اقتصاد

«حديدان» لم يعد وحيداً

| علي محمود هاشم

للأسباب المعروفة، تمرّست مصارفنا العامة خلال سنواتها الأخيرة بجني أرباحها من جيوب ذوي الدخل المحدود.
بحكم العادة، تفتقت قريحتها مؤخراً عن قروض لطيفة تتيح من خلالها لشقيقتها «السورية للتجارة»، جني ما تيسّر من أرباح متاحة عبر جيوب هؤلاء تحت لافتة «دعم صمودهم»: تارة لشراء المواد الغذائية على دفعات شهرية، وأخرى كقروض لاقتناء السلع المعمرة.
على هذا المنوال، تتعمق ملامح الشيخوخة على وجه مصارفنا العامة بعدما فقدت رغبتها في البحث عن زبائن جدد.. ولماذا تفعل، ما دام لديها «حديدان» الصامد المزمن في «الميدان»، لا شغفاً، وإنما احتياجاً إلى ترميم قدرته على تأمين أساسياته اليوم.. وغدا قد «يخلق الله ما تعلمون»!.
من حيث توازع المسؤوليات، تضطلع المصارف بجزء وازن من المعضلات المعيشية التي تواجه «حديدان» الموظف، إحدى مسؤولياتها الجلية في ذلك، تترتب من خلال فشلها في تمرير التمويل إلى المطارح التنموية المختلفة التي تقلص آلام الاقتصاد ومعه عموم المستهلكين ومن ضمنهم «حديدان»، ومع أن فشلها هذا يُصنّفها كعدو اقتصادي له، فهي لا تتوانى عن الإيغال في «دعم صموده» عبر اقتناص أرباحها من إقراضه بفوائد مرتفعة، وما يكرسه ذلك من «دهورة» قدرته المعيشية وتحويل إنفاق أشهره التالية، إلى جحيم.
لكن، قد لا يبقى «حديدان» وحيدا «في الميدان» لفترة طويلة، إذ من المرجح أن ينضم إليه آخرين: نعم، أفواج الدجاج!.
فتبعا للقرارات الحكومية، وعقب إسقاط 7% من الفوائد المصرفية عن قطاع الدواجن «دعما لصموده هو الآخر»، سيحظى «حديدان» بشركاء يحملون عن كاهله جزءا من الخسائر المصرفية جراء الـ2400 مليار ليرة المتجمدة بردا في خزائن مصارفنا بسبب العجز المستمر عن ضخها في الاقتصاد.
ومع ذلك، فلربما لا تسير العلاقة بين «حديدان» والدجاج على ما يرام، فقد يشوبها الكثير من الغيرة والحقد لأن قروضه تزيد في فوائدها بضعف ونصف عن فوائد الدواجن، على الرغم من أن كليهما بحاجة ماسة ومعلنة إلى دعم احتياجات نموه الأساسية، وقد يستفيض «حديدان» متسائلا في دخيلته عن سبب المعاملة الحكومية التفضيلية للدجاجات طالما أنه يحقق للخزينة أرباحا أكثر منها، مرة كفوائد مرتفعة للمصارف وأخرى كأرباح مباشرة «للسورية للتجارة».. لا بل لربما قد تصل به الشكوك حيال الحكومة التي تواظب على اعتباره «بوصلة لها»، فها هي مصارفها أقرّت – بطريقة فرويدية- أن القدرة الشرائية عضّت راتبه إلى الحدود التي بات معها بحاجة ماسة لقرض يشتري به مواده الغذائية!، فلماذا إذا ترفض معاملته كالدجاجات؟!.
مع الأمل بألا تتم المساواة عبر معاملة الدجاج كـ«حديدان»، يجدر التيقن بأن قروض «الدخل المحدود» بفوائدها المرتفعة، كانت وما زالت امتهاناً لحاجات أصحابها تحقيقا لغايات غيرهم، وهي في استمرارها بذلك ليست دون مخاوف اجتماعية، ولربما إن تجرأت المصارف على الإعلان عن أعدادها، فقد يبرهن ذلك عدد الرواتب التي تم احتجازها على خلفية فشلها في السداد.
لئلا تنتاب البعض نوبة الاستنكار المعتادة من إيقاظ «المخاوف الاجتماعية النائمة»، يجدر التذكير بأن تلك قروض ذوي الدخل المحدود خدمة جوهرية في حياة الموظفين والمصارف بآن معا، إلا أن تفهم احتياجات «الدجاج» من الفوائد المخفضة، يثير التساؤل حول طبيعة العدالة إزاء المتكاثرين بالبيوض، ومن يفعلها بالولادة!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن