اقتصاد

وعود مضللة!

| علي محمود هاشم

لا يجدر بالحكومة أن تواظب على استخفافها المشهود ببند «الرواتب والأجور» في موازناتها.
موازنة العام الجاري 2019، أرست تضليلاً ممنهجاً في هذا الجانب بعدما «لعْلعت» شروحاتها بسلسلة من الإستراتيجيات البديلة كحل للحفاظ على جرعة الآلام التي يتكبدها أصحاب الأجور: العمل على الاتساع الأفقي في التوظيف عبر تحقيق التعافي الاقتصادي و«تدوير عجلة» الإنتاجين الزراعي والصناعي.. تثبيت أسعار السلع وتبريد تقلبات سوق الصرف.
زيادة في التضليل، أوحت موازنة 2019 بدقة تقديراتها حول شمولية «التعافي» عبر إعلانها «استيعاب» نحو 70 ألف عاطل عن العمل في مؤسسات القطاعين الاقتصادي والإداري!
يحتاج المرء إلى عيون زجاجية كي لا يرى ضعف موازنة 2019 الكبير لتحقيق أي من الأهداف الأساسية والبديلة آنفاً!
في شق «تدوير العجلة» الذي تم تقديمه كمنفذ لتحقيق المزيد من الإيرادات «تمهيداً لزيادة الأجور»، دعك من تلك المزايدة المحمومة بين الحكومة ووزارة الصناعة في بورصة المنشآت المتعافية، ذلك أن التحسن النسبي في الإيرادات الضريبية التي تم تحقيقها تعود في كليتها إلى ديناميكية التحصيل التي اعتمدتها وزارة المالية، وليس إلى أي شيء آخر: لا تعاف، ولا منشآت ولا من يحزنون!
البديل الحكومي الثاني لزيادة الأجور: ضبط الأسواق وتثبيت أسعار السلع وتهدئة تقلبات سعر الصرف، لربما يحتاج إلى اجتماع حكومي خاص «بعد الغداء أو لربما مسائية خاصة من المسائيات نفسها»، لتقدير نسب الإنجار في هذا الجانب!
إضافة إلى هذا وذاك، فالـ 70 ألف فرصة عمل التي تم رصدها في موازنة 2019 ورغم صعوبة تقدير المحقق منها، يكفي استعادة ما أدلى به وزير المالية أمام مجلس الشعب إزاء صعوبة رصد بياناتها بدقة «تبعاً لصعوبة عملية الجمع والطرح»، للاستدلال بدقة نسبية على ما قد يكون تحقق منها!
ماذا ينتظرنا في 2020؟
في مسودة موازنتنا القادمة، تقلّصت المساحة الأفقية للاستخفاف الحكومي بعدما اكتفت بإدراج «تحقيق النمو الاقتصادي ودعم العملية الإنتاجية» كبديل وحيد من «زيادة الأجور».
حسناً فعلت الحكومة بتقليص بدائلها عن زيادة الأجور، ولكن -للأسف- يبدو أن آذاننا على موعد مع بثّ بصوت أعلى لـ«إذاعة التعافي» الحكومية نظراً لأن أحداً من أعضائها لا يمكنه أن ينبس ببنت شفة حول تثبيت الأسعار ولجم سعر الصرف كبديل لزيادة الرواتب!
بنائية الاستخفاف العمودية في موازنة 2020، تستكمل فصولها من خلال زيادة فرص التوظيف الحكومي بنحو 15% في العام القادم!
وللمفارقة، فهذه النسبة لا تحتاج إلى مزيد من التفنيد، ما دامت أنها تساوي النسبة «التقديرية» لتنفيذ الوظائف خلال العام الجاري حتى الآن!
ثمة جملة مفيدة واحدة يمكن استنباطها من كل هذا الاستخفاف في التعاطي مع الرواتب والأجور: لطالما يحتاج التضليل إلى تضليل أكبر لدى استحقاق مواعيده!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن