من دفتر الوطن

إجازة العقل والقلم!

| عصام داري

تدور عجلة الزمن بسرعة جنونية، تطوي الأيام والأشهر والسنوات من أعمارنا في غفلة منا ليأتي اليوم الذي نكتشف كم قصرنا في هذه الحياة، وكم أهملنا حتى في دقائق حياتنا وثوانيها.
لم نتنبه إلى أن العمر يمر مسرعاً ونحن نعمل ببطء وتثاقل، لم ندرك أن كل ثانية تمر تصبح تاريخاً مضى وانقضى، وأن الثانية القادمة في علم الغيب، وهي مستقبل لا نملك من أمرنا شيئاً للتنبؤ به، وأن حياتنا كلها هي هذه الثانية التي نعيشها الآن تماماً.
لماذا لا نعيش هذه الثانية متأبطين الفرح، ومتشابكين مع الحب لحد الاندماج، لنصنع الحياة التي تليق بإنسان عشق الخير والجمال والسحر؟
في هذه الحياة ما يستحق أن نعيش لأجله لو تبحرنا قليلاً في التفكير العميق والواعي لأننا قادرون على صنع الفرح والبهجة ولو كنا في خضم حزن عتيق سكن النفوس والأرواح.
الجمال يحيط بنا من كل جانب، لكننا عنه غافلون، ولو تأملنا لحظة في محيطنا، في الطبيعة الساحرة، أو في البشر الذين يحملون قلوباً صافية نقية بيضاء، لأمكننا أن نخلق عالماً جديداً على مقاس حلم قديم راودنا على مدى سنوات العمر، والحلم هو من يخرجنا من دوامة الحياة الطاحنة إلى عالم الحب الذي لا يعرف التوقف مهما كان سيل الأحقاد مدمراً.
من حقنا أن نغرف من بحار الجمال كأساً يسكر وينعش الروح، من حقنا أن نعلن صداقتنا لكل شروق شمس، وأن نزف العرائس مع كل ولادة قمر، فنحن عتاة عشاق الطبيعة التي تهبنا الحياة وتزرعنا على ضفاف الجداول والينابيع، وتتركنا بين أزاهير البنفسج وحقول الرياحين والأشجار الحور والصفصاف والكينا.
نحن أبناء الطبيعة، إليها نلجأ عندما تبكينا أدوات الحضارة الإسمنتية المخيفة، وعندما نتذوق إلى رشفة خمر ورشة عطر وشهيق من أوكسجين نقي لم تلوثه حضارتنا وبعضنا الذي يعشق اغتصاب الطبيعة الأم.
اليوم أعطيت قلمي وعقلي إجازة من حديث متعب ومرهق عن الفساد والفاسدين والمفسدين، لأن هناك من تحدث عن كل ذلك من موقع القوة والمسؤولية والشفافية، وأنا أستعير جملة كان قلمي خطها منذ سنوات بأوامر عليا من عقلي، قلت حينها:» المطر يلهمني فأكتب عن سيرة العشاق، والثلج يذكرني بأغنية فيروز الساحرة( يا ريت أنت وأنا بالبيت) ومصدر إلهامي الطبيعة الأنثى، والأنثى نفسها، فلماذا لا تساعدني الأبجدية وهي أيضاً أنثى؟ فالجمال عنوان كلماتي، والسحر سبب امتلاكي ناصية الكتابة، والخيال أحد وسائلي التي توصلني إلى قلوب من أحب».
أزعم أنني أحاول أن أفجر الفرح كينابيع المياه المقدسة لتنساب شلالات في عواصم الفرح الكوني الشاسعة، ألا يحق لنا أن نحلم بعيداً عن الكوابيس التي كادت أن تحطم عقولنا وأرواحنا؟ وروعة الحلم أنه يجعلنا نحلق في سموات واسعة المدى، لا تعرف السحب السوداء، والقلوب السوداء، وأن نصنع ساحات فرح لا وجود لها في واقعنا الأليم.
اليوم هربت إلى عالمي المصنوع من سحر وخيال لإعادة الاعتبار للزمن الرومانسي الذي اغتالته البشرية، وغداً قد أعود إلى أرض الواقع وإلى مفرمة الحياة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن