قضايا وآراء

حرب اللاجدوى ومضاعفاتها على مستقبل السعودية

تحسين الحلبي

 

حين كانت الإدارات الأميركية أثناء الحرب الباردة ترفع شعار محاربة (الشيوعية) وتعطي لنفسها حق التدخل العسكري المباشر وغير المباشر بشؤون دول مستقلة تحت هذا الشعار بهدف تحقيق مصالحها الإمبريالية، شهد العالم حروباً في فيتنام في الستينيات وفي دول إفريقية وشهد تدخلاً من وكالة المخابرات المركزية الأميركية في أميركا اللاتينية وفي الشرق الأوسط ضد مصر وسورية والجزائر والعراق بشكل خاص، وفي يومنا هذا رفعت الإدارات الأميركية شعار محاربة المجموعات الإسلامية المتطرفة ووفرت لنفسها من خلاله احتلال أفغانستان والعراق ولا تزال تستمر في استخدامه ضد الدول المناهضة لسياستها بطرق مباشرة وغير مباشرة بل من خلال دول حليفة لها… والقصد من هذه المقدمة هو أن حرب السعودية الأميركية على اليمن لا يمكن لأي عاقل إدراجها في باب هذا الشعار لأن الغارات الجوية السعودية عززت قدرة مجموعات منظمة القاعدة وداعش في اليمن وكأن تحالفاً يجري على أرض اليمن بينها وبين السعودية والولايات المتحدة، لأن السعودية لم تدمر سوى آلة الجيش اليمني الذي كان مع مجموعات أنصار الله يقاتل مجموعات القاعدة منذ أكثر من سنتين، ولذلك يرى محللون أميركيون من المعارضين لدعم هذه الحرب أن مرحلة جديدة من تطبيق شعار الحرب على إرهاب الإسلاميين المتشددين ستظهر قريباً بصورة جديدة لن تحقق لواشنطن أهدافها من هذه الحرب التي أتاحت للسعودية شن حرب (وهابية) على اليمن، في حين أن اليمن يناهض بجميع فئاته وأحزابه هذه الوهابية… ويتساءل هؤلاء المحللون: هل ستتحمل الولايات المتحدة مضاعفات دعم نظام وهابي يشن حرباً لأول مرة في تاريخه المعاصر على دولة أخرى لفرض مصالحه عليها من خلال التدمير الشامل ومن أجل تغيير اتجاه تطورها المستقل عن وهابية السعودية؟
ولذلك يستنتج (غلين كيري) في تحليل نشره في مجلة (بلومبيرغ) الواسعة الانتشار أن إدارة أوباما لن تتحمل استمرار السعودية في هذه الحرب لأن حلفاء واشنطن وأوروبا لن يكون بمقدورهم الدفاع عن نظام وهابي تعرض للنقد وللمناهضة في معظم ساحات الرأي العام العربي والعالمي حتى لو كانت المصالح الأميركية والأوروبية تلتقي مع مصالحه.
وهناك من يرى أن هذه الحرب دعمتها واشنطن دون المشاركة المباشرة فيها بطريقة تشبه سيناريو حرب صدام ضد إيران عام 1980 بهدف تدمير إيران والعراق معاً وهي النتيجة التي نجمت عن تلك الحرب حين توقفت بعد ثمانية أعوام. فالولايات المتحدة لم يعد يهمها من السعودية نفطها وقدرتها الإنتاجية للتحكم في أسواق النفط واستغلال أموال السعودية في حروب المنطقة بعد أن أصبحت واشنطن قادرة على تصدير النفط بشكل متزايد وبعد أن وظفت مليوناً من الأميركيين في مشاريع ومنشآت النفط الصخري الذي تنتظر عائداته لها وحدها.
ويرى (غلين كيري) أن انتهاء الحرب السعودية على اليمن لن يعيد السعودية إلى ما كانت عليه قبل 26 آذار 2015 يوم شنت الحرب لأن تغييرات كثيرة ستتحكم بمسار تطورها الداخلي والخارجي، خصوصاً لأنها لم يكن لديها أي تجربة وخبرة في تحمل نتائج حرب تشنها بقواتها بشكل مباشر وبهذا الشكل ضد دولة مجاورة شقيقة.
وستكون السعودية قد أنفقت أموالاً طائلة على هذه الحرب دون أن يتحقق لها أي مقابل منها حتى لو تمكنت من فرض شروطها على اليمن الفقير وهذا ما لا يمكن أن يحدث.
فأسعار النفط انخفضت بنسبة لم يكن بمقدور السعودية تحملها في حالة السلم فما بالك في حالة حرب تجاوزت حتى الآن أربعين يوماً ولا تزال خيارات استمرارها ومضاعفاتها مفتوحة على كل الاحتمالات؟
فعشرات المليارات التي أنفقتها السعودية حتى الآن على الذخائر وتكاليف الاستنفار واستمرار الحرب ستتحول إلى مئات في الأشهر المقبلة وهذا ما سيعكس نفسه على الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي السعودي بشكل غير مسبوق إذا ما طالت الحرب التي يصفها الخبراء (بحرب اللاجدوى) للسعوديين وللمنطقة. فالمستفيد الكبير من هذه الحرب هو واشنطن من ناحية مالية وسياسية، وإسرائيل من ناحية عسكرية وسياسية استيطانية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن