ثقافة وفن

التاريخ المعماري والعمراني لبلاد الشام 1918-1946 … الشخصية الحضارية زمن الانتداب مع توثيق ميداني

| سوسن صيداوي

من حب الأوطان يأتي الأمل بخلق الإبداع، هكذا عبّر عن امتنانه بحبه الكبير لبلده الدكتور لطفي فؤاد لطفي بإهدائه التالي: (إلى بلدي الأمل) في كتابه (التاريخ المعماري والعمراني لبلاد الشام1918-1946) من القطع الوسط، متضمنا ثلاثة فصول، بواقع مئتين وثمانٍ وستين صفحة، تنوعت بين المعلومات وتوثيقها بالصور،منطلقا الباحث في مؤلفه من فكرة أنّ بلاد الشام، هي وحدة تشكيلية قديمة، من حيث مجتمعها الإنساني وعبر منجزاتها الحضارية، عدا كونها مركز جذب واستقطاب للفاتحين والمتطلعين إلى مواقع إستراتيجية مهمة، أو باعتبارها محوراً للعالم الحديث والقديم بقوتها الاقتصادية وتشكيلها الاجتماعي، كذلك بنظمها الإدارية والسياسية التي تشكلت عبر الزمن. ولابد من الإشارة إلى أنّ هذا البحث يفرد للقارئ معلومات تتعلق بمنطقة جغرافية وتاريخية والأهم من ذلك بساطة المعلومة الموثقة بمعظمها بالصور الفوتوغرافية، بحيث يبتعد القارئ عن الرتابة المعتادة في بحثه. وللمزيد نتوقف عند بعض النقاط:

ماقبل التاريخ
تحدث د.لطفي في مقدمة كتابه عن المواضيع التي تضمنها البحث من زمن يرجع إلى ما قبل التاريخ، خصوصا أن الوثائق والعمائر والاعتقادات، أكدت وجود هذه الوحدة المؤسسة على أبعاد جغرافية واجتماعية واقتصادية وتاريخية واحدة، أدّت إلى وحدة في المصالح والحياة، قائلاً: «أطمح في بحثي هذا إلى تتبع الشخصية الحضارية لبلاد الشام زمن الانتداب، هذا تطلب مني التوقف عند المنشآت المدنية التي عرفتها في تلك الفترة الزمنية1918-1946، ودور البنائين الحقيقيين في إنجاز تلك المنشآت، كما تطلب دراسة تاريخ العمارة فيها والتطور العمراني والتوثيق الميداني لها والتأثيرات الغربية في هذه العمارة وأشكالها، وطرق بنائها، وتنظيم مدنها ومجمل التغيرات التي تعرضت لها».
أشكال المدن

اتبع الباحث منهجية التحليل لقراءة العلاقة بين أشكال المدن وعمارتها والإنسان، مستنبطاً استنباطاً علمياً لمعرفة حركة الإنسان اعتماداً على الوثائق والمصادر والمراجع، والبحث الميداني وأرشيف المؤسسات الرسمية في سورية ولبنان وفرنسا وتركيا وفلسطين والمكتبات العامة والخاصة، ليشكر الجهات التي ساعدته في الحصول على المعلومة، قائلاً: «أشكر كلاً من إدارة وموظفي: مكتبة الأسد الوطنية ومركز الوثائق التاريخية بدمشق ومكتبة جامعة بيروت العربية والمكتبة الفلسطينية في بيروت، والإدارات الفنية لبلديات دمشق وبيروت وحلب وأنطاكية وإسكندرون، وأرشيف وزارة الخارجية الفرنسية بباريس والمكتبة الوطنية بفيينا».
كما شرح د.لطفي خلال مقدمته أن كتابه يتضمن ثلاثة فصول، تضمن الأول منها مصطلح بلاد الشام والتحديد التاريخي والجغرافي لها، والمسألة الشرقية، والصراع على النفوذ فيها، كما تضمن الفصل الثاني تاريخ التطورات المعمارية في بلاد الشام، والعمارة وتنظيم العمران زمن الانتداب، وتضمن الفصل الثالث أشكال العمارة وخصائصها، في كل من المدن: إسكندرون وأنطاكية وبيروت وحلب ودمشق، والعمارة الفلسطينية في كل من القدس، ورام الله، ونابلس…إلخ.

العمارة
تحت هذا العنوان اعتبر الباحث العمارة منتجاً إنسانياً وبالطبع هي ذات وظائف حياتية وأبعاد جمالية ودلالات اجتماعية وتاريخية واقتصادية «فهي غلاف الحياة الإنسانية ومحيط للذاكرة وموئل لها، وهي تعكس صور الشعوب ومفاهيمها وتجاربها».
مضيفاً د.لطفي: «لاحظنا أن الأحياء هي تجمعات سكنية تؤمن المحيط المادي لشعور الفرد بالأمان وتصب كلها على عصب المدينة المركزي، كما لاحظنا انعدام الفروق الشكلية في تصميمها كوحدات عمرانية، والجديد فيها المرونة في التوسع عبر المركز المتحرك-السوق-الذي يشكل عصب المدينة».

العصرنة والتحديث
خلال المرحلة الانتدابية في جميع بلاد الشام: إسكندرون، أنطاكية، حلب، بيروت، دمشق، القدس. كانت العصرنة والتحديث هما الصفتين الغالبتين على هذه المرحلة، فعندما استلمت جيوش الاحتلال الحكم في بلاد الشام إثر الحرب العالمية الأولى، كان أول اهتماماتها تأمين خطوط الاتصال، وإيجاد قاعدة بحرية على الساحل الشرقي للبحر تضمنت تثبيت الوجود والنفوذ في الشرق العربي، كما وضعت معظم الأبنية العامة لوظائف الإدارة العسكرية للاحتلال، بالإضافة إلى تأثر النسيج العمراني للمدن بالأغراض العسكرية المتوافقة مع النظريات التصميمية الأوروبية كفتح الشوارع العريضة بالتزامن مع تطبيق نظام البناء الفرنسي عام1930، ويضيف: «لوحظ أن المعماريين الأوروبيين اعتمدوا أساليب مختلفة في العمارة وفقاً لوظائف المباني ووفق تصميم تتكرر عناصره المعمارية ذات المقياس الواحد -حسب أنظمة البناء الأوروبية- مثل العناصر المكملة للواجهات كالنوافذ والأبواب والزخارف الحجرية والشرفات…إلخ التي أبرزت تأثرها بعمارة الروكوكو والباروك المتأخر لإغناء الواجهات بتبني منحى جديد في العمارة يعتمد على احترام التأثيرات البيئية والتعامل مع التطورات المعيشية الجديدة، وإيجاد بدائل البناء التقليدي معتمدة على تقنيات البناء الحديث ومستعملة مواد معاصرة أدت إلى تغيير الطراز المحلي».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن