موسكو ودمشق وحلفاؤهما يفرضون جدول عمل المنطقة
تحسين الحلبي :
بدأت التطورات التي فرضتها موسكو ودمشق في الأسبوعين الماضيين على ساحة العمل الميداني في الحرب على المجموعات الإرهابية داخل سورية وقرب حدودها تفرز نتائج إيجابية بالغة الأهمية محلياً وإقليمياً ودولياً فقد تعززت قوة وقدرات جبهة الحرب الحقيقية التي يقودها الجيش السوري والمقاومة اللبنانية وحلفاؤهما على المجموعات الإرهابية كافة وليس داعش فقط، وظهرت هذه القوة ونتائجها الواضحة في الإنجازات المتسارعة عسكرياً وسياسياً في سورية والعراق في الوقت نفسه.
وكشفت هذه التطورات بالمقابل الدور الذي قامت به واشنطن من استغلال شعارها في الحرب على داعش في تقويتها ومجموعات القاعدة ذات الأسماء المختلفة في سورية والعراق، فقد ذكر أهم مركز أبحاث إستراتيجية بريطاني لصنع السياسات في لندن وهو «معهد الإدارة الملكي الموحد للدراسات الدفاعية والعسكرية» أن التنسيق الروسي السوري في الحرب على داعش سيؤدي إلى تبديد قوة مجموعات منظمة (القاعدة) أي النصرة وأمثالها التي تعمل في سورية وأضاف المركز: إن ديفيد بترايوس قائد الجيش الأميركي السابق كان قد ذكر أن الجيش الأميركي يعتبر مجموعات القاعدة خياراً قابلاً للتحالف مع واشنطن.
واعتبر المركز البريطاني أن استهداف روسيا وسورية لمجموعات منظمة القاعدة سيلحق الضرر بالمشروع الأميركي للتحالف مع القاعدة، ويبدو من الواضح أن التطورات التي فرضها التنسيق الروسي السوري العسكري العلني لاستهداف المجموعات الإرهابية المسلحة كافة بدأ يقلب الطاولة على واشنطن والأدوات التي سخرتها في الحرب على سورية، وأعلن بوتين بنفسه أن المجموعات المسلحة التي قامت واشنطن بتدريبها وإرسالها للعمل في سورية انضمت إلى مجموعات داعش والقاعدة (النصرة وأخواتها) وتمكنت الدبلوماسية الروسية السورية الإيرانية من خلق اختراق داخل صف التحالف الأميركي حين ظهرت حقيقة هذا الدور الأميركي فسارعت دول أوروبية كثيرة إلى الإعلان عن ضرورة التنسيق مع موسكو والرئيس الأسد في شن حرب فعالة على داعش وغيرها من المجموعات الإرهابية التي تعمل في سورية والعراق، ومع ذلك لا أحد يشك في أن واشنطن ستحاول الالتفاف على هزيمتها النسبية في موضوع تعزيز قدرة داعش والقاعدة في سورية والعراق وقد تلجأ إلى الدعوة للتفاوض مع المجموعات المحلية الإرهابية المسلحة التابعة لهما مثل «جبهة النصرة» وبقية حلفائها المحليين وهذا ما تدركه دمشق وموسكو في خطتهما المشتركة لاستئصال المجموعات الإرهابية من المنطقة كلها وليس من سورية وحدها. فالجميع يلاحظ أن موسكو وطهران ودمشق اخترقت الوجود الأميركي في العراق حين دعت بغداد للانضمام إلى إطار التنسيق المشترك لاستئصال المجموعات الإرهابية وهذا ما يشكل توسعاً في جبهة الحرب الحقيقية والفعالة لضرب أدوات واشنطن وحلفائها في المنطقة وكمقدمة لإطار أممي يستند إلى الأمم المتحدة وليس إلى الإدارة الأميركية. لكن الأولوية التي ستفرض نفسها على أي جدول عمل روسي سوري إيراني سيتمثل في فرض تنسيق مباشر مسبق مع دمشق على دول التحالف الأميركي التي تجاوزت هذا الأمر حين كانت تعلن أنها قصفت بعض أهداف لمجموعات داعش في شمالي وشمالي شرقي سورية ولذلك أعلنت موسكو ودمشق أن ما أعلنته فرنسا عن أول قصف فرنسي لأهداف داعش في سورية يعتبر انتهاكاً لسيادة سورية ولميثاق الأمم المتحدة وقراراتها تجاه سيادة الدول.
وكانت هذه التصريحات الروسية والسورية تحمل رسالة لكل من واشنطن وباريس ولندن وتعلن لهذه العواصم أن مصداقية أي حرب على إرهاب داعش وغيرها تفرض تنسيقاً مسبقاً مع أكبر قوة برية عسكرية وجوية سورية تشن الحرب على هذه المجموعات وأمثالها. ولذلك فتحت هذه التطورات الأخيرة التي ولدتها موسكو ودمشق وطهران طريقاً عريضاً وسريعاً لكي يبدأ العد التنازلي لانتصار قضية سورية لضرب الإرهاب واستئصاله من أجل استعادة الاستقرار لسورية ودورها الثابت في قضايا المنطقة مع حلفائها التاريخيين.