من دفتر الوطن

ثروات مفقودة..

| فرنسا- فراس عزيز ديب

يبدو من الطبيعي عندَ كل ارتفاعٍ لحدةِ الأزمة الاقتصادية والمالية في سورية أن يكونَ هناكَ نقاش وحوار عن الحلول المقترحة.
في الأزمةِ الأخيرة التي أدت لهذا الارتفاع الجنوني بسعرِ صرف الدولار مقابلَ الليرة السورية، كان السؤال الأهم المطروح:
كيف يُمكن للدولة تأمينَ مصادرَ إضافية للقطعِ الأجنبي في ظلِّ الحصارِ الذي تعانيه؟
على المستوى الشخصي لستُ ضالِعاً بالقضايا الاقتصادية، لكني سأسمحُ لنفسي بطرحٍ من وجهةِ نظرٍ قانونية ينطلق من فرضيةِ البحث عن إغلاقٍ للضياعاتِ المباشرة وغير المباشرة للقطع الأجنبي لا البحثَ عن مصادرهِ، ومن بينِ هذهِ الضَيَاعات قضيةَ الطلابِ الموفدينَ في الخارج الذينَ لم يعودوا بعد انتهاءِ مدةَ إيفادهم.
يصل عدد الطلاب الذين لم يعودوا إلى نحو ألفَ طالب، الفكرة هنا ليسَت رقماً لأننا نتحدث عن مشكلةٍ يجب أن يوجد لها حل بعيداً عن التنظير، فالأغلبية الساحقة من هؤلاءِ الطلاب ينتمونَ لعائلاتٍ قاتلت لأجلِ الوطن، بل إنَّ معظمهم كان الرِّئة التي تنفست عبرها عائلاتهُم في سورية مادياً في ظل ما يعانيهِ المواطن من أزمةٍ اقتصادية وحصارٍ وحرب.
ليس ذلك فحسب، فأغلبية هؤلاء تقدَّمت فعلياً بطلباتٍ لتسديدِ الأموال المترتبة عليهم، واتهامهم بأنهم سرقوا هذه الأموال يبدو مردوداً على مطلقهِ، أساساً لو لم يكونوا مرتبطين بوطنهم ولديهم رغبة في ألا تكونَ هذهِ الغرامات سبباً لقطعِ علاقتهم ببلدهم لما تقدموا بطلبات كهذه. بعضهم نجحَ فعلياً وقامَ بتسويةِ وضعهِ واستعادت الدولة كامل حقوقها، لكن البعض الآخر وبعدَ أن قطعَ أشواطاً كبيرة في التسوية ذهبت طموحاتهم أدراجَ الرياح بعد صدور المرسومين التشريعيين 3 لعام 2017 و8 لعام 2018، حيث عدَّل هذان المرسومان ومن طرفٍ واحد صيغةَ التعاقد بين وزارة التعليم العالي والموفد، ليصبحَ المبلغ الذي يجب تسديدهُ في حالِ عدم العودة هو ضعفي المبلغ الذي تلقاهُ، لكن بسعرِ الصرفِ الرائج حالياً، وليس كما كان في التعاقد أي بالسعرِ عند التحويل.
بحسبةٍ بسيطة إن كان الطالب قبضَ خلال دراستهِ مبلغ مئة ألف يورو بسعرِ تحويلٍ خمسة وستين ليرة لليورو الواحد، فسيكون المبلغ بعد مضاعفتهِ بحدود ثلاثة عشرَ مليون ليرة سورية، اليوم على الطالب أن يعيدها بحدود مئة وعشرين مليون ليرة، هذا التعديل ساهم كثيراً بعزوفِ الطلاب عن التسوية، وبعضهم تلقى فعلياً قرارات بحجوزاتٍ طالتهُ وطالَت عائلتهُ علماً إن كل ما تملكهُ العائلة قد لا يُغطي عُشرَ هذا المبلغ، فما الحل؟
بالتأكيد يحق للدولةِ أن تسعى لضمانِ حقوقها فجميعنا مع عودةِ أموال الدولة المنهوبة أو تلكَ الضائعة، لكن ليس بتعديلِ التعاقد بأثرٍ رجعي ومن طرفٍ واحد، فلا يمكن المحاسبة على تعاقدٍ تم وفق قانون الإيفاد لعام 2004 بقانونٍ صدرَ في العام 2018، فالموفدون يعترفون أن عليهم تسديدَ ما يترتب لكن الوقت ذاته فإن شيطنتهم والتعاطي معهم كطبقةٍ خارجة عن القانون لم يحلا المشكلة، بل خلقَا ببساطة ألف مشكلة، فلماذا الانتظار؟
في الخلاصة: هذهِ القضية تُعتبر من الثروات الضائعة التي يجب إعادة النظر فيها على أملِ إيجاد حلٍّ وسط يريح جميع الأطراف، وهي جزء من الضياعات أو الثروات المفقودة التي يجب أن نحاولَ استعادتها، لأننا في حالةٍ كهذه نحرم الدولة من استعادةِ الأموال التي كانت قد صُرفت عند التحويل وهذا حقّها، ونحرمها مستقبلاً من الاستفادةِ من خبراتِ هؤلاء العلمية والعملية إن قرروا العودة، لكننا في الوقت ذاته نحرم قرابةَ ألف عائلةٍ سورية من زيارةِ وطنهم كمواطنين لا يشكّ أحدٌ بوطنيتهم رغم نكوصهم السابق بالتزامِ العودة الذي قد يكون لهُ أسبابهُ وما يعنيه الأمر من ضخٍّ للأموال في السوق أو في الاستثمار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن