الأمنية بالقضبان الحديدية والسكاكين والزجاجات الحارقة، ومحاولة انتزاع أسلحتهم سواء الشخصية أم تلك التي ضمن آلياتهم التي حطمت وأحرقت، ما تسبب بسقوط ضحايا كثر بين المتظاهرين ورجال الأمن.
إن حرق الممتلكات العامة والخاصة ومراكز الأحزاب والاعتداء على القوات الأمنية سبق أن وقع في تظاهرات محافظة البصرة في الـ8 من أيلول 2018، لكن وجود قيادة معروفة للمتظاهرين حالت دون استمرارها، بإعلان البراءة «من أعمال الشغب والتخريب الممنهج» في بيان لها، وانسحابها من التظاهرات التي كانت قد استمرت عدة أيام، وبذلك توقفت التظاهرات وأعمال العنف. وبعد بضعة أيام من ذلك رُفعت لافتات في شوارع مدينة البصرة، كتب فيها «القنصل الأميركي سبب خراب البصرة»، مع انتشار صور ومقاطع فيديوية تجمع القنصل الأميركي تيمي ديفيس بشباب من البصرة كانوا من بين قادة التظاهرة، وآخرين سبق أن شاركوا في دورات وورشات عمل أقامتها السفارة الأميركية في بغداد باسم «مهارات الإرشاد»، كجزء من برنامج «الزائر الأميركي المحترف» الذي يستهدف ممثلي المنظمات الشبابية في كل أنحاء العراق، ما أدى إلى هروب من نشرت صورهم وإغلاق القنصلية الأميركية في البصرة حتى تاريخه.
التظاهرات الحالية بلا قيادة معلنة أو معروفة، ومنظموها حتى اللحظة مجهولون، وهي ليست عفوية، إذ سبق أن روج لها منذ شهر آب 2019، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقيل إن العراق سيشهد في الأول من تشرين الأول الحالي انقلاباً وثورة لم يشهدها من قبل، وهي بحسب منظموها الأشباح رفضت مشاركة أي جهة سياسية فيها، عدا أن كل القوى السياسية وعلى وجه الخصوص التيار الصدري والحزب الشيوعي العراقي والتيار المدني الذي سبق أن نظموا مجتمعين تظاهرات عدة، أعلنوا أنهم غير مشاركين بها.
اليوم طور أعداء العراق أساليب تآمرهم على العراق، وعلى وجه الخصوص الأميركيون وآل سعود، عما كان قد جرى في تظاهرات البصرة السابقة، بألا تجد الحكومة العراقية في التظاهرات الحالية من تحاوره أو من تحمله مسؤولية ما يجري، وهذا ما حصل، وهنا بيت القصيد، مستغلين حق التظاهر السلمي الذي كفله الدستور العراقي.
هناك توافق بأن هذه التظاهرات دبرت وأديرت من داخل السفارة الأميركية في بغداد، أكبر وكر للجواسيس في العالم، وبتنسيق وتعاون من آل سعود، لعلها تدخل العراق في دوامة العنف والفوضى من جديد، كرد على فشلهم في منع فتح معبر القائم بين سورية والعراق قبل بضعة أيام، ولإفشال نتائج الزيارة الناجحة جداً لرئيس الحكومة العراقية للصين التي سيتجاوز حجم الأعمال بينهما خلال الـ10 سنوات المقبلة الـ500 مليار دولار، إضافة إلى سعيهم إلى إخراج مشاهد الأسر والاستسلام المُذل لضباط وجنود آل سعود ومرتزقتهم على يد الجنود اليمنين الأبطال، واغتنام المئات من الآليات الحربية المتنوعة في عملية «نصر من الله» من التداول الإعلامي كخبر أول، بحلول التظاهرات العراقية مكانها، إلا أن مشاهد الإذلال تلك من الصعب نسيانها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن