الأولى

قهرمانات إسرائيل

| نبيه البرجي

يقول علي باباجان، ولطالما كان أحد أعمدة البلاط، فإن رجب طيب أردوغان «ضائع في مكان ما بين عنق الزجاجة وقعر الزجاجة».
هذا ما نقله إلينا زميل تركي عن الرجل الذي كان الوصيف الأول، والفاعل، لأردوغان الذي «حطمت أعصاب بشار الأسد جهازه العصبي».
يبدو وكأنه بحاجة إلى مصح نفسي بعد سلسلة الصدمات التي جعلته يعاني من «عوارض الهلهلة الداخلية». الآن، في أشد حالات الخوف من المستقبل بعدما كان يعتقد أنه في الطريق إلى استعادة السلطنة العثمانية، ولكن بعد إبدالها بـ«السلطنة الأردوغانية»، هو الذي تبنّى، لسنوات، نظرية أحمد داود أوغلو حول «النيوعثمانية».
أردوغان ذهب إلى واشنطن، وفي ظنه أن باستطاعته «استدراج» دونالد ترامب إلى صفقة ما. فوجئ بأن مضيفه تعامل معه كما يتعامل مع ثعلب عجوز، هذا على الرغم من الفقاعات اللغوية أثناء المؤتمر الصحفي.
ما استشفيناه من الكلام الأميركي أن نائبة مستشار الأمن القومي لشؤون الشرق الأوسط فيكتوريا كوتس وضعت على طاولة الرئيس الأميركي بعض الملاحظات حول الرجل. هل قالت له: «إن محادثاتك، يا سيدي الرئيس، ستكون مع هيكل عظمي مد يده أكثر من مرة باتجاه دمشق التي لا تزال تصر على لاءاتها»؟
مثلما ارتطم رجب طيب أردوغان بالحائط السوري، ارتطم إيمانويل ماكرون، وكان يعلل النفس ولو بدور تكتيكي في المنطقة عبر النيران السورية، كما لو أنه يحاول الثأر حتى من عظام (وعظمة) يوسف العظمة.
رجل الأليزيه وضع نفسه، كما سلفه فرنسوا هولاند، بتلك الشخصية الواهية، في خدمة الباب العالي، من دون أن ينسى التذكير بما قدمه الانتداب الفرنسي لتركيا.
الآن، يقول أردوغان إن ماكرون مصاب بالموت الدماغي. هذا أثار الحساسيات الفرنسية. الصحف تحدثت عن الرجل الذي «إذا أخفق في استعادة ولو جزء من السلطنة العثمانية، استعاد كل مظاهر الغطرسة العثمانية».
الثعبان يراقص الثعبان. هذه هي حال الرجلين في التعاطي مع الأرض السورية. باريس التي شاركت في تصنيع الأزمة لم تدرك، كما عواصم عربية، بأدمغة العصر الحجري، أن أحلام أردوغان تتجاوز خيال هذه الأدمغة. لكأنه خيال الذئاب.
البلدان عضوان في حلف شمال الأطلسي (الناتو). لا ننسى أن السعودية وقطر عضوان في مجلس التعاون الخليجي. غريب أن أردوغان وماكرون لا يعلمان ما يجول في الرأس الأميركي، وحيث تتمحور الفلسفة الإستراتيجية على بعثرة الحلفاء فوق رقعة الشطرنج.
لعلنا نستذكر ما حصل لإيمانويل ماكرون، وقبله لفرنسوا ميتران (وحتى للجنرال شارل ديغول) حين حاولوا الانفصال عن الضفة الأخرى للأطلسي، ومن ثم وقف الانتداب الأميركي، وسواء بدأ بإنزال النورماندي، أو بمشروع مارشال، ناهيك عن «مبدأ إيزنهاور» الذي توخى إحلال الأمبراطورية الأميركية محل الإمبراطوريات الشائخة في القارة العجوز.
في هذا السياق البانورامي، ألا يفترض بذلك الطراز من المعارضة، العالقة في سراويل القناصل، أن تعيد النظر في تبعيتها لمن أرادوا تحويل سورية، بكل بهائها، إلى محظية في الحرملك؟
كيف للسوريين الذين واجهوا الأعاصير أن يقبلوا بطروحات من يتم سوقهم كالماعز، وإلى حد الرهان على ما يتردد حول خطة عسكرية إسرائيلية جديدة ضد سورية بعد سقوط كل السيناريوهات الأخرى.
الغرابة هنا، العار هنا، أن دولاً عربية ضالعة، وضائعة، في متاهات «صفقة القرن»، هي التي تتولى التسويق للسيناريو الإسرائيلي. قهرمانات آخر زمان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن