ثقافة وفن

الجمود في المكان

| د. اسكندر لوقــا

سمة هذه الأيام أن أحداً من الناس لم يعد يرضى عن واقعه، أو على الأقل هذا هو الشيء الملاحظ، ذلك لأن إعادة ترتيب الأمور باتت منطلق الرغبة في تغيير ملامح هذا الواقع وشق طريق جديدة يهتدون من خلالها إلى أهدافهم التي سرعان ما تتبدد في الوقت عينه تحت الأمر الواقع بحدّ ذاته في سياق السعي لتحويله إلى أمنية ملموسة باليد.
إن الجمود في المكان يقارب، بطبيعة الحال، موتاً في الحركة، أو على الأقل تخلفاً عن الركب، وطبيعي أيضاً ألا تحدد هذه الظاهرة ملامح الوجود لأنها أصلاً مخالفة له، ومن هنا تأتي التطلعات التي تهدف إلى تغيير واقع الفرد عموماً، أعني هذا الواقع المرفوض. ثم إن ثمة أكثر من وجه واحد للرفض، وهو في أبسط الحالات يؤلف تمرداً في سياق مواجهة قيم محددة مسبقاً وتجاوزاً لتأثر هذه القيم وذلك بما يشبه تلافي الاصطدام مع خطر ويكون الهرب من الواقع المرتجى دفعة واحدة.
إن المبررات الوحيدة والمنطقية معاً التي تتطلب تجاوز الواقع ومواجهة معطياته حين لا توافق الأمزجة الفردية، تكمن في الرغبة للانتقال إلى حالة أفضل، ويتصف هذا الانتقال وتلك بالمواجهة بالفروسية حقاً وتحديداً حين يحققان غاية ما في هذا المضمار. وأما خارج هذا الإطار فإن أي تحدّ يعتبر، من الناحية العملية سلاحاً موجهاً ضد الذات حكماً، ويبقى الأفضل دائماً مثل السراب الذي يمتص أمنية العطش في الصحارى الرملية، مثل الوهم الذي لا يتحقق في خيالات المراهقين.. إلا في الحلم.
إن مختلف الجماعات لا الأفراد فحسب تسعى إلى إيجاد مقاييس جديدة تحل محل المقاييس السائدة أو المألوفة، وذلك بغية إغناء وجودها ورفده بأسباب التقدم والتطور. إن ذلك من نتائج المكاسب التي أضافها العلم الحديث على التراث الإنساني. إنه جزء من التحول الذي أصاب كل المفاهيم والنظريات، تلك التي حققت ذات يوم، تحولات جذرية في أعقاب الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر.
انطلاقاً من هذه النقطة، يغدو البحث عن واقع جديد إغناء للوجود، سواء أكان ذلك على صعيد المجتمع أم على صعيد الفرد، المهم أن يكون الرفض رفض الجمود في المكان وتمرداً في وجه واقع متخلف، وليس رفضاً لوجود بكامل أبعاده.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن