أجابت مقابلة الرئيس بشار الأسد الأخيرة مع قناتي «السورية» و«الإخبارية» الخميس الماضي على الكثير من التساؤلات السياسية التي كانت مثار جدل من جهة، وعدم وضوح من جهة أخرى لدى الرأي العام السوري، ولدى الكثيرين في الخارج، بالنسبة للعديد من القضايا الداخلية والدولية، وسوف أركز في مقالي هذا على ملف بدا لكثير من المحللين غامضاً، وفي بعض الأحيان ملتبساً، وهذا الالتباس ناتج على ما يبدو لي عن ضعف في القراءة التحليلية للقاءات الرئيس الأسد السابقة، أو حتى كلماته في مناسبات مختلفة، وأقصد هنا ملف العلاقات مع تركيا.
والمتابع بدقة لهذا الملف يكتشف أن الرئيس الأسد لم يغير مقارباته تجاه هذه العلاقة أي مع تركيا، وسأفصّل هنا كي تكون الأمور أكثر وضوحاً للقرّاء والمتابعين.
1- في المرحلة الذهبية للعلاقات: كان تركيز الرئيس الأسد في العلاقات مع تركيا على وحدة المصالح، ولكن ليس استناداً إلى المقاربة الإمبراطورية، أي رفض المشروع العثماني، وإنما إلى المصالح الحقيقية والتكامل بين دول المنطقة عبر سكك حديد، كهرباء، طاقة… إلخ، لأنه يرى أن مستقبل المنطقة هو في المشاريع الكبرى الإستراتيجية العابرة للحدود، وبرأي الرئيس الأسد فإن مثل هذه المشاريع تحتاج للاستقرار الداخلي والأمن والقرار المستقل.
أما العلاقة بينه وبين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يراها الرئيس الأسد أنه كان من المفترض أن يكون هدفها أن تنعكس على العلاقة السورية التركية، لكن عندما تورط أردوغان ومسؤولوه بدماء السوريين فلا مكان للجسور مع هؤلاء، ولا بين هؤلاء والشعب السوري، الذي لا يحترمهم على الإطلاق.
يرى الرئيس الأسد أن هناك أشياء كثيرة متشابهة، بين سورية وتركيا: طبيعة الناس، عواطفها، طبيعة النسيج الاجتماعي، والتاريخ المشترك، بغض النظر «إذا كان هذا التاريخ سيئاً أم جيداً أو متنوعاً لا يهم».
2- مرحلة الحرب الفاشية على سورية: تحدّث الرئيس الأسد في العديد من اللقاءات عن الدور التركي، والعلاقة مع تركيا، وأحد أهم هذه اللقاءات المقابلة مع قناة «أولوصال»، وصحيفة «آيدنليك» التركيتين في 6 نيسان عام 2013، وما قاله في اللقاء الأخير مع وسائل الإعلام السورية، وهنا يمكن أن تستخلص ما يلي «مقتبساً من هذه المقابلات أهم الأفكار»:
• القناعة بأنه إذا حصل في سورية اضطراب وصل إلى مرحلة التقسيم، أو سيطرة القوى الإرهابية في سورية، أو كلتا الحالتين لابد أن ينتقل هذا الوضع مباشرة للدول المجاورة أولاً، وبعدها بتأثير الدومينو إلى دول بعيدة في الشرق الأوسط، وهذا يعني خلق حالة من عدم الاستقرار لسنوات وربما لعقود طويلة.
• خاطب الأتراك، في مقابلة 2013، بالقول: إننا نمر بمرحلة مفصلية نحن وأنتم والمنطقة، وهذه التغيرات مخطط لها بشكل خارجي، وما يحصل اليوم في جوهره مشابه لما حصل قبل مئة عام لإعادة تقسيم المنطقة، لكن قبل مئة عام قبلنا بالتقسيم كما وضعه «سايكس وبيكو»، وعلينا ألا نقبل بأي إعادة صياغة أو رسم للمنطقة إلا بحسب ما يناسبنا كشعوب في المنطقة، ويجب أن نكون أصحاب القرار.
• في موضوع أردوغان قال:
– المهم: كيف تقنع رئيس الحكومة، ويقصد أردوغان الذي كان رئيساً للحكومة عام 2013، أن الحريق في سورية سوف يحرق تركيا، هو لا يرى هذه الحقيقة مع كل أسف، ولذلك أي اضطراب في أي من البلدين سوف ينعكس على الاستقرار في الآخر.
– شرح الرئيس الأسد أن أردوغان رأى في الأحداث التي تحصل في العالم العربي والعالم فرصة لكي يطيل عمره السياسي، وقال: هذا الرجل هو عقل إخوان مسلمين، والإخوان مجموعة انتهازية تستخدم الدين من أجل مصالح شخصية.
– أردوغان يصب اهتمامه على موضوع الإخوان أكثر من اهتمامه بموضوع العلاقات السورية التركية، وأكثر من اهتمامه بتركيا نفسها، وذلك بمقابلة 2013.
– أردوغان لم يقل كلمة صدق واحدة منذ بدأت الأزمة في سورية على الإطلاق، وأنا، والكلام للرئيس الأسد 2013، لا أبالغ في هذا الأمر، وأردوغان يستخدم كلاماً عاماً قاله لنا كقناع لدعم المسلحين بتمويل قطري.
– ما أقوله ضد أردوغان هي صفات حقيقية، وهو شخصية انتهازية، وعقيدة انتهازية، وذلك بمقابلة 2019.
– سوف أشعر بالاشمئزاز، ولن أتشرف بأي لقاء، لكن المشاعر نضعها جانباً عندما تكون هناك مصلحة وطنية، وإذا كان هناك لقاء سيحقق نتائج، وكل ما يحقق مصلحة الوطن فلابد من القيام به، وهذه مهام الدولة. لقاء 2019.
• في المسألة الكردية خاطب الرئيس الأسد الأتراك، في مقابلة 2013، بشأن كيفية حل المسألة الكردية من خلال ما يلي:
– التركيز على أن القومية ليست عرقاً.
– أن تكون تركياً لا يعني ألا تكون كردياً، أو أرمنياً، أو عربياً بأصولك، ولديك ثقافة ولغة.
– الشيء نفسه أن أقول عربياً لا يعني الانتساب لعرق عربي.
– إنما القومية التركية والقومية العربية حالة حضارية يجب أن تستوعب الجميع.
– المشكلة أنه في السابق ربما كانت هناك عقلية إلغاء للثقافات الأخرى.
– سورية تدعم أي حل بين الأتراك والأكراد، ولا نريد المزيد من الدماء داخل تركيا، ما ينعكس سلباً على المنطقة.
– الأكراد جزء طبيعي من نسيج هذه المنطقة، وهم ليسوا ضيوفاً أو مهاجرين جدداً.
– نحن نسيج واحد بألوان مختلفة، وأخطر شيء أنه بدل من النظر للتنوع على أنه غنى يعطينا قوة، ننظر إليه أنه ضعف، لذلك نسمح للقوى الخارجية بأن تلعب ألعابها ضدنا وتخلق الفتن.
– لا يجوز التعميم بأن كل الأكراد يريدون الانفصال، فهناك مجموعات صغيرة تدعو لذلك، لكن أغلبية الأكراد أشخاص وطنيون يريدون العيش داخل سورية.
– الانفصال مرفوض شعبياً، وهذا موضوع محسوم وغير قابل للنقاش، وأسبابه الفوضى في سورية، التي عمل عليها الكثيرون.
– مشروع كردستان الكبرى ليس مقبولاً فالدول تسعى للاندماج، وليس للتفتيت، والدول الأربع، يقصد سورية وتركيا والعراق وإيران، لن توافق على هذا، وهذا المشروع دليل تخلف.
• العلاقات مع الشعب التركي:
– حاول أردوغان كثيراً ضرب العلاقة بين الشعبين السوري والتركي.
– الحكومات ستذهب لن تبقى للأبد، وعلينا ألا نسمع للحكومات ولا للمسؤولين الحمقى منهم وغير الناضجين أن يضربوا هذه العلاقة (بين الشعبين) التي يجب أن نبنيها نحن، وليس أي جهة أجنبية في الخارج، وهذه هي رسالتي للشعب التركي. بمقابلة عام 2013.
– الحرص على ألا نحول تركيا إلى عدو، وألا تكون تركيا دولة عدوة، فبالرغم من أن أردوغان ومجموعته أعداء لأنه يقود هذه السياسات، لكن الآن معظم القوى السياسية ضد سياسات أردوغان، ولا تجوز المقارنة بين تركيا وإسرائيل. بمقابلة 2019.
اعتقد البعض أننا سنرد، يقصد على سياسات حكومة أردوغان، بأعمال إجرامية، ولكن نحن لا نرد بالأعمال الإجرامية، لأننا نفترض أن الشعب التركي هو شعب شقيق، والدخول بصراع بين شعبين لن يخدم سورية ولا تركيا، بل سيجعل الأمور معقدة أكثر، ونحن لن نقوم بأي عمل ضد الشعب التركي، وأردوغان يريد أن يكون هناك صدام على المستوى الشعبي بين سورية وتركيا لكي يحصل على الدعم الشعبي لسياساته، ويستعيد شيئاً من الشعبية التي خسرها، ونحن لن نقع في هذا الفخ لأسباب مبدئية. بمقابلة عام 2013.
إن قراءة سريعة لما عرضته أعلاه يزيل بشكل كامل أي التباس، أو سوء فهم حالي، أو مستقبلي للنظرة لشأن العلاقة مع تركيا في الجانبين الإستراتيجي والتكتيكي، وأي متابع محايد لما أشرت إليه يظهر له بوضوح أن الرئيس الأسد كانت وما زالت نظرته دقيقة، عميقة، متوازنة، واقعية، والأهم إستراتيجية العلاقة مع تركيا التي لا يربطها بأردوغان إنما بالشعب التركي الذي خاطبه عام 2013 بالقول: «الازدهار في هذين البلدين سوف ينعكس على الآخر، والحريق سوف ينتقل بالطريقين» فقط انظروا لما يجري الآن؟