قضايا وآراء

ما هو العزل وكيف عرّفه الدستور الأميركي؟

| دینا دخل اللـه

يبدو أن قضية عزل الرئيس الأميركي دونالد ترامب تتسارع بشكل كبير في أروقة مجلس النواب الأميركي، فلم يمر على انطلاق الجولة الأولى من جلسات الاستماع العلنية الخاصة بقضية عزل ترامب سوى بضعة أسابيع، حتى صادقت لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأميركي مساء الثلاثاء على تقرير عزل ترامب.
وقد جاء في التقرير الذي حظي بموافقة ثلاثة عشر صوتاً مقابل رفض تسعة أصوات، أن «الأدلة على سوء سلوك الرئيس هائلة، وكذلك الأدلة على عرقلته عمل الكونغرس».
وأضاف التقرير: «لا يوجد رئيس في التاريخ باستثناء ترامب أصدر أمراً للجهاز التنفيذي بأكمله بعدم الشهادة أمام الكونغرس»، كما أوضح التقرير أن «الاتصال الذي جرى في الخامس والعشرين من تموز بين ترامب ورئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي كان تصعيداً مثيراً لحملة استمرت شهوراً لتحقيق مكاسب سياسية.
وتبين من خلال التحقيق «أن ترامب سعى بشكل شخصي ومن خلال عناصر من داخل وخارج إدارته إلى تدخل دولة أجنبية من أجل إعادة انتخابه».
من جانبه اعتبر البيت الأبيض أن هذا التحقيق «زائف ولم يقدم أي دليل ضد الرئيس»، وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض ستيفاني غريشام: «إن هذا التقرير لا يعكس سوى إحباط الديمقراطيين».
أما ترامب فقد صرح من لندن أنه «يرغب في أن يدلي مسؤولو إدارته بشهاداتهم ومن بينهم وزير الخارجية مايك بومبيو لكن خلال محاكمة في مجلس الشيوخ فقط».
بالعودة إلى الدستور الأميركي، ما إجراءات عزل الرئيس؟ وكيف حدد الدستور مفهوم عزل الرئيس من منصبه بوساطة الكونغرس؟
حدد الدستور الأميركي إمكانية عزل الرئيس في حال «الخيانة العظمى والرشوة والجرائم والجنح الكبرى». لكن الدستور لم يشرح هذه الجرائم بشكل واضح ما ترك الباب مفتوحا للكونغرس لتحديد الجرائم التي تؤدي إلى الإقالة. يرى أنصار ترامب هنا أن انتهاكات السلطة التي تتعلق بموضوع الإقالة لا تعتبر من الجرائم والجنح الكبرى» التي قصدها الدستور.
اعتبر الآباء المؤسسون في الاجتماع الدستوري في فيلادلفيا عام 1787 أن إمكانية عزل الرئيس من الكونغرس هي بمنزلة مكابح طوارئ ضد الاستبداد وسلطة الرجل الواحد. وأكدوا أن جرائم الرئيس يجب أن تكون ضد الدولة وليست جرائم فردية كالتهرب الضريبي.
عرف الكساندر هاملتون العزل بأنه «طريقة للتحقيق الوطني في سلوك أشخاص يتولون المسؤولية العامة، بزعم أنهم انتهكوا الثقة العامة».
تبدأ عملية إجراءات عزل الرئيس من مجلس النواب، أو يمكن أن يوافق مجلس النواب على إجراء تحقيق لتحديد أسباب الإقالة بقيادة اللجنة القضائية في المجلس، ولا تحتاج إلا لأغلبية بسيطة لتمريرها، كأن يدعمها 227 نائباً من الحزب الديمقراطي وأحد النواب المستقلين من أصل 435 نائبا، أما محاكمة الرئيس فتجري في مجلس الشيوخ، حيث يجب الحصول على ثلثي أصوات أعضاء مجلس الشيوخ البالغ عددهم 100، وهم 53 من الجمهوريين و45 من الديمقراطيين و2 من المستقلين، من أجل عزل الرئيس، ما لم يحصل أبدا في التاريخ الأميركي.
ويترأس المحاكمة رئيس «المحكمة العليا» أي القاضي جون روبرتس الآن، وتعمل مجموعة «المديرين»، وهي مجموعة من ممثلي مجلس الشيوخ كمدعين عامين خلال المحاكمة. وإمكانية العزل في الدستور الأميركي يمكن أن تشمل نائب الرئيس وجميع الموظفين المدنيين، وقد يحرم المدانون من تولي مناصب عامة في المستقبل.
منذ 1799 أطلق مجلس النواب إجراءات إقالة أكثر من 60 مرة، وأقل من الثلث منهم وصل إلى المحاكمة، وأجرى مجلس الشيوخ 19 محاكمة بما في ذلك محاولة عزل الرئيس الأميركي السابق أندرو جونسون في العام 1868 والرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون في العام 1999 من دون إدانة، أما الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون فاستقال من منصبه 1974 على خلفية فضيحة ووترغيت.
ربما تكون محاولة عزل ترامب فاشلة وغير ممكنة الحدوث منذ البداية، لأن ترامب مازال يحظى بتأييد حزبه الذي يشكل الأغلبية في مجلس الشيوخ.
لكن ما الذي يجعل الديمقراطيين يتمسكون بإجراءات العزل؟ حتى إنهم يصبون كل طاقتهم على إحالة ترامب للمحاكمة قبل الخامس والعشرين من الشهر الجاري.
ربما يكون من الأفضل لو ركز الديمقراطيون اهتمامهم على قضايا الشعب في أميركا كالاقتصاد والصحة والتعليم، لعل هذا يساعدهم في تحسين صورتهم والفوز بانتخابات 2020 بدلا من الاهتمام بتشويه صورة الخصم الذي مازال يحتفظ بقاعدة انتخابية متينة حسب المراقبين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن