قضايا وآراء

الانفصاليون وحضن الوطن

| د. قحطان السيوفي

لابد من الإشارة، بداية، إلى أن الحرب الإرهابية الكونية على سورية كانت من صنع تحالف غربي مع حلفاء إقليميين كالسعودية وقطر وتركيا، الذين دعموا ومولوا التنظيمات الإرهابية، كما ظهرت جماعات انفصالية سورية، تنكرت لوطنها الأم، وسلكت مسارات ضالة أوصلتها إلى رهانات وأوهام بائسة حمقاء، بالتحالف مع الأميركيين ودعوتهم لاحتلال منطقة شمال شرق سورية التي تضم ثروات الطاقة، نفطاً وغازاً، والثروة الزراعية السورية، هؤلاء الانفصاليون يقامرون بمستقبل مواطنيهم عرباً وأكراداً، ووحدة الدولة والأرض، فقد بَدَوا، أقرب إلى مقامرين هواة، أقدموا على ارتكاب خيانة عظمى بحق وطنهم سورية من خلال إقدامهم على ما يلي:
– العمل للانفصال عن الوطن.
– اقتطاع جزء من أراضي الوطن ودعوة القوات الأميركية لاحتلالها.
– الاستيلاء على الثروات الباطنية من نفط وغاز ومنشآتها وحرمان خزينة الدولة من مواردها وبالتالي المساهمة في دعم الحصار والحرب الاقتصادية على الشعب السوري ودولته.
– السبب المباشر المعلن للغزو التركي الأردوغاني للأراضي السورية.
هذه المجموعة من الساسة الانفصاليين الذين ادعوا كذبا الإمساك بالقرار الكردي في غفلة من السياسة والتاريخ، وباعوه إلى أول مشترٍ أميركي، تدعي واهمةً تمثيل شريحة من نسيج المجتمع الوطني السوري، لكن هذه الشريحة جزء عزيز مهم وأساسي من المجتمع السوري وهم أهلنا وإخوتنا ويتمتعون بكامل حقوق وواجبات المواطن السوري التي حددها الدستور. أقول الجماعة الانفصالية المسماة قسد تتحمل المسؤولية عن صناعة اللحظة السياسية القاتمة التي مكّنت الرئيس الأميركي دونالد ترامب من استغلالهم والتلاعب بهم، ومن ثم رميهم بسلات المهملات، وهم مسؤولون، أيضاً، عن توفير الذرائع التي منحت السلطان العثماني المغامر رجب أردوغان فرصة الحرب، ومن ثم الانتقام وتصفية الحسابات، وهذه مسؤولية كبيرة وأساسية ولا يمكن للدولة السورية أن تتغافل عنها. فقد أتاحت لهم الدولة السورية، فرص حماية وصون وتعزيز كل حقوق المواطنة الاجتماعية والثقافية والسياسية مقابل التعقّل والتراجع عن ركوب مركب الارتهان وخدمة الأجنبي الطامع. الدولة السورية فتحت لهم سبل التواصل المباشر، وكل الضمانات التي تكفل لهم تثبيت الحضور الوطني الكامل. وعلى الرغم من التسويف والمماطلة وعرضهم للشروط التعجيزية، بقيت الدولة السورية الشرعية مصرّة على إبقاء على التواصل معهم. وهي أجرت مفاوضات مباشرة وغير مباشرة على مدى أشهر طويلة، لتحقيق عودتهم إلى حضن الوطن لكن أصحاب الرؤوس الحامية من ساستهم، المهووسين بالسلطة، عملوا على تفويت الفرص المتاحة، وانقلبوا على ما تعهّدوا به، وفضّلوا الاستمرار في سلوك درب أوهام الانفصال. وانكشفت أهدافهم بالمخادعة والمناورة ومحاولة ابتزاز الدولة بدوافع وأغراض أميركية. بالمقابل، من المعلوم أن سياسات تركيا، لَّا تبدو أهدافها الحقيقية كما تعلنها، لذا فإن الغزو التركي العدواني الحالي لشمال سورية تحت غطاء كاذب، وهو «إعادة اللاجئين» و«منطقة أمنية»، على حين الأهداف الحقيقية مختلفة تماماً، وهي الأطماع العثمانية العدوانية، لاحتلال أراض سورية، جرى ويجري أمام أعين العالم، في استهانة واضحة بأبسط مفاهيم قواعد القانون الدولي من دولة راعية للإرهاب أدخلت عشرات آلاف الإرهابيين إلى الأراضي السورية من بوابة الحدود التركية، بالمقابل فإن الموقف الضبابي لترامب الذي سحب جنوده من الشمال السوري كانت ضوءاً أخضر لأردوغان ليتخذ قراره بالغزو. انفصاليو قسد، ومن بعد سقوط الأقنعة، يحصدون ثمار ما زرعوه من خفّة ورعونة، بل نقول خيانة وطنية ستقودهم مع جموع المُضللين إلى مصير قاتم، إن لم يسارعوا إلى ملاقاة الدولة والاعتذار من مواطنيهم السوريين ومن الدولة السورية، قبل أن تتعاظم الكارثة. إنهم مسؤولون أيضاً، مع غيرهم من الأطراف العربية والإقليمية والدولية عن استمرار النزف السوري وإطالة أمده، كما يتحملون مسؤولية الغزو التركي. وكان بوسعهم توفير إراقة الدماء وتجنيب أهوال هذا الغزو الهمجي. الانفصاليون صدقوا الوعود الأميركية الكاذبة، بحثاً عن ارتزاق رخيص لا يبالي بالنتائج الكارثية التي لحقت بسورية الوطن بسبب ارتماء هؤلاء الانفصاليين بأحضان الأميركي ودعوته لاحتلال جزء من الأرضي السورية. قادة «قسد» المتهورون يجب أن يدركوا حجم الكارثة التي تسببوا بها نتيجة عمالتهم للأميركي وخيانتهم الشعب السوري، كما يجب أن يعودوا إلى رشدهم وأن يعوا أن الجيش العربي السوري وحده القادر على حماية أرضه وشعبه وأن أي رهان آخر خاطئ لا جدوى منه، وأنهم بتعنتهم ووقاحتهم، توصلوا إلى مشاركة الأميركي في فرض الحصار الاقتصادي على الشعب السوري وحرمانه من ثرواته الزراعية والنفطية! وهاهم اليوم يساهمون في تمكين الجيش العثماني الأردوغاني ليغزو شمال أراضي الجمهورية العربية السورية ويسبب المزيد من قتل وتشريد المدنيين السوريين، لقد بدأ جيش أردوغان ومن خلفه مرتزقته الذين ارتضوا أن يبيعوا أنفسهم، باقتحام الحدود، والتوغل في الأراضي السورية بحجج واهية قدمها انفصاليو «قسد» للأتراك الذين ظهروا أمام العالم وكأنهم عملاء لتركيا أردوغان، كما للولايات المتحدة الأميركية.
المجتمع الدولي كله يطالب باحترام وحدة وسيادة الأراضي السورية، والعالم كله يدين تركيا ويجب أن يدرك الضالون فيما يسمى ميليشيا «قسد»، أصحاب المشروع الانفصالي، أنه لا يمكن أن يكتب له العيش، وسط رفض إقليمي لمشروعهم، والأهم أن الشعب السوري الصامد الذي خرج من صفوفه هؤلاء الانفصاليون الضالون لا يمكن أن يفرط أو يتنازل عن حبة تراب واحدة من أراضيه، شعب سورية الصامد مع جيشه العربي السوري خاض حرباً لا تزال مستمرة دفاعا عن الوطن السوري وضد الإرهاب منذ أكثر من ثماني سنوات حفاظاً على سيادته ووحدة أراضيه. يقيناً أن الغزو العثماني الهمجي للأراضي السورية أوقع تركيا أردوغان في مستنقع لن تستطيع الخروج منه بسهولة، ولن يفيد أردوغان بعض الشعارات والمسميات الكاذبة والمضللة لغزوته العسكرية لأراضي دولة مستقلة ذات سيادة، ومن المؤكد أن أردوغان سيتحمل الانعكاسات والنتائج السياسية والعسكرية الكبيرة لاحتلاله أراضي سورية. تتناقل وسائل إعلام عالمية وإقليمية عن وساطة روسية بين الدولة السورية الشرعية والمجموعة الانفصالية المسماة «قسد»، وفي رأيي الشخصي، إذا تمت فستكون مختلفة بظروفها ونتائجها لأنها ستكون بمنزلة فرصة أخيرة في ظل الغزو العثماني الأردوغاني الذي كانت ميليشيا قسد سببه الرئيسي المعلن المباشر. إذ ليس من السهل أن يثق السوريون شعبا ودولة بهؤلاء الذين غُرر بهم، وفي حال عودة الانفصاليين إلى حضن الوطن الأم ليعشوا حقوقهم وواجباتهم في ظل الدستور والقوانين السورية شأنهم شأن جميع المواطنين السوريين يجب عليهم أولاً الاعتذار العلني للشعب السوري عن خطاياهم التي ارتكبوها بحق الوطن، والتخلي نهائيا عن أحلامهم الانفصالية الواهمة ليساهموا مع كل المواطنين السوريين الصامدين في دعم الجيش العربي السوري في محاربة الإرهاب وتحرير الأرض وطرد المحتل التركي والأميركي والإسرائيلي وإعادة بناء الوطن لتبقى سورية بلداً ديمقراطياً تعددياً حضارياً جميلاً لجميع أبنائه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن