من دفتر الوطن

تمييع التطبيعٌ!

| فرنسا- فراس عزيز ديب

من الطبيعي أن ينتمي الشعب في دولةٍ ما إلى مجموعةٍ من الثوابت والشعارات أو النهج العام الذي يمثّل هذه الدولة، هذا موجود في كل الدول من دون استثناء، بمعزلٍ عما إذا اتفقنا أو اختلفنا مع ثوابتهم وشعاراتهم.
في هذا الشرق البائس تربينا على العديد من الثوابت والمصطلحات منها رفض التطبيع مع العدو، مصطلح بات اليوم مثار سخريةٍ تستهدف المتمسّكين به، سخرية قد تصل إلى هدفٍ أساس وهو تمييع كل ماله علاقة بالثوابت الوطنية، لدرجة تجعلك تسأل فيها أولئك «الديمقراطيين الجدد» من أبناء جلدتنا:
لماذا تعطون لأنفسكم باسم حرية الرأي الحقّ بتمييع شعارات كهذه، وبذات الوقت تهاجمون من يتمسّك بها بأقذع الألفاظ؟
واقعياً فإن هؤلاء المنتقدين يجدون لأنفسهم أرضية خصبة في تعميق انتقاداتهم لمصطلحات كهذه، بعكس من يتمسّك بشعارات كهذه والذي يبدو في وضعٍ لا يحسد عليه تحديداً منذ انطلاقة كذبة ربيع الدم العربي، حيث باتت ظاهرة التطبيع متشعبة وتمييع المصطلح في أوجها، واليوم نبدو وكأننا أمام أمثلةٍ حية منها:
المثال الأول، هو إعلان وزارة الخارجية الإسرائيلية أن الفيلم السعودي «المرشّحة المثالية» للمخرجة السعودية «هيفاء المنصوري» سيفتتح مهرجاناً سينمائياً في القدس المحتلة الشهر المقبل. الخبر قد يبدو عادياً فالعلاقة المتصاعدة بين السعودية وإسرائيل لا تبدو وقد قطعت أشواطاً نحو التطبيع فقط، لكنها تبدو ثمناً لتوطيد أركان الحكم السعودي، أما ما ليس عادياً أن تقوم مشيخة كقطر مثلاً بالإيعاز للأذرع الإعلامية التابعة لها بالتعاطي مع الحدث لكونه كسرٌ للتطبيع، وكأن تلك المشيخة ليست من أوائل من قصّ الشريط الافتتاحي للتطبيع الخليجي مع إسرائيل، فمن يتابع كيف تعاطى الإعلام المموّل قطرياً مع الحدث سيستحضره المثل الشهير(ما أفصحهم وما أفصحهنّ… عندما يحاضرون بالعفة)، ألهذا الحد تقزّم مصطلح «رفض التطبيع»؟
المثال الثاني، هي قناة إسرائيل 24 الإخبارية، تلك القناة وإن كانت حديثة العهد، إلا أن فكرتها لا تختلف كثيراً عن فكرة مثيلاتها الناطقات بالعربية وتقوم على وجود ضيوفٍ عرب يتحدثون ويروجون لأفكارهم ولو كانت معادية للسياسيات الإسرائيلية، لكنهم عملياً يتناسون أن هذه القناة بالنهاية إسرائيلية صرفة، تحديداً أنها باتت تستجلب ضيوفاً من السعودية والعراق أو تونس والجزائر، حتى إن الكثير من المقابلات تتم بوجود ضيوفٍ إسرائيليين ليبدو الظهور فيها لا يفرق نهائياً عن الظهور على التلفزيون الإسرائيلي.
أما ذريعة نقل وجهات النظر العربية على المنابر المعادية فهي ذريعة تذكرنا ببدايات الحرب على سورية عندما كنا نتساءل:
ما نفع ظهور البعض على قنواتٍ بترودولارية في لبنان وقطر وغيرها؟ كان الجواب:
لا مانع من نقل وجهة النظر السورية للمشاهد العربي، علماً أن الوقائع المتعلقة بأغلبيتهم العظمى لم تكن كذلك فهم كانوا ببساطةٍ يظهرون لحبّ الظهور، يظهرون لأن هناك قنوات تدفع أجوراً عالية لمشاركات كهذه، هؤلاء تجاهلوا أنهم كانوا بوجودهم يبرّرون الشتم الذي تتعرض له الرموز السورية بل يعطون مصداقيةٍ للطرف الآخر، هؤلاء نظرياً كانوا أسوأ من الساخرين من رفض التطبيع.
في الخلاصة: ليس عدونا فقط من سعى رويداً رويداً لكسر ثوابتنا واستهدافها، هناك من أبناء جلدتنا من ساهموا بسذاجةٍ في ذلك أو بقصد، وهناك من تجاهل أن التطبيع مع العدو لا يفرق عن التطبيع مع الذي يخدم مصالح العدو، هل حقاً أن هناك فرقاً بين إسرائيل وعصابة الإخوان المجرمين مثلاً؟!
بنظرةٍ بسيطة سنكتشف إننا أجرمنا بحقّ مصطلحات كهذه أكثر من أولئك الساخرين والمعادين، لكن أياً يكن ومهما كانت الأوصاف التي تصفوننا بها، بالأمس واليوم وغداً:
تباً للتطبيع والمطبعين… والساخرين من الثوابت.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن