ثقافة وفن

في عرض «البوابات» صعوبة الفهم مقصودة … مأمون خطيب لـ«الوطن»: عملنا لإحداث مفارقة بين الواقع والخيال ولم نكشف الحقائق

| سوسن صيداوي ت: طارق السعدوني

أن تشاهد عرضاً مسرحياً يدفعك إلى التفكير كثيراً، أو يثقل قلبك بمشاعر، أو ربما يجعلك تتنفس متأففا من ضغط الحالة، هو الغاية من التأثير عليك، والوصول إلى أعماقك بغرض أن تتحرك خوالجك النفسية، لأن ما تشاهده يصيبك في معاناتك بمكان ما. هذه هي شرطية العرض المسرحي (البوابات) من تأليف: نسرين فندي/مأمون خطيب.
تمثيل: إبراهيم عيسى، نسرين فندي، رشا الزغبي، سليمان رزق. والإخراج لمأمون خطيب. مُقدَما على مسرح القباني في دمشق، مُربكاً الجمهور بنص معقد فيه الكثير من الأفكار ويحمل عبء نفسيات أنهكها الهم والغم وانتهاءً بالمرض النفسي، وخلال العرض نبدأ من مكان وقصص وأحداث لننتهي بمكان آخر حاضن والتهيؤات والأوهام. للمزيد حول العرض نترككم مع الإيضاحات.

عين الوطـن

في بادئ الأمر تتخيل أن ما تشاهده هو جدال يتم بين مسافرين ينتظرون العبور من بوابات المطار. حوارات تحمل الكثير من الصِدامات، الاعترافات، الانكسارات، الأحلام. وبعد مضي وقت تبدأ التهيؤات لتأخذنا مع الرسامة -رشا الزغبي- التي ترسم الوجوه وملامح المسافرين الثلاثة، فضّل المخرج والمؤلفة بألا يحملوا أسماءً دلالة على أنهم يمثلوننا طوال العرض، لنكتشف معاناة كل واحد منهم وما يعيشونه من ضغوط خانقة فُرضت عليهم بفعل العادات والتقاليد والصراع الدائم بين المحافظة على الأخلاق والمبادئ أو التنازل عنها، بل الدوس عليها في سبيل تحقيق الأهداف وقبول العروض التي تُقدّم للمسافرة الشابة- نسرين فندي- والتي تعاني من التحرش وأصبح الأمر بالنسبة لها مؤذياً إلى درجة اتهامها كل رجل بأنه يتحرش بها بمجرد اصطدامه غير المقصود بها، والتي بقيت متشبثة بالأمل رغم تعرضها للاغتصاب، باحثة عن حب حياتها وربما هذه المرة تصيب هدفها وترتبط برجل أجنبي ولكن للأسف يُغلق صفحته الفيسبوكية وتنقطع أخباره، وهي مسافرة عبر الخيالات والأحلام إليه.

على حين نجد العازف الموسيقي- الممثل سليمان رزق- الذي لا يمكنه الانسجام البتة مع المسافرة الأخيرة التي تفتعل إزعاجه بردود أفعالها أو كلامها، ويتكلم عن نفسه وأحلامه بأنه سيعزف في إيطاليا البلد الذي يقدّر الفن على غرار كل الدول الأجنبية الأخرى، وخصوصاً أنه عانى الويل في بلده ممن سرق إبداعاته ولم يعطه أجره ولكونه يريد أن يسدّ رمق حاجياته اليومية، الأمر دفعه للعزف في الملاهي الليلية والأماكن الرخيصة وهذا مناقض تماماً لنظرته لقيمة دراسته العلمية للموسيقا وقيمتها التقديرية والمناقض لمبادئه، ولكن الحكم أقوى من الضعيف. على حين الشخصية المسافرة الثالثة-الممثل إبراهيم عيسى- الذي يعاني من مرض الضغط في القلب ولا يجد دواءه ضمن بعثراته الكلامية والسلوكية، ولكنه الحلقة التي تربط كلاً من المسافرين الاثنين بالدعوة للسلام والمحبة والاتفاق، هذا الأخير يرفض العالم كله، ويسعى للسفر إلى الدنمارك ليعيش في قرية وبقعة نائية، لا تصل إليها قدم، مختاراً العزلة والوحدة هرباً من سلوكيات البشر التي سببت له الأذى. زوبعة من المشاعر والاعترافات والمعاناة التي تشهدها الساعة كي تختم العرض الرسامة-رشا الزغبي- بعد أن أمضت العرض بالسكوت أو بترديد بعض العبارات التي يرددها الممثلون، ولكن تكشف لنا الحقائق بأن الجميع ليسوا في مطار بل هم في مشفى للمجانين وكلهم لديهم نزق حاد من المجتمع، ويطالبون بالعيش في وحدة بعيداً عن الجميع.

المخرج مأمون خطيب

لا يأخذ العرض المسرحي مداه أو يتجلى إلا بعد يوم الافتتاح بيومين أو ثلاثة، حيث يكون قد زال التوتر وأصبح فريق العمل على بيّنة من الأمور، ومدركين لكل التفاصيل المحيطة بالعرض، ومن هنا انطلق حديثنا مع مخرج (البوابات) مأمون خطيب «من بعد الافتتاح بدأنا نذهب نحو الإيقاع والحيوية بشكل مدروس أكثر، بمعنى أنه تبين لنا مزاج العرض، فحقيقته تتجلى من بعد اليوم الرابع على الافتتاح، وأحب أن أشير هنا إلى أنني كمخرج (دكتاتور لطيف)، فلا يوجد مخرج لا يتمتع بهذه الصفة بشكل أو بآخر، ولكن في هذا العرض بالذات، هناك تمازج بالآراء وبطريقة تجريبية بالتعاطي مع الممثلين، من حيث حقنا بالتجريب والتغيير نحو الأنسب من بداية العرض وحتى ختامه. وبالطبع كان هناك مشاركة مع الممثلين بالتأليف وحتى بالإخراج، ولكن في النهاية المخرج هو الضابط للعمل والموجّه لمصلحة العمل».

وفي سؤال «الوطـن» عن صعوبة النص وتعقّده بكم الأفكار المطروحة، جاء تعقيب الخطيب «بصراحة صعوبة النص كانت مقصودة، انطلاقا من فرضية ألا يفهم الجمهور بداية ما الذي يحصل أو ما الذي يدور بين الشخصيات؟ هذا كان أسلوبنا كي نُحدث الخلل بين الواقع والخيال، وحتى ندمج بطريقة تجريبية التعاطي مع الشخصيات نفسها والجمهور ومع النص، ومن ثم لم نكن مضطرين للكشف من أول لحظة بمكان الحدث والحقائق الدائرة».

على حين أجاب حول ضرورة الكوميديا أن تكون مطروحة بغاية التنفيس عما أثقل الإنسان في سني الحرب، قال: «حاولنا التوجه للكوميديا ولكن أنا أرى بأن المسرح يعكس حال المجتمع، وفعلا في الوقت الحالي بعد الحرب نشأت أمراض نفسية كثيرة، وهذا ما حاولنا أن نعكسه كجمهور ومجتمع من حيث معاناتنا من الأزمات النفسية التي انعكست علينا ما بعد الحرب، وهدفنا أن نسلط الضوء على أزمة الموهوبين والمثقفين من الشباب الانعزاليين، وإلى أي مدى أثر عليهم الوضع العام».
في حين أوضح المخرج مأمون خطيب استفسارنا عن هيئة ومكياج وجوه الممثلين «هذه الوجوه كما تراها الرسامة وهي صاحبة الأزمة الأساسية، فكل الممثلين يحضرون معها بخيالها ولكنهم في الوقت نفسه متواجدون معها مكانياً، وهذه اللعبة التي يلعبونها كل يوم».

وختم حديثه بالتأكيد على عشق الجمهور للمسرح، وبأن الحضور لم ينقطع في التوجه إليه حتى في سني الأزمة، وخصوصاً من فئة الشباب الذين كان لهم دور فعال «ولكوني أدرس في المعهد العالي للفنون المسرحية فأنا سعيد بحضورهم وبمتابعتهم للحركة المسرحية وخصوصاً هذا العرض بالذات، لكونه يمسّ الشباب بطريقة أو بأخرى».

نسرين فندي

الخطوط المطروحة في العرض تشبه الجميع وليست غريبة عن أي شخص يعيش واقعنا السوري، ومن سيأتي ليشاهد العرض سيلمسه أمر ما، وأضافت الممثلة والمشاركة في التأليف نسرين فندي: «عندما قررنا كتابة النص، اخترنا أن نتكلم عن همومنا التي لن يجيد البوح عنها أي أحد سوانا، فمن الطبيعي أن تكون الشخصية تشبهنا بمكان ما».

و في سؤالنا لها عن المكان، بين الإخراج والتأليف والتمثيل أين تجد نفسها أكثر، أجابت فندي: «أنا أجد نفسي ممثلة مسرحية وخصوصاً أنني تخرجت في المعهد، ولكن عندما أقرر أن أُخرج عملاً ربما لأنني أريد أن أعبر عن أمر لا يمكنني أن أعبر عنه تمثيلياً، أما في التأليف فأحب أن أعبر عن موضوع لم يكن مطروقاً وله صلات عميقة بنا، ونحن يجب أن نتكلم به عن أنفسنا، ولا ينفع أن نأخذ نصاً أجنبياً ونطبقه هنا، لعدم تطابق الحالة من حيث الإعداد، لكون المشكلة تخصنا ومن عمق معاناتنا، وخصوصاً في الأزمة المريرة التي مضت والتي لن يستطيع أحد أن يتكلم عنها سوانا، حتى لو كانت مشابهة لأشخاص في بلدان أخرى مرّوا بحروب، فالمعاناة نفسها، ولكن يبقى هناك أمر خاص لا يمكن لأحد الاقتراب والتعبير عنه غيرنا».

وعن أداء الشخصيات الصعب، لكونها تجسد حالات نفسية معقدة ومركبة تضيف: «كان العمل مقصوداً بأن يكون النص معقدا ويروي حكايات شخصيات معقدة ومريضة نفسياً، وأن ينشغل تفكير المشاهد بما يرى، فالموضوع المطروح الغاية منه ليست ترفيهية بأن يأتي المشاهد ليرى ويستمتع ويصفق وينسى ويمضي، بل هدفنا أن تعلق برأسه أمور ويعود إلى نفسه حولها ويفكر بها، من هنا يحقق المسرح غايته وفعاليته بالتأثير في الجمهور ومن ثم المجتمع».

خاتماً، مدرسة المعهد نسرين فندي حديثها كان عن مسؤولية الوقوف على الخشبة وخصوصاً أن الحضور كانوا من طلابها: «أنا سعيدة بحضور الشباب وخصوصاً أنهم مهتمون ومتابعون ومنهم طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية، ومنذ فترة كنا-كأسرة العمل-نتحدث عن أننا لم نشهد إقبال الشباب للمسرح، فالأمر بالنسبة لي جميل جداً وفي الوقت نفسه مرعب، لكون طلابي يتابعوني وأنا أقدم لهم المعلومات أثناء التدريس، فأخاف الوقوع بأي خطأ».

إبراهيم عيسى

شرطية النص بأن يعتقد المشاهدون بأن الممثلين أشخاص طبيعيون، ليتبين بعدها أنهم غير موجودين في المطار، بل هم في مشفى المجانين ويعانون التعب أو المرض النفسي، ليضيف الممثل إبراهيم عيسى في حديثه لنا حول شخصيته وتعامله مع المخرج وعرض (البوابات) بالعموم «المرض النفسي لا يظهر مباشرة للعيان، فهنا لدينا شرطية مختلفة ونحن نقدم شكلاً مسرحياً مبنياً على التجريب ومبنياً على العبثية واللاواقعية، والحامل الخاص به هو الكم الكبير لمعاناة ما بعد الحرب.

ومن جهة أخرى هذا العرض متعب جداً لأنه لمدة ساعة متواصلة من الجهد والتركيز، ولا يمكن لأي منا أن يغفل لأننا سنضرب إيقاع العمل العام، على حين نحن نشكل أسرة واحدة وكان هناك نقاشات حول الحوار وشكل الشخصيات ولكننا اتفقنا بالنهاية كي نقدم العرض بشكله الحالي. وأخيراً أنا سعيد بالتجربة وهي مهمة بالنسبة لي وكنت خائفاً يوم الافتتاح من حيث عدم تقبل الجمهور للعرض، لأن العمل تجريبي واقعي وعبثي، ويتجه بأوقات نحو لا منطقية الزمن، ولكن في النهاية العرض هو تحدٍ لنا وهو ثمرة تحضيرات استمرت لمدة تزيد على شهر».

رشا الزغبي

مهما تنوعت التجارب بين الدراما أو السينما أو المسرح، لكن التجربة مع الأخير هي الأقوى، هذا ما بدأت به الحديث الممثلة رشا الزغبي التي ابتعدت لسنوات عن تمثيل الدراما، مثابرة بالتمثيل المسرحي، فتقول «المسرح يضيف لتجارب الفنان بشكل أقوى، لكونه يُغني أدواته وتفاصيل ارتداء الشخصية، صحيح الأمر ذاته في الدراما، ولكن في المسرح أصعب، فالممثل حاضر على الخشبة مباشرة، ولا يمكن له أن يعيد أو يكرر العبارة عند الوقوع في الخطأ، كما هو الحال لو كان يمثل أمام الكاميرا، لهذا المسرح يطلب من الممثل جهوزية عالية».

عن تعاملها مع المخرج مأمون الخطيب والعرض تضيف رشا: «هذه أول تجربة لي مع الأستاذ مأمون، ولم أكن أتوقع منه طريقة التعامل هذه مع الممثلين، رغم معرفتي الشخصية به، أنه مخرج لطيف في التعاطي معنا وفي الاستماع إلى اقتراحاتنا ومناقشاتنا، لقد أحببت العمل معه. أما عن العرض المسرحي (البوابات) هذه التجربة جديدة بالنسبة لي والعمل على الشخصية صعب ومختلف عما قدمته سابقاً، والتحضير لها تطلب مني جهداً كبيراً، وخصوصاً أنني لم أكن قادرة على الكلام بعكس باقي الشخصيات، ففي البداية كنت أكتفي خلال العرض بالحركة والتعبير بملامح وجهي لكوني كنت الرسامة، ولكن في النهاية أبوح وأختتم العرض بإضافة معاناتي ومرضي النفسي إلى باقي الشخصيات التي عانت من الحرب».

سليمان رزق

التجربة جديدة من ناحية الإخراج والتأليف، وطبعا من ناحية الأداء، ومن ناحية الشخصيات، وهي التجربة الأولى للممثل الشاب سليمان رزق الذي أجاد في صعوده على الخشبة، ليحكي لنا عن العرض وتجربته: «الأمر المعقد بأننا بدأنا بالعرض كأشخاص عاديين، ليكتشف المشاهد في النهاية أن الشخصيات مريضة وهي في مشفى المجانين. وفي الحقيقة هذه أول مشاركة لي بل تجربة حقيقية في الصعود على خشبة المسرح، أرجو أن أكون قد وُفقت وخصوصاً أن النص كان معقداً وتطلب تجسيد الشخصيات جهداً كبيراً جداً، فالنص مجنون وترتيبه وأفكاره غير منطقية، وفي الفواصل المطروحة جاء الربط كي نصل إلى نتيجة منطقية تدل على الجنون بشكل مبرر، ومن هنا كانت الصعوبة ولكننا عملنا ضمن إيقاع مع بعضنا متجاوزين كل التعقيدات في الأداء».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن