قضايا وآراء

نتائـج العـدوان

| محمد نادر العمري

يبدو أن ترقب نتائج ضبابية المشهد العسكري ومآلاته وتأثيراته السياسية في طبيعة العلاقات المتناقضة وغير المستقرة ستبقى العنوان السائد في الشمال الشرقي من سورية، رغم بروز مؤشرات عديدة على جدية العدوان التركي والانتقال به من التهديد للتنفيذ، في ظل ظروف تتسم بتعقد هذا المشهد وتداخل القوى والأطراف الفاعلة والمؤثرة به واحتمالية تغير موازين القوى والاصطفافات، وتعدد الأهداف التركية من جراء هذا العدوان، سواء فيما يتعلق بتحسين الوضع السياسي الداخلي لرئيس النظام التركي رجب أردوغان في محاولة إعادة توحيد الشارع التركي خلف سياسته من خلال دغدغة الشعور القومي، أم لتنفيذ حلمه في اقتطاع جزء من الشمال السوري تحت مسمى «المنطقة الآمنة» وتمدده لاحقاً باتجاه الموصل شرقاً وحلب غرباً، واتخاذ اللاجئين ذريعة في إقامتها ووسيلة لضمها فيما بعد على غرار ما حصل في لواء إسكندرون وشمال قبرص، وعدم وضوح شكل الانسحاب الأميركي الذي أعلن عنه هل هو جزئي أو كلي؟ وهل سينفذ أم مجرد بالون إعلامي على غرار إعلان نهاية 2018؟ ولاسيما أن واشنطن أقدمت على سحب نقطتي مراقبتها على الخطوط القريبة من الحدود السورية التركية، وقيام مسؤولي البنتاغون بإبلاغ قيادات ميليشيا «قسد» بعدم قيام الأولى بالدفاع عن الثانية في العمليات العسكرية التركية المرتقبة، وهو ما يؤكد حتمية حصول هذا العدوان التركي والمسمى بـ«نبع السلام» من جانب، ومن جانب آخر يؤكد تخلي أميركي عن ميليشا «قسد» لأهداف داخلية تتعلق بمصلحة الرئيس الأميركي المتعلقة بالانتخابات الرئاسية، تزامناً مع تطورات ميدانية وسياسية تؤكد توسع هذا العدوان:
أ- إعلان ما يسمى «رئيس الحكومة المؤقتة» المعارضة عبد الرحمن مصطفى دمج ميليشيا الجبهة الوطنية للتحرير ضمن صفوف ما يسمى بالجيش الوطني بقرار وحضور ضباط من الاستخبارات العسكرية التركية خلال مؤتمر في مدينة أورفه، وهذا شكل بداية لمرحلة جديدة وأهداف متعددة، أهمها: إعادة هيكلية وضبط التنظيمات المسلحة بما يخدم السياسة التركية سواء عبر توظيفها ككتلة عسكرية ضخمة تضم قرابة 80 ألف عنصر، لتكون رأس حربة للقوات التركية في شمال شرق سورية لمحاربة «قسد»، وفي ذات الوقت لجعلها قوة جذب لمسلحي القاعدة من السوريين المنخرطين في النصرة وجيش العزة وحراس الدين للانخراط بها، والضغط على هذه المجاميع للانسحاب من الطريقين الدوليين من حلب باتجاه حماه واللاذقية قبل انتهاء المهلة المحددة والمتفق عليها بين تركيا وروسيا.
ب- تزامنت تهديدات أردوغان باقتراب بدء العدوان العسكري بشكليه الجوي والبري، مع تحركات عسكرية تركية تمثلت بنشر اللواء20 دبابات قبالة المنطقة الممتدة بحدود 100كم «من رأس العين شمال غرب الحسكة لتل أبيض بريف الرقة الغربي» والزج بعشرات الآلاف من الجنود الأتراك على طول هذه المنطقة ونقل أكثر من 14 ألف مسلح من قوات ما يسمى بالجيش الوطني عبر عفرين إلى داخل الأراضي التركية ليكونوا رأس حربة هذه العمليات، فضلاً عن تقدم الحكومة التركية بمذكرة للبرلمان لتمديد عمليات الجيش التركي خارج الحدود في سورية والعراق.
ج- ما سربته صحيفة «وول ستريت جورنال» نهاية الأسبوع الماضي من قلق بعض المسؤولين داخل الإدارة الأميركية من تحرك وشيك لتركيا في الشمال السوري، وتقديم مذكرة لترامب لعدم السماح للأتراك بمثل هذا العمل العسكري، وكذلك لعرقلة تقدم الجيش السوري في إدلب.
د- الاتصال الهاتفي الذي حصل بين أردوغان وترامب وغموض الاتفاق الذي حصل بين الجانبين.
و- استشعار ميليشيا «قسد» بجدية التهديدات التركية وببدء التخلي الأميركي عنهم منذ الترحيب الأميركي بتشكيل اللجنة الدستورية، الأمر الذي دفعها لإعادة نشر قواتها في بعض المناطق التي انسحبت منها بطلب أميركي لتطبيق ما سمي بمشروع «الممر الآمن»، وتهديدها على لسان قياديها بتحويل أي هجوم تركي إلى حرب شاملة، استناداً لمقومات القوة التالية:
1- من المؤكد أن «قسد» لديها تواصل وعلاقات مع حزب العمال الكردستاني في تركيا، والذي من المحتمل أن يشن هجمات ضد الجيش التركي داخل الأراضي التركية لردع النظام التركي على شن العدوان أو لتخفيف حجم العدوان أو شل حركته.
2- بحكم أن «قسد» تحتل معظم أجزاء المناطق الشمالية الشرقية منذ أعوام وبعض عناصرها هم من سكان هذه المناطق، هذا يمكنها بحكم معرفتها الجغرافية من امتلاك عنصر المباغتة في أسلوب حرب العصابات الذي قد تتبعه في داخل المدن أو بعمليات ليلية لإفقاد أهمية دور الطيران، فضلاً عن كميات الأسلحة التي تمتلكها والخبرة القتالية التي اكتسبتها خلال السنوات الماضية سواء عبر برامج التدريب الأميركية أم بقتالها لتنظيم داعش في بعض المعارك.
3- «قسد» تسيطر على أكبر خزان بشري ذي صلة بداعش وهو مخيم الهول الذي يضم نساء وأطفال عناصر داعش وهؤلاء مثقلون بالفكر التطرفي، كما أنها تحتجز الآلاف من عناصر داعش في سجونها وفق اعتراف المبعوث الأميركي السابق للتحالف الدولي «بريت ماكغورك»، وقد تلجأ «قسد» إما للتوصل لصفقة معهم للقتال إلى جانبها أو أن تطلق سراح الجميع باتجاه الأراضي التركية والذي قد يهدد أمن الأخيرة.
4- الخيار الأرجح والقوة الرابحة لضمان السيادة السورية وحماية المواطنين السوريين من المجازر الجماعية، هي عودة «قسد» للحضن السوري وانخراطها ضمن صفوف الجيش العربي السوري وتسليم المدن والشريط الحدودي له، وهذا الخيار سيفرض نفسه بقوة في حال انسحبت أميركا بشكل كامل.
وبناء على ما سبق يمكن تصور جملة من نتائج مثل هذا العدوان في حال توسعه:
– أن يتم العدوان ضمن الشريط الحدودي من تل أبيض وحتى رأس العين كمرحلة أولية وبتمهيد جوي ومدفعي وعبر أدوات سورية من ميليشيا الجيش الوطني، وتطور العمليات واتساعها مرهون بشكل الانسحاب الأميركي هل سيكون كاملاً أو جزئياً؟ مع أن كل المؤشرات تفيد أن واشنطن لن تتخلى عن قاعدة التنف لطمأنة إسرائيل وستعيد تموضع قواتها بالعراق والقريبة من الحدود السورية لاتخاذها قاعدة انطلاق في استهداف الجيش العربي السوري في حال تسلمه قيادة المنطقة الشمالية الشرقية من «قسد».
– اتساع رقعة الخلاف بين قيادات «قسد» وتوسع رقعة الخلاف والانشقاق بين صفوفه في ظل تعنت البعض بالمواجهة الفردية أو التعويل على تدخل خارجي لحمايتهم وتخوف الأهالي المناطق من تكرار نموذج عفرين.
– احتمال اشتداد الخلاف بين ترويكا أستانا، ولاسيما أن المتحدث باسم الرئاسة الروسية نفى حصول أي مباحثات روسية تركية حول خطط أو عمليات عسكرية تركية في الشمال السوري رغم أن روسيا هي الرابح من انسحاب واشنطن، ودعوة طهران لأنقرة لعدم القيام بأي عمل عسكري مجددة استعدادها على لسان وزير خارجيتها محمد ظريف للوساطة بين دمشق وأنقرة، لأن طهران تدرك أن الهدف من نشر الفوضى في المنطقة هو إعادة تموضع القوات الأميركية في العراق لاستهداف الأمن القومي الإيراني.
– أن تشهد الإدارة الأميركية المزيد من الانقسام داخل مؤسساتها وإقدام بعض الأعضاء من الكونغرس بفرض العقوبات الاقتصادية على تركيا.
– أن يتخذ الاتحاد الأوروبي المزيد من إجراءات العزلة السياسية ومقاطعة تركيا وأن تتوقف عن تقديم المساعدات المالية بخصوص ملف اللاجئين.
– احتمالية عودة ونشاط داعش من جديد في ظل الفوضى التي قد تترتب من طبيعة العمليات العسكرية، وهروب عناصره من سجون «قسد» وظروف الفوضى الأمنية التي تعيشها العراق، وهذا قد يكون هدفاً أميركياً بحد ذاته عبر إعادة الفوضى للمنطقة، وإنتاج داعش بشكل جديد.
– قلب موازين القوى رأساً على عقب في حال مسارعة «قسد» لتسليم المناطق للجيش العربي السوري ونجاح المفاوضات التي تجري لتسليم منبج قد تشكل مفتاحاً وأنموذجاً لباقي المناطق، وبذلك تكون سورية وروسيا وإيران حققت هدفاً إستراتيجياً يتعلق بانسحاب واشنطن وغياب تأثيرها العسكري وسد الطريق أمام التركي واستعادة الأماكن الحيوية وخاصة النفطية والمائية والغذائية لتحقيق الاكتفاء الذاتي الوطني.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن