ثقافة وفن

تكريم رئيس جامعة دمشق الأسبق ورئيس مجمع اللغة العربية حسني سبح … أحد رواد التعريب للعلوم الطبية.. وصاحب إسهامات لغوية كبيرة ومواقف وطنية وقومية مهمة

| سارة سلامة- ت: طارق السعدوني

تحت عنوان «حسني سبح الطبيب والمحب للعربية» كرمت ندوة «قامات في الفكر والأدب والحياة»، العلامة السوري الراحل الذي كان له أثر كبير بتعريب العلوم الطبية في سورية خلال العصر الحديث. وذلك في قاعة المحاضرات بمكتبة الأسد الوطنية بدمشق. وشارك في الندوة التي أدارها الدكتور إسماعيل مروة كل من الدكتور ممدوح خسارة والدكتور هاني الخوري والدكتور عبد الناصر عساف.

آمن باللغة العربية
وبين الدكتور إسماعيل مروة أن: «العلامة سبح هو قامة من القامات في مجال الأدب والدكتور العلامة حسني سبح هو أحد رؤساء الجامعة السورية في تاريخها الطويل ورئيس مجمع اللغة العربية لسنوات طويلة وأحد رواد التعريب للعلوم الطبية وصاحب إسهامات لغوية كبيرة ومواقف وطنية وقومية مهمة، موضحاً أن تكريم سبح يأتي في نطاق العمل على تمكين اللغة العربية في وقت تتعرض لهجمة شرسة، وخاصة أن سبح من الشخصيات التي آمنت باللغة العربية وتطبيقها في العلوم الطبية».

سبح العالم المعلم
وفي محور «الدكتور حسني سبح حياته العلمية والمجمعية»، تناول الدكتور ممدوح خسارة حياته العلمية والمجتمعية في ثلاثة مناح: « الدكتور سبح العالم المعلم، المعرب، وداعية تعريب العلوم، حيث تسير حياة الدكتور سبح عالماً ومعلماً في محورين موازيين هما: التعليم والتأليف العلمي. التعليم: أمضى في التعليم نحو أربعين عاماً، ولم تشغله مهامه الإدارية التي كلف بها عن التعليم الجامعي لأنه رأى أن العلم أولى الركائز التي يبنى عليها استقلال الوطن وتقدمه وازدهاره، فعلم وتعلم طوال حياته. والتعليم عنده عملية مستمرة مدى الحياة، ولكن يختلف المعلم من مرحلة إلى أخرى، ففي عهد الطلب يكون المعلم هو الأستاذ، أما في عهد العمل والممارسة فالمعلم هو من نتعامل معه فالمريض هو الذي يختبر الطبيب فيحكم على علمه ومعرفته بحسب ما أفاده منه، وتلك هي مدرسة الحياة».
وأضاف خسارة: «ذكر بعضهم أنه أول من علم الطب بالعربية، ولكن الطبيب الدكتور مروان محاسني، ذكر أن أول من علم بالعربية هو الدكتور عبد الوهاب القنواتي، ومن المعروف أنه كان يدرس في المعهد الطبي من هو أكبر سناً منه وكلهم كانوا يدرسون بالعربية كالدكتور مرشد خاطر والدكتور أحمد حمدي الخياط والدكتور صلاح الدين الكواكبي، ولعل المعقول أنه كان من أوائل من درس الطب بالعربية».
وبين خسارة أنه: «وفي جانب التأليف العلمي يلفت الأنظار إلى عملين كبيرين له هما: «كتاب علم الأمراض الباطنة الذي جاء في سبعة أجزاء منتجاً على مدى اثنين وعشرين عاماً. ولعل زميلنا الدكتور هاني أدرى بمضمون هذا السفر الطبي العظيم.
مجموعة مقالاته التي سماها نظرات في (معجم المصطلحات الطبية الكثير اللغات للدكتور أ-ل كليرفيل). الذي ترجمه الدكاترة خاطر وخياط وكواكبي، وقد نشرها في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق على مدى ثلاث وعشرين سنة، وإذا كان المعجم يضم نحو خمسة عشر ألف مصطلح، فإن ما علق عليه أو نقده زاد على عشرة آلاف مصطلح. وفي نظراته هذه أمور جلية هي: الدقة العلمية، السعي لتوحيد مصطلحاته مع مصطلحات مجمع القاهرة الطبية، وتوخي اليسر والسهولة في تفضيل المصطلح. وقد دلل سبح في نظراته ونقده على سعة اطلاعه على اللغة العربية ودقائقها وسعة اطلاعه على لغة المصدر المترجم منه، فكثير ما كان يصحح أو يعدل اعتماداً على الأصل».

المصطلح العلمي
أما الدكتور عبد الناصر عساف فتناول في الندوة محور المصطلح الطبي عند الدكتور حسني سبح، وقال: «المصطلح لفظة أو تركيب يستعمل في التعبير عن مفهوم معطى أو علمي معين عند أهل العلم أو ذاك. وقد كان الدكتور سبح رائداً من أولئك الرواد، عني بالمصطلحات الطبية في خضم عنايته بتعريب العلوم الطبية، وقد تجلت جهوده في ذلك آثاراً علمية وعملية في جميع المؤسسات التي كان فيها: في المعهد الطبي، وكلية الطب، وجامعة دمشق، ومجمع اللغة العربية بدمشق، ولك أن ترى شواهد ذلك في: معجمات الألفاظ والمصطلحات الفنية للأمراض الملحقة بكتابه الجامعي المؤلف من سبعة أجزاء (الأمراض الباطنة) الذي قضى في تأليفه اثنين وعشرين عاماً، وقد كان من السنن الحسنة التي أخذ بها أساتيذ المعهد الطبي العربي كما قال سبح وكانت توطئة لظهور معاجم المصطلحات، أن كان كل منهم يلحق بكل كتاب يؤلفه سرداً للمصطلحات التي استعملها في ذلك الكتاب. ومن المعجمات المختصة ما قمت بوضعه في الأمراض الباطنة، ففي سنة 1935 أخرجت معجماً فرنسياً- عربياً وعربياً- فرنسياً في أمراض الجملة العصبية، وفي سنة 1936 أخرجت معجماً آخر في الأمراض الإنتانية والطفيلية، تلاه سنة 1937 معجم في أمراض الجهاز التنفسي».
وأضاف عساف: «إن المصطلحات العلمية التي نجهد في سبيلها، حبيسة الورق، تتصور المجلدات الضخمة وترتفع فوق رفوف الخزائن، لا تتداولها الألسن ولا تتحرك بها الأقلام، إن جهدنا المبذول سيبقى من دون جدوى كذلك، إذ ما فائدة هذه المفاهيم «إذ لم يكن هناك تداول ورجوع إليها واقتباس منها؟» ثم يقول: «إن تسويق المصطلحات والألفاظ المعربة والموضوعة أمر مهم، علينا أن نتدبره، وإن السوق التي يجب أن تروج فيها بضاعتنا هي معاهد التعليم العالي والجامعات والمؤسسات العامة والمصانع وغيرها من الأفكار التي لا تزال لغة التداول فيها عالة على إحدى اللغات الأجنبية».
تعريب العلوم الطبية

من جانبه تناول الدكتور هاني الخوري خلال الندوة جهود الراحل المكرم في تعريب العلوم الطبية في سورية، وقال: «لم يكن الدكتور حسني سبح طبيباً عادياً ومساهماته في تعريب العلوم الطبية كانت حصيلة بيئة سياسية واجتماعية تحارب لتثبيت اللغة العربية في وجه التتريك وفي وجه التغريب أيضاً من أجل الحفاظ على الهوية، فهو طبيب عمل في تأسيس العملية التعليمية الطبية السورية، وبناء كلياتها ومعاهدها ومراجعها الطبية، ومسيرته العلمية والوطنية والمهنية أوصلته رئيساً للجامعة السورية، وترأس مجمع اللغة العربية لدوره العلمي البارز في تعريب العلوم الطبية».
وبين الخوري أن: «الدكتور سبح أصدر عام 1933 أول مؤلفاته لتلميذات القبالة والتمريض وهو «موجز مبادئ علم الأمراض» وعدله في طبعة ثانية ليصبح ملائماً لطلاب طب الأسنان، وفي عام 1934، أصدر كتاب مبحث الأعراض والتشخيص لطلاب الطب البشري، وفي عام 1935 باشر بإصدار مجموعته الكبيرة المسماة، «علم الأمراض الباطنة» التي تألفت من سبعة أجزاء ضخمة اختص كل واحد منها بشعبة من شعب الطب الباطني، وقضى في تأليفها نحو اثنين وعشرين عاماً، بدأت بأمراض» الجملة العصبية» وأنهاها بأمراض الغدد الصمم أو علم الأمراض العام، «ولم يقتصر نشاطه العلمي على تأليف الكتب، بل نشر عدداً كبيراً من المقالات الطبية وغير الطبية في «مجلة المعهد الطبي العربي» و«مجلة مجمع المؤتمرات الطبية والتعليمية التي شارك فيها».
وأوضح الخوري: «ومن العوامل التي هيأت لهذه النهضة دفعاً قوياً صدور الدستور العثماني في عام 1870، وفيه دعوة واضحة إلى التتريك وطمس عروبة الولايات العربية وتلاه الدستور عام 1908 تأكيداً له ودعماً، وقامت جمعية الاتحاد والترقي بالإشراف على تطبيقهما بحزم، فساعدت بذلك على تجسيد فكرة البعث القومي، وبلورتها الروح الطورانية التي انبثت في نصوص الدستورين، وتجاوبت المدارس الأجنبية في البداية مع هذا المد القومي، فعملت باللغة العربية خدمة لأهدافها في توهين السلطة العثمانية وإضعاف نفوذها وتزيين افتتان طلابها بثقافة بلداها، وحظيت المدرسة الإنجيلية (الكلية الأميركية) (بمعلم العربية الشيخ ناصيف اليازجي كما حظيت بثلاثة أطباء أجانب درسوا اللغة العربية وأتقنوها ثم صنعوا لفنونهم المؤلفات العربية وعنوا العناية البالغة بتحري الكلمات العربية لمصطلحات فنونهم، وتخرج على أيديهم الرعيل الأول لنشر العربية في الجبل والساحل فكانوا الدعامة الأولى للتعليم العالي العربي في ديار الشام».
وفي مداخلة للدكتور أنس سبح ابن الدكتور حسني سبح أشار إلى أن والده عاين جثمان يوسف العظمة في ميسلون.
ويذكر أن حسني سبح ولد في دمشق عام 1900 وتوفي فيها عام 1986 وهو طبيب ولغوي ومعرّب للعلوم الطبية.
عمل منذ أواخر عام 1922 مساعد مخبر في «المعهد الطبي العربي»، وفي سنة 1924 سافر إلى فرنسا وسويسرا للتخصص والمتابعة، فاغتنم فرصة وجوده في أوروبا لتقديم الفحص الإجمالي في لوزان السويسرية للحصول على شهادة دكتوراه في الطب عام 1925، وكان موضوع الرسالة التي قدمها «نمو الغشاء المشيمي في الإنسان»، وترأس مجمع اللغة العربية بدمشق، وأتقن اللغات التركية والفرنسية والألمانية والإنكليزية إلى جانب العربية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن