قضايا وآراء

بمنطق رجل الدولة وحال المواطن.. الرئيس الأسد يضع النقاط على الحروف

| محمد نادر العمري

كثيرة هي الرسائل التي تضمنها حديث الرئيس بشار الأسد في لقائه المشترك مع قناتي «الفضائية» و«الإخبارية» السوريتين، فمن المعلوم أن القيادة السياسية السورية ومقام الرئاسة متمثلة بشخص الرئيس الأسد، ينتقي توقيت ظهوره الإعلامي مع كل مرحلة أو مسار أو استحقاق له أبعاده وأهميته من حيث الاعتبارات السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية، قبل وأثناء الحرب على سورية.
ولعل الرسالة الأولى والأهم كانت في انتقاء هاتين القناتين السوريتين، رغم ما يمكن وصفه بـ«زحمة الرغبات» لوسائل إعلام إقليمية ودولية للقاء الرئيس الأسد، ولعل هذا يحمل دلالة مفادها توجه القيادة السورية في شرح الوضع العام وتوصيف المشهد بمختلف جوانبه للداخل السوري بكل شفافية عهدها المواطن السوري بالدرجة الأولى، وخاصة مع ارتفاع وتيرة منسوب الإشاعات والتحليلات والآراء المغلوطة في الآونة الأخيرة ابتداءٍ بالعلاقة الإستراتيجية مع روسيا وإيران بعد محاولة اتهامهما بأنهما شرعنتا الاحتلال التركي في الشمال، وصولاً لملف مكافحة الفساد الذي شكل مؤخراً مساحة فضفاضة لتصفية الحسابات والتكهنات والاتهامات على وسائل التواصل الاجتماعي، مروراً باللجنة الدستورية ومصير المنطقة الشمالية الشرقية والكثير من الملفات المترابطة.
أما بالنسبة للرسائل الأخرى فإنها ليست بعيدة أبداً عن سمات هذا اللقاء، والتي يمكن تصنيفها وفق التالي:
أولاً من حيث الشكل فإن مدة اللقاء الذي تجاوز الساعة ونصف الساعة كانت بهدف الإحاطة بكل المسارات وبمختلف اتجاهاتها وبكل تعقيداتها التي تقلق المواطن السوري، سواء من حيث شكل الصراع مع الدول المعتدية أو على مستوى الشراكة والعلاقة الإستراتيجية مع الأصدقاء والحلفاء أو من حيث معرفة كيفية تعامل الدولة السورية مع المناورات السياسية التي تحصل في لجنة مناقشة الدستور، إضافة إلى الشق الآخر على هذا المستوى والمتمثل بالثقة المطلقة والشفافية الكاملة والحزم الشديد الذي أبداه الرئيس الأسد، فالثقة نابعة من موقع سورية اليوم بعد تراكم الإنجازات للجيش العربي السوري إضافة إلى التغيرات الإقليمية والدولية التي تصب في تعزيز هذا الموقف، والموقف الثابت للحلفاء والأصدقاء بمحوري المقاومة ومحاربة الإرهاب بالوقوف إلى جانب سورية وبما يضمن استقلالها وسيادتها، والشفافية برزت في تناول أشد الملفات حساسية وتوصيفها وتقديم الحلول والرؤى للتعامل معها سواء على صعيد النسيج الاجتماعي السوري أم في التعامل مع الاحتلالين الأميركي والتركي، «فالعنتريات» وفق وصف الرئيس الأسد، لا يمكن أن تستخدم في مواجهة أقوى دولة في العالم، ولكن المقاومة هي السبيل الأفضل والأمثل عندما تتوافر الظروف الملائمة وفي مقدمها «وقف العمالة» وحينما لا يرضخ الأميركي للحل السياسي، وتركيا اختبرت قدرة الحسم السوري في مناطق خفض التصعيد سابقاً وفي إدلب بشكل خاص، وهذا الخيار مطروح في حال استمر النظام الأردوغاني بالمناورة والتنصل في شمال سورية بشقيها الغربي والشرقي، فالمعركة واحدة والعدو واحد والأداة هي الإرهاب، وهذا يوصلنا للحزم الشديد الذي حمله لقاء الأسد في مواجهة أعداء سورية في الخارج والداخل، فالفساد لا يقل خطورة عن الإرهاب ومحاربته مستمرة وهو الوجه الآخر من العدوان على سورية.
ثانياً من حيث المضمون، فإن اللقاء تضمن شقين أساسيين يمكن وصفهما بأنهما رسما خريطة الطريق للمرحلة القادمة بناء على المصلحة الوطنية والتماس هموم المواطن:
• الأول والمتمثل بالشق السياسي، وتظهر به عقلية الدولة وإعلاء المصلحة الوطنية:
1- الإرهاب لا يتم القضاء عليه عسكرياً في ظل توافر المناخ والمال السياسي له، ومقتل البغدادي إن صحت رواية الولايات المتحدة، يشكل مساراً مستمراً لإنتاج الإرهاب بشكل ومضمون ووظائف جديدة، وهدف واشنطن من شكر سورية ما هو إلا محاولة البحث عن المصداقية والشرعنة لسلوكها.
2- التمسك بالثوابت الوطنية واستعادة السيطرة على الأراضي المحتلة ومواجهة الاحتلال بوسائل مختلفة ومتعددة، انطلاقاً من واقع الإمكانات أولاً والظروف ثانياً والقدرة على تحقيق النتائج بأقل الخسائر ثالثاً.
3- التأكيد على التحالف الإستراتيجي والمعركة المصيرية التي يشترك بها الطرفان الإيراني والروسي، وثقة القيادة السورية شبه المطلقة بالسلوك السياسي الروسي تجاه الأزمة السورية ومحاولة حلها، على اعتبار أن موسكو تستند إلى مبادئ القانون الدولي وليس لديها أجندات تخفيها، ولأنها تحارب الإرهاب في سورية لحماية أمنها القومي أيضاً، فضلاً عن قدرتها خلال السنوات السابقة وعبر «أستانا» واتفاقات مناطق خفض التصعيد على مساعدة سورية باستعادة هذه المناطق.
4- واقعية التعامل مع الملفات المعقدة وبراغماتية رجل الدولة، وهذا برز في ثلاث قضايا تناولها الرئيس الأسد، الأولى أن تطوير العلاقات الروسية مع تركيا تصب في مصلحة سورية، واتفاق سوتشي الأخير خير دليل، نظراً لأن هذا الاتفاق أسقط المشاريع الأميركية والتركية وحتى الألمانية بتدويل ما يسمى المنطقة العازلة، وساهم بوصول الجيش العربي السوري إلى الحدود المشتركة مع تركيا واستعادة مساحة شاسعة من شرقي الفرات من دون إطلاق رصاصة واحدة، وأوجد مناخاً لوضع تفاهم أولي بين ميليشيات «قسد» مع الحكومة السورية.
بينما شكلت القضية الثانية قدرة الرئيس الأسد على الفصل بين مشاعره كمواطن سوري لا يشرفه مصافحة أي مسؤول من النظام التركي، وبين مسؤوليته وواجبه كمسؤول في تحقيق مصالح بلاده إن تطلب ذلك الجلوس مع أعدائه في حال حققت نتائج تضمن هذه المصلحة، وهذه النقطة قد تكون رسالة ضمنية تتعدى النظام التركي نحو أنظمة أخرى شاركت بالحرب على سورية، باستثناء الكيان الإسرائيلي الذي وصفه الرئيس الأسد بأنه «الحاضر الحاضر» في الحرب على سورية والذي يبحث عن أي شكل أو وسيلة لاستحصال الاعتراف بوجوده من دمشق.
أما القضية الثالثة فإن ما عجزوا عنه في الحرب لن يحصلوا عليه بالسياسية، ومن يراهن على مرونة سورية بالتعاطي مع ملف لجنة مناقشة الدستور ليعيد فترة الانتداب عليها هو حالم، وتعديل وتغيير الدستور من ألفه ليائه هو مقبول إن صان المصلحة الوطنية.
– الشق الثاني متمثل بالاستمرار في محاربة الفساد، وخاصة أن المرحلة الحالية تتطلب ذلك أولاً ولأن جزءاً مما يعانيه المواطن السوري هو نتيجة لهذا الفساد، وهو ما يشكل حاجة بهذا التوقيت لعدة أسباب:
– للارتقاء بأداء المؤسسات وتحمل المسؤولية من أصحاب المناصب، فجزء من أسباب الفساد هو تقاعس المسؤولين وتسويغ سلوكهم خلال السنوات السابقة بسبب الحرب، الأمر الذي يخلق بيئة لنمو الفساد أفقياً وعامودياً، وتأكيد الرئيس الأسد على محاربة الفساد داخل أقدس مؤسسة وهي العسكرية في ظل الحرب، يؤكد على أهمية هذا المسار وجديته.
– تعديل القوانين لما لدورها في سد الطريق أمام الفاسدين في إيجاد ثغرات قانونية لأفعالهم وسلوكهم غير القانوني، وهذا التعديل يحفظ حق المواطن وحقوقه.
– دور الإعلام في تسليط الضوء على مكامن الفساد وتوصيفه لمواجهته والحد منه ضمن أطر وقواعد قانونية بعيداً عن الشخصنة وتوزيع الاتهامات، ما يرقى بعملها ويضبط فوضى مواقع التواصل الاجتماعي.
– مرحلة إعادة الإعمار تتطلب توافر مقومات وعوامل لنجاحها ويعتبر القضاء على الفساد أهم عوامل نجاحها، وقد يشكل هذا الفساد واجهة لعودة التأثير الخارجي اقتصادياً وبذلك يكون ما حققته سورية بمؤسساتها وشعبها من صمود قد ضاع هباءً منثوراً، فالفاسد اليوم لا يمكن وصفه بتاجر الحرب بل «المتاجر بدماء الشعب السوري».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن